التغير المناخي وظاهرة الاحتباس الحراري وظاهرة البيوت الزجاجية جميعها مسميات لنفس الظاهرة التي تدور حول ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي، أما الظواهر الأخرى مثل ظاهرة النينو El-Nino وظاهرة الانينا La-Nina وظاهرة ارتفاع مستوى المياه السطحية للبحار والمحيطات, وظاهرة العواصف والفيضانات والتصحر وحرائق الغابات ما هي إلا إفرازات لهذه الظاهرة.
في عام 1920م في أوربا ، أثبت العالم الفلكي الصربي Milankovitch 1879 – 1958، أن الكرة الارضية ستمر في تغيرات نتيجة دورات ثلاث (دورات ميلانكوفيتش)، وهذه التغيرات يتبعها تغيرات كبيرة في مناخ الكرة الأرضية، من ارتفاع قياسي في درجة حرارة كوكب الأرض أو العكس من ذلك من جهة أخرى انخفاض قياسي لدرجة حرارة الأرض قد يؤدي إلى حدوث ما يعرف بالعصور الجليدية نتيجة تغير كمية الحرارة الساقطة من أشعة الشمس على سطح الأرض من منطقة لأخرى. وقد أقام خبراء في علم الفلك وخبراء علم المناخ نهاية القرن الماضي بمراجعة الدورات الفلكيه، وبدراسة نظائر الأوكسجين في بعض الأحافير البحرية المختلفة لفترات زمنية سحيقة، وكذلك من خلال مجسات أخذت من التراكمات الجليدية في القطب الشمالي والجنوبي أثبتت بما لا يدع مجالا للشك صدق نظرية ميلان`كوفتش، والتي تدرس الآن في الجامعات في أوربا والولايات المتحدة الامريكه وتندرج تحت إختصاص علم الفلك، وتصنف ضمن التغيرات التي تطرأ علي جسم سماوي يدور حول نجم في مدار ثابت نسبيا.
وتتلخص هذه الدورات في نقاط 3 دورات رئيسيه ، وتلقب بدورات Milankovitch الفلكيه وهي :
- Eccentricity: وهو تعبير – عن التغيرات في قياس عدم دائرية المدار الأرضي حول الشمس، أي تغيرات في الشكل الاهليجي لمدار للأرض ، وهي تحدث خلال دورة يبلغ طولها (96 الف) سنة.
- Inclination or Tilt : وهو تعبير – عن التغيرات في ميل محور الأرض والذي تبلغ قيمته (22º-24.5º). هذا الميل يسبب الفصول الأربعة ، وزيادة زاوية الميل هذه تسبب زيادة في الفرق بين درجة حرارة الصيف ودرجة حرارة الشتاء. هذه التغيرات في الزاوية تحدث كل (41 ألف ) سنة.
- Precession or Earth Wobbles : وهو تعبير – عن تأرجح الأرض حول محورها وهو يحدث كل (21) ألف سنة.
ومن المتعارف عليه في الاوساط الفلكيه والعلميه أن أي تغير في مدار الأرض حول الشمس أو في ميلان محورها، يؤثر على كمية الإشعاع الشمسي الواصل الي الأرض، وقد تم تفصيل هذه الحساب الفلكية التي تتعرض لها الكره الأرض والتي تسبب تغيرات مناخية مهمة من قبل العالم (Milankovitch) والتي أثبتت الدراسات لاحقا ثبوت صحتها. ولو أضفنا الى الدورات الفلكيه التغيرات الكهرومغناطيسية التي تحدث في الشمس أو فيما يعرف بالبقع الشمسية Sun Spots التي تم تسجيلها علمياً منذ عام 1610م أي بعد اكتشاف التلسكوب بفترة قصيرة، والتي لاحظ العلماء أن هناك دورات خاصة من هذه البقع تظهر على سطح الشمس كل 11 عاما ودورات أخرى أكبر منها تحدث كل مئة عام. ومثلاً على هذه التغيرات، يبين عدد البقع الشمسية التي تم رصدها على سطح الشمس، في الفترة ما بين عام 1645 و 1715 اكتشاف العالم الفلكي البريطاني E.M. Maunder في عام 1890 والذي أكد فيه تناقصاً كبيراً في عدد البقع الشمسية خلال تلك هذه الفترة، والتي تزامنت مع فترات شتاء طويلة وقارسة في أوروبا وأمريكا الشمالية أطلق عليها اسم العصر الجليدي الصغير (أطلق عليها اسم Maunder Minimum) .
أما الأدلة الاخرى على التغيرات المناخيه والتي تدعم النظرية الفلكيه السابقه ، والتي تمكن العلماء من معرفتها وتحديد أوقاتها بدقة متناهية عن طريق دراسة حلقات النمو في سيقان الأشجار القديمة, حيث تحدد العصور الجليدية والتغير المناخي باتساع و ضيق حلقات هذه الأشجار، ففي العصور الجليدية تضيق المسافة بين هذه الحلقات مما يعني عدم توفر الماء وضوء الشمس بكميات كافية لنمو النباتات أما اتساع نمو هذه الحلقات فيعني ارتفاع درجة حرارة الجو وكمية أكبر من ضوء الشمس والماء.
وكل هذه الدراسات لا يمكن لأي عاقل التشكيك فيها، كما أن دراسة الكربون المشع في الأحافير المختلفة أكدت بصورة قطعية دقة هذه الدراسات، ومن هذا نرى أن التغير المناخي أو الاحتباس الحراري، ليس وليد العصر الحديث و لكنه وجد على سطح الكرة الأرضية قبل وجود الإنسان نفسه، ويجب أن أوضح نقطة هامّة في هذا الصدد أن الغازات الحبيسة تلعب دوراً هاماً في الاتزان البيئي للكرة الأرضية وأنه لولا وجود الغازات الحبيسة لأصبحت الحياة مستحيلة على الأرض، حيث إنه بدون هذه الغازات الحبيسة سينخفض متوسط حرارة الأرض إلى أقل من -30 درجة مئوية.
وهناك قرائن علمية قطعية أيضا تشير إلى أن تاريخ الأرض منذ نشأتها منذ أكثر من 4.5 مليار سنة تقريباً وحتى يومنا هذا مر بعصور جليدية ودفيئه تسببت في فناء العديد من الأنواع الحيوانية والنباتية، وفي بعض هذه العصور الغابرة تحولت الكرة الأرضية إلى كتلة من الثلج أطلق عليها اسم كرة الثلج Ice ball، إن التغير المناخي ظاهرة طبيعية وجدت على سطح كوكبنا وكواكب المجموعه الشمسيه منذ أن خلق الله الكون ومن عليه وقبل وجود الإنسان نفسه وهي جزء من دورة الحياة.
ولو أضفنا الى ذلك أن الانسان كمخلوق أضعف من أن يقف أمام هذه التغيرات وقد أثبتت الكوارث الطبيعه مدى ضعفه و حجمه وعجزه عن تغيير هذا الواقع الذي يعد سنّة كونيه وضعها الخالق عز وجل ، لأدركنا أن دور الإنسان في تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري يكون هامشيا تماماً مقارنةً بدورة الحياه الطبيعية، وينحصر تحت مضمون التلوث والذي يمكن الحد منه في المحافظه على البيئه وفق إطار معالجة يحددها المتخصصين في البيئة، مع مراعاة عدم إعطاء أمر التغيرات المناخية أمراً أكبر من حجمه والذي حددته الدراسات والنظريات العلمية الموثقّة.
البريد الإلكتروني للكاتب: K.aljamaan@ascckw.com
حساب الفلكي خالد الجمعان على إنستجرام: https://www.instagram.com/khaled_aljamaan/