مجلة أجسر – مجلة عربية محكمة في مجال العلوم – زورو موقعنا

بكتيريا أعماق المحيط

سلسلة روائع الكائنات الدقيقة
الكاتب

الكاتبون : أ. د. عبدالرؤوف المناعمة - روان ريدة

الوقت

11:19 صباحًا

تاريخ النشر

07, نوفمبر 2017

سلسلة روائع الكائنات الدقيقة

عالَم واسع غيرُ مرئي، لم نكن نعرف عنه شيئاً تقريباً قبل 100 عام. ومنذ اكتشاف هذه المخلوقات الدقيقة، لم تتوقف عن إذهال البشر بقدراتها المتنوعة والرائعة، والتي مكّنتها من استعمار معظم البيئات وأداء أدوارها المحورية على كوكب الأرض. كما أنها فتحت شهية البشر لترويضها والحصول على كنوزها المختلفة. في هذه السلسلة من المقالات، سنتعرض لمجموعات متنوعة من البكتيريا والكائنات الدقيقة ذات قدرات خاصة تميزها وتجعلها محطَّ الاهتمام والدراسة.

اكتشاف بكتيريا غير عادية في أعمق خندق في المحيط

تم اكتشاف ميكروبات "متنوعة التغذية " بعمق 11 كم تحت مستوى سطح البحر في أدنى نقطة على سطح الأرض ومن الصعب أن نتخيل قدرة هذه البكتيريا الفائقة على تحمل والتأقلم مع هذا الضغط الهائل الذي يشكله عمود من الماء يبلغ طوله 11 كم. قبل بضعِ سنوات، قضى مخرج الأفلام "جيمس كاميرون" ساعات وهو يجوب أعماق المحيطات في العالم بحثاً عن أي علامة لوجود الحياة. وقد وجد بعض الحيوانات الغريبة، ولكن اتضح أن ما يبحث عنه في خندق ماريانا يوجد بعيداً عن متناول الكاميرا الغوّاصة.

واكتشف باحثون من اليابان أن بكتيريا مجهرية تتواجد بكثرة في الوادي المعروف بـ Challenger Deep، حيث تعتبر أدنى نقطة على سطح الأرض وأعمق جزء في خندق ماريانا، كما صرح الفريق البحثي لمجلة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم على وجه الخصوص. فقد وجدوا هناك مجموعة غير عادية من البكتيريا، بكتيريا غير ذاتية التغذية "متنوعة التغذية" Heterotophs، أي الميكروبات التي لا يمكن أن تنتج طعامها بنفسها، ويجب أن تتغذى على ما تجده في الماء من مواد عضوية جاهزة.

.

من المعروف أن البكتيريا تستوطن بيئات مختلفة ومتنوعة وقد تكون بيئات غريبة وتصعب فيها الحياة لغيرها. والبكتيريا ذاتية التغذية Autotrophic bacteria  هي التي تستطيع القيام بتصنيع غذائها بذاتها من مواد بسيطة مثل ثاني أكسيد الكربون، بواسطة عملية التمثيل الضوئي، وهي مثل النباتات تحتاج إلى الضوء، وغالباً تكون متواجدة في أماكن يتسلل لها الضوء بشكل ما. أما تلك التي تعيش في الظلام فتحتاج نوع آخر من الغازات مثل كبريتيد الهيدروجين وهذه تم اكتشافها في نقاط عميقة من المحيط منذ فترة طويلة. أما أن تجد بكتيريا في أعماق المحيط غير ذاتية التغذية (متنوعة التغذية) فهذا هو الغريب.

فوجد الباحثون أن أشكال الحياة الكبيرة كانت نادرة مقارنةً بمياه المحيطات الضحلة. ومع ذلك، فإن أشكال من الحياة الدقيقة في مياه Challenger Deep كانت وفيرة نسبياً، وتشبه تلك الموجودة في مياه الآبار غير المعالجة، وفقاً لما ذكره الباحث Takuro Nunoura، وهو عالم ميكروبيولوجي في الوكالة اليابانية لعلوم وتكنولوجيا الأرض البحرية (JAMSTEC). ويبلغ متوسط ​​عمق قاع المحيط نحو 4,000 م؛ وهي أعمق نقطة لها في خندق ماريانا الواقع في غرب المحيط الهادئ، حيث ينحدر وادي Challenger Deep إلى أكثر من 11,000 م تقريباً تحت مستوى سطح البحر. وتوجد جميع أنواع الحياة المجهرية في قاع البحر بهذا العمق، من البكتيريا والبكتيريا القديمة Archaebacteria إلى الخميرة والفيروسات، وفقاً لهذه الدراسات وغيرها.

ووفقاً للباحثين، في Challenger Deep، فإن البكتيريا متنوعة التغذية على الأرجح تستمد غذائها من الجسيمات الغارقة، مثل الكريات البرازية الذائبة أو الغبار، أو ربما من الظواهر الجيولوجية مثل الانهيارات الأرضية التي تسببها الزلازل، التي يمكن أن ترسل الرواسب الغنية بالمواد العضوية التي تتدفق إلى أعماق الوادي. وهذه الانهيارات الكبيرة هي حوادث نادرة بالنسبة للحياة البشرية، ولكنها تحدث في كثير من الأحيان على نطاق زمني جيولوجي، ويمكن أن يستمر إطلاق المركبات العضوية لفترة طويلة جداً. كما أفادت دراسات حديثة، أجريت في Challeneger Deep من قبل فريق منفصل، أن الرواسب هناك تستضيف المزيد من الميكروبات مقارنةً بقاع المحيط العميق الواسع المجاور، والذي يسمى السهول السحيقة.

وقاس فريق البحث وفرة الحياة هناك، ودرجة الحرارة، والملوحة والتراكيب الكيميائية لمياه البحر من المياه السطحية فوق خندق ماريانا إلى الجزء السفلي من Challeneger Deep بواسطة مركبة تعمل عن بعد. وجد الباحثون في المحيط تنوع ميكروبي يتمايز باختلاف العمق. وقد حددت تقنيات البصمة الوراثية مختلف الميكروبات استناداً إلى بعض الجينات، كما أشارت إلى الوفرة النسبية للأنواع المختلفة. وتم العثور على حياة المحيط غير المرئية في جميع الأعماق، ولكن الميكروبات كانت أكثر وفرة بالقرب من السطح وعلى أرضية المحيط(القاع)، حيث يمكن العثور على معظم المواد الغذائية.

وقد تم تقسيم المحيط إلى طبقات: طبقة دافئة، ومالحة من أعلى وباردة، وطبقة أقل ملوحة تبدأ بحوالي 400 م تحت السطح. وكانت حرارة المياه حوالي 1 درجة مئوية. وتتواجد النباتات مثل العوالق النباتية في المياه السطحية. فالضوء يخترق 100 م من المحيط. وكانت البكتيريا ذاتية التغذية "كيميائية"، أو الميكروبات التي بقيت على قيد الحياة عن طريق تحويل المركبات مثل: الكبريت والأمونيا إلى الغذاء، وفيرة في منطقة فقيرة المغذيات لكن تنخفض تحت عمق 6,000 م، لتحل محلها عضوية التغذية، فهكذا أوجدت الدراسة. وتتراوح المنطقة السحيقة من 2,000 م إلى 5,000 م.

المقال بصيغة PDF للقراءة والتحميل أعلى الصفحة

 

  • أ.د. عبدالرؤوف علي المناعمة (دكتوراه في الأحياء الدقيقة، الجامعة الإسلامية في غزة)
  • روان حسن ريده (ماجستير أحياء دقيقة، الجامعة الإسلامية في غزة)

 

البريد الإلكتروني للكاتب: elmanama_144@yahoo.com

الزوار الكرام: يسعدنا مشاركتكم وتواصلكم حول هذا المقال

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

license
0 التعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
guest

شبكاتنا الاجتماعية

  • facebok
  • twitter
  • Instagram
  • Telegram
  • Youtube
  • Sound Cloud

يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

icons
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x