مجلة أجسر – مجلة عربية محكمة في مجال العلوم – زورو موقعنا

معجزة التخليق الضوئي في النبات

خلايا شمسية تحاكي خلايا شمسية من النبات

الكاتب

الكاتب : د. طارق قابيل

أستاذ التقنية الحيوية المساعد - جامعة الباحة

الوقت

08:38 صباحًا

تاريخ النشر

31, مارس 2013

كشف باحثون النقاب عن خلايا شمسية عضوية جديدة قابلة لإعادة التدوير وذات كفاءة عالية، وبالإضافة إلى ذلك فهي مصنوعة من الأشجار، أو بشكل أكثر تحديداً، فقد تم تصنيعها من الركيزة الأساسية التي يمكن أن يتحصل عليها من أي نبات آخر. قام بهذا العمل فريق من مركز الضوئيات والإلكترونيات العضوية (COPE) في معهد جورجيا للتكنولوجيا، بالتعاون مع باحثين من جامعة بوردو الأمريكية.

تصنع هذه الخلايا الشمسية من البوليمر المعتمد على ركائز السليلوز النانوية (CNC) لإنشاء خلايا شمسية أكثر استدامة، وفي نفس الوقت يمكن إعادة تدويرها بسرعة في الماء في درجة حرارة الغرفة. وفي حين أنه يصعب اعتبار أن هذه الخلية الشمسية هي الخلية الشمسية العضوية الأولى المُطَورة، نظراً لأنه قد سبقها محاولات أخرى في هذا المجال. لكنه من المؤكد أنه يمكن اعتبار هذه الخلية الشمسية هي الخلية العضوية الأولى التي يتم إعادة تدويرها بشكل كامل، ويحتمل أن تكون هذه الطريقة طريقة تدوير مستدامة. فمن المعروف أن الخلايا الشمسية العضوية يتم تصنيعها باستخدام الزجاج أو البلاستيك أو عن طريق استخدام ركائز معتمدة على المشتقات البترولية.

قاد البروفيسور برنارد كيبيلين Bernard Kippelen من معهد جورجيا للتكنولوجيا هذه الدراسة، وفي وصفه للنتائج البحثية الحالية، شدد على أهمية عمل الفريق وقال: "يجب إعادة تدوير الخلايا الشمسية العضوية. وخلاف ذلك فنحن ببساطة نحل مشكلة واحدة، وهي تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، في حين نخلق مشكلة أخرى، وهي التكنولوجيا التي تنتج الطاقة من مصادر متجددة ولكن يصعب التخلص منها في نهاية دورة حياته". وتتميز جزيئات البوليمير المعتمدة على ركائز السليلوز النانوية (CNC) التي تصنع عن طريقها هذه الخلايا الشمسية بأنها شفافة بصرياً، مثل أوراق النبات، التي تتيح تمرير الضوء من خلالها، ليتم امتصاصه بواسطة طبقة رقيقة جداً من أشباه الموصلات العضوية.

ويصل معدل كفاءة التحويل الحالية للخلايا الشمسية المعتمدة على ركائز السليلوز النانوية (CNC)  والتي تحاكي الخلايا النباتية إلى 2.7 في المئة، وقد يبدو هذا المعدل مخيباً للآمال، إلا أن الفريق البحثي وصف هذا العمل بأنه "غير مسبوق" بالنسبة للخلايا المعتمدة على ركائز مستمدة من المواد الخام المتجددة. وقد قام الفريق البحثي بالتقدم للحصول على براءة اختراع عن هذا البحث المتميز، ويخطط فريق مركز الضوئيات والإلكترونيات العضوية (COPE) لخطة عمل قادمة تستهدف الوصول إلى كفاءة تحويل للطاقة بمعدل يزيد عن 10 في المئة، وهي المستويات المماثلة لخلايا الطاقة الشمسية المعتمدة على ركائز زجاجية أو مستمدة من ركائز بترولية.

معجزة التخليق الضوئي
ومن المعروف أنه تجري حالياً العديد من المحاولات لإنتاج خلية شمسية من النباتات وبصفة خاصة نبات السبانخ على شكل رقاقة تُستخدم لإمداد الأجهزة المحمولة كالهواتف والحواسب وغيرها بالطاقة الناتجة من كلوروفيل أو يخضور السبانخ، حيث يستفاد من قدرة النبات على استخدام أشعة الشمس لإنتاج الطاقة. ونجح العلماء الأمريكيون في معهد "ماساشوستس" للتكنولوجيا "إم آي تي"، وجامعة تينيسى، ومختبرات البحرية الأمريكية في العاصمة واشنطن، بالفعل في تصنيع أول جهاز في العالم يسمى "خلية البناء الضوئي في الحالة الصلبة"، وهو عبارة عن خلية كهربية أنتجت عن طريق محاكاة عملية التخليق الضوئي في أوراق نبات السبانخ، وتعمل هذه الخلية على تحويل ضوء الشمس إلى كهرباء.
وينظر العلماء للأوراق النباتية الخضراء باعتبارها المصانع الكيميائية الأكثر إثارة للإعجاب والانبهار، ففيها تجري العملية الحيوية الأكثر تعقيداً وأهمية لاستمرار الحياة على الأرض والتي تُعرف بالتخليق (التمثيل) الضوئي Photosynthesis، ويمكن تلخيصها في أنها تؤدي إلى إنتاج سكر الجلوكوز من غاز ثاني أكسيد الكربون والماء في وجود مادة الكلوروفيل.

تتميز النباتات الخضراء والطحالب وبعض أصناف الكائنات الدقيقة بقدرتها على تحويل طاقة الشمس إلى طاقة كيميائية بكفاءة عالية، وتمتلك النباتات آلية معقدة للتخليق الضوئي تهدف في النهاية إلى تخزين الطاقة الضوئية الشمسية ضمن الروابط الكيميائية التي تربط ذرات الكربون والأكسجين والهيدروجين، وتعتبر عملية التخليق الضوئي أنجح آلية في العالم لتحويل طاقة الشمس إلى جزيئات سكر. يمثل تفاعل انقسام جزيئات الماء في وجود الضوء إلى أيونات أكسجين وهيدروجين وإلكترونات نبض عملية التخليق الضوئي. ويشكل هذا التفاعل الحاسم لشطر جزيئات الماء لغزاً محيراً، لأن الطاقة اللازمة لشطر جُزَيء الماء تفوق الحد الكافي لتدمير أي جزيء بيولوجي. ومع ذلك فإن النباتات تقوم بذلك طوال النهار يومياً دون أي تأثيرات جانبية. وبالمحصلة الإجمالية، يحوّل الضوء كل جزيئين ماء إلى جزيء أكسجين وأربعة إلكترونات وأربع أيونات هيدروجين.

وقد توصل فريق من المجمع العلمي الملكي بلندن بقيادة "جيم باربر" و"سو إيواتا" في شهر يونيو 2004م إلى اكتشاف اعتبره البعض الإنجاز الحاسم الذي طال انتظاره، فلقد وضع العلماء أيديهم على اكتشاف الآلية الكيميائية لانشطار الماء أثناء عملية التخليق الضوئي. واعتبر العلماء أن هذا الاكتشاف يمثل إنجازاً مهماً يفتح الباب على مصراعيه لمزيد من الاكتشافات التي من شأنها فك خيوط لغز التخليق الضوئي. وقال البروفيسور "ستنبيورن ستيرنغ" من جامعة لوند السويدية: "إذا كانت (الطبيعة) قد اخترعت مثل هذا النظام الناجح فمن الحماقة أن يتجاهل المرء إمكانية استخدامه كمصدر بديل للطاقة المتجددة".

ولقد حاول العلماء محاكاة التخليق الضوئي في النبات لابتكار جهاز إلكتروني لإنتاج الطاقة الكهربية، ولكن باءت تجاربهم السابقة بالفشل، لأن الخلايا الحية والمواد البيولوجية تحتاج إلى الماء والأملاح، في حين أن هذه المواد تدمر الأجهزة الإلكترونية الكهربية. وللتغلب على هذه المشكلة المعقدة قام "ماركو بالدو" وفريقه بتخليق ببتيد يقوم بتثبيت المركبات البروتينية على الأسطح الخشنة الباردة ويتماسك مع كميات قليلة من بعض جزيئات الماء.
ومن أجل الحصول على البلاستيدات الخضراء الموجودة في أوراق السبانخ والتي تقوم بعمليات التخليق الضوئي، قام العلماء بطحن أوراق السبانخ وفصل مكوناتها عن طريق استخدام جهاز الطرد المركزي، وتم تنقية البلاستيدات الخضراء وحفظها في حالة ذوبان في الماء. ثم قاموا بوضع البروتينات المعقدة على قطعة رقيقة من الزجاج مغلفة برقاقة من الذهب ومغطاة بمادة من أشباه الموصلات، ثم بطبقة أخرى من المعدن. وتم اختبار النموذج الأول للرقاقة عن طريق تعريضه لشعاع من الليزر لاختبار نظرية العمل.

ووجد العلماء أن الرقاقة تحوّل 12% من الضوء إلى شحنات كهربائية، لأن الشريحة مغطاة بطبقة رقيقة من المركبات الكيميائية. ويحاول العلماء تحقيق نسبة تحويل للطاقة تصل إلى 20% أو أكثر عن طريق وضع عدة طبقات من المركبات الكيميائية فوق بعضها في تراكب ثلاثي الأبعاد لزيادة مساحة السطح المعرض للضوء. كما يُجري العلماء حالياً عدة تجارب لإطالة عمر الرقاقة لاستخدامها في التطبيقات العملية، لأن البيبتيد المستخدم يحفظ البروتينات المركبة لمدة ثلاثة أسابيع فقط حتى الآن. وإذا نجح العلماء في إيجاد طريقة لإجراء تخليق ضوئي اصطناعي فإن ذلك سيجعل من الممكن تسخير ضوء الشمس لإنتاج كميات غير محدودة من الكهرباء أو الهيدروجين أو غيره من أصناف الوقود الغنية بالطاقة من الماء بصورة نظيفة وبتكلفة زهيدة. وتُظهر هذه البحوث الحديثة أن محاكاة معجزة التخليق الضوئي التي شكلت حدثاً مهماً في استمرار الحياة على الأرض هي عملية بالغة الصعوبة، فالآن، وبعد 5.2 مليارات سنة من نشأة الحياة، ما زال العقل البشري يناضل بكل ما أوتي من قوة وتراكم معرفي لمحاكاة هذه المعجزة الإلهية في المختبر، محاولاً إيجاد مصدر جديد للطاقة لا ينضب ليحل مشاكل العالم المزمنة.

 

البريد الإلكتروني للكاتب: tarekkapiel@hotmail.com

الزوار الكرام: يسعدنا مشاركتكم وتواصلكم حول هذا المقال

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

license
0 التعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
ضيف
ضيف
02/19/2018 7:19 مساءً
عنوان التعليق
سؤال
guest

شبكاتنا الاجتماعية

  • facebok
  • twitter
  • Instagram
  • Telegram
  • Youtube
  • Sound Cloud

يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

icons
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x