"المناعة كنز لا يفني" ، هذه مقولتي المفضلة عندما نتحدث عن ميكروبات ن يد القضاء عليها، فلا هناك يوي الجهاز المناعي ، الجهاز الذي أخذ علي عاتقة الدفاع عن الميكروبات بكل بسالة وحتي الموت. ولكن وللأسف أحيانا يحتاج الجهاز المناعي دعما خارجيا في غالب الأمر هو لقاح فعال علي هيئة تطعيم ضد الميكروب لمنع المرض.”
ملأ الحزن والهم عيون الآباء وعشش الفيروس رئات وأمعاء الأطفال وتمكن المرض من الكبار والصغار وأعلنت حالت الطوارئ في كل الولايات الأمريكية في خطة قومية لمنع إنتشار فييروس البوليو الذي يسبب مرض شلل الأطفال وأنهك أمريكا صحيا وسياسيا وماليا وإجتماعيا. وبناءا علي الأخبار السيئة التي تصل مسمعه كل يوم بوجود حالات جديدة من الأطفال أصيبت بالمرض قرر روزفولت رئيس أمريكا حينذاك من رصد منحة مالية كبيرة للأبحاث عن تطوير لقاح لفيروس البوليو الذي أصيب هو شخصيا به. وإشترك العديد من الباحثين في هذا المشروع الصخم كل بطريقته ولم ينجح أحد حتي جاء الطبيب الباحث الشاب د. سالك ليبدأ رحلته مع هذا اللقاح حتي تم التوصل اليه وتعميمه في تطعيم الأطفال بعد ١٠ سنوات اليوم العالمي لشلل الأطفال ليصبح يوم ٢٨ من أكتوبر كل عام هو اليوم العالمي لشلل الأطفال، وقد تم اختياره لأنه يوم ميلاد هذا العالم الأميركي جوناس سالك (1914- 1995) الذي تمكن من تطوير أول تطعيم فعال للمرض أعلن عن نجاحه عام 1955.
وأحتفل العالم والعلماء ومعهم جوجل أمس باليوم العالمي لشلل الأطفال والذي يوافق عيد ميلاد د. سولك. وقبل أن نتعرف علي من هو د. سالك سولك وماذا فعل للقضاء علي هذا المرض الخطير منذ ١٩٥٥ حتي يومنا هذا ليس فقط في أمريكا ولكن العالم كله دعونا نعطي بعض المعلومات الأساسية عن هذا المرض والفيروس الذي يسببه.
فيروس شلل الأطفال (بالإنجليزية: poliovirus) هو فيروس معوي وهو هو فيروس شديد العدوى ينتقل من شخص إلى آخر عبر المخاط والبلغم و البراز الملوث، بالإضافة إلى الطعام والماء الملوثين بالفيروس. و يدخل الفيروس الجسم عبر الفم أو الأنف، ثم يتكاثر في الحلق والأمعاء وبعدها يتم امتصاصه إلى الجسم وينتقل عبر الدم إلى باقي أجزائه. وفي العادة فإن فترة حضانة الفيروس (المدة الزمنية من دخوله الجسم إلى بدء ظهور الأعراض) هي ما بين 5 و35 يوما، ولكنها في المتوسط من أسبوع إلى أسبوعين.
وبعد دخول الفيروس إلى الجسم هناك ثلاثة مراحل لتطور المرض. ففي المرحلة الأولي إما لا يظهر المصاب أعراضا واضحة أو تظهر عليه أعراض طفيفة نسبيا، وبالتالي فربما لا يعلم إصابته بالفيروس. وتشمل هذه الأعراض الحمى الخفيفة وألم في الحلق واحمراره والشعور بالتعب والقيء. وقد تستمر هذه الأعراض مدة 72 ساعة أو أقل. وفي المرحلة الثانية يكون مسار المرض أقوى ولكنه لا يؤدي إلى الشلل، وتشمل أعراضه نفس أعراض المرحلة الأولي ولكن بشكل أكثر حدة، بالإضافة إلى ألم في العنق والظهر والذراعين والقدمين، وتشنج العضلات والتهاب السحايا , وتتضمن هذه المرحلة إصابة النخاع الشوكي أو الدماغ أو كليهما معا، و تنتهي بحدوث شلل لدى المصاب، وتشمل أعراضه فقدان الانعكاسات (رد الفعل المنعكس)، ألما وتشنجا حادا في العضلات، ورخاوة في الأطراف ناجمة عن فقدان السيطرة عليها، فتبدو متدلية ورخوة.
الوقاية
كان نصيب الولايات المتحدة وحدها عام 1916 حوالي 27 ألف طفل مصاب بشلل الأطفال، وكانت بداية الاهتمام على شكل حملات منظمة لمحاربة هذا المرض مع عيد ميلاد روزفلت 30 يناير 1938، وهو أشهر مريض بهذا المرض في العالم، واستطاعت الحملات في أول عام تجميع 1.8 مليون دولار، وظلت محاولات علاج شلل الأطفال فاشلة حتى ظهر العالمان يوناس سولك وبعده ألبرت سابين ونجحا في اختراع لقاح ضد شلل الأطفال، وهو واحد من أعظم الاكتشافات الطبية في تاريخ الطب.
ولا يوجد علاج شافٍ لشلل الأطفال و يعتبر التطعيم السلاح الأساسي للوقاية من المرض، ويتم عبر إعطاء الشخص فيروسات المرض التي تم "إضعافها"، حتي تصبح غير قادرة على التسبب في الأذى للشخص، لكنها كافية لتحفيز جهاز المناعة على تكوين أجسام مضادة تتعرف على الفيروس وتهاجمه وتقضي علي. تمكن العالمان يوناس سولك وبعده ألبرت سابين في اختراع لقاح ضد شلل الأطفال، ويعتبر احد اهم الاكتشافات الطبية في تاريخ الطب. والتطعيم ضد المرض يتم علي خمس جرعات تعطى الجرعة الأولى عند عمر خمسة وأربعين يوما ً ثلاثة أشهر و خمسة أشهر وفي عمر سنة ونصف والأخيرة بعد الأربع سنوات. وفي حال انتشار المرض أو في حال الاشتباه ، يتم إعطاء جرعتين منشطتين من اللقاح بفاصل شهر بين الجرعتين لجميع الأطفال دون الخامسة من العمر بغض النظر هل سبق تطعيمهم أم لأ.
ومنذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي انحسرت الإصابات بالمرض عالميا بفضل التطعيم بنسبة أكثر من 99%، ولكنه ما زال موجودا في بعض الدول مثل أفغانستان وباكستان والهند ونيجيريا. وغالبا ما يشخص المرض بأعراضه الإكلينيكية مثل تشنج الرقبة والظهر، صعوبات البلع والاقياء وللتأكد من الاصابة يمكن أخذ عينة من البراز أو مفرزات البلعوم أو السائل النخاعي الشوكي للكشف عن وجود الفيروس.
والآن من هو د. سولك واللقاح الذي طوره
يوناس إدوارد سولك طبيب وعالم وباحث اميركي ولد في 28 أكتوبر 1914 وفارق الحياة في 23 يونيو 1995 في مدينة لاهويا بولاية ميتشيجان بأمريكا عن عمر يناهز الثمانون عاما. ولد لعائلة فقيرة من المهاجرين الروس ولوالدين هما دوران ودانيال سولك. تخرج من المدرسة الثانوية، ثم انتقل إلى جامعة مدينة نيويورك، حيث حصل على بكالوريوس شهادة في الطب من كلية الطب في جامعة نيويورك في يونيو 1939. وفي الكلية التقى دونا يندساي التي أصبحت زوجته فيما بعد وقد تزوجا في 9 يونيو، 1939.وانجبا ثلاثة اطفال : بيتر، دارل، وجوناثا .
قام سالك بتطوير التجربة الناجحة الأولى للقاح شلل الأطفال (اللقاح مسمى على اسم سولك). وخلال حياته، كان يعمل في نيويورك وميشيغان وكاليفورنيا وبيتسبرغ في وقت لاحق من حياته الوظيفية، وكرس سولك الكثير من الجهود نحو تطوير لقاح مضاد للايدز. لم يسع يوناس سولك للثروة أو الشهرة من خلال ابتكاراته الشهيرة، فى إحدى المقابلات جاء فيها سؤال "من يملك براءة إختراع لقاح شلل الأطفال؟" فأجاب "لا أحد؛ هل يمكنك إستخراج براءة إختراع للشمس؟"
لم يجد سولك أى وظيفة في البداية، ولم ينقذه إلا أستاذه فرانسيز الذي أوجد له وظيفة في معامل أبحاث الجيش الأمريكي، وكانت البداية أبحاثاً على فيروس الإنفلونزا. حاول سولك في أواخر الأربعينات تطبيق أبحاثه على القرود، وكان لقاحه عبارة عن فيروس ميت، وفشل في أول تجاربه 1954 عندما حقن في البداية 137 طفلاً بلقاحه، وارتفع الرقم إلى 2 مليون طفل تقريباً، لكن 260 أصيبوا بعد لقاحه التجريبى، ومن بينهم توفى إحدى عشر مصاباً، وظل سولك يطور من حقنة المصل حتى أعلن اكتشافه العظيم على العالم عام 1955، وبعدها طور سابين الفكرة وجعل الفيروس مضعفاً وليس ميتاً وعلى شكل نقط في الفم وليس حقناً، وخرج اكتشافه إلى النور عام 1957.
تعتبر حملة تجريب التطعيم الذي طوره د. سولك هي الأكبر من نوعها في العالم حتي الآن فقد إشترك فيها 20000 طبيب وموظف صحة عامة ، 64000 موظف ومدرس بالمدارس، وحوالي 220000 متطوع لتجريب الطعم علي حوالي1800000 تلميذ. وقد حازت هذه الحملة بشهرة واسعة لدرجة أنه يقال وقتها أن عدد الأمريكيين اللذين علموا بهذه اذحملة فاق الععد الذي يعرف إسم الرئيس.
الإعلان عن نتيجة حملة التطعيم
وفي 12إبريل 1955 صرح د. توماس فرانسيس بجامعة ميتسؤجان ومنسق الحملة. وتزامن هذا اليوم مرور عشر سنوات عن رحيل الرئيس روزفزلت وهو من أشهر ضحايا العدوي بفيروس البوليو والذي إنشأ مؤسسة للأبحاث عن الفيروس وإيجاد لقاح فعال للمرض وقد حضر مراسم إعلان النتيجة ١٥٠ صحفي ومذيع راديو والتلفاز وقد إصطفت كامي ات ١٦ قناة تليفزيون في خلف القاعة والتي شاهد وقائعها حوالي 54000 طبيب في طول البلاد وعرضها من خلال شاشات عرض سينيمائية. وقد تبرعت شركة الليلي المعروفة بمبلغ ربع مليون دولار لبث الحفل. وتعلقت آذان معظم الشعب الأمريكي بالراديو سواء في البيوت أو السيارات أو محلات البيع والتي أوصلت مكبرلت الصوت بالراديوا ليسمع الجميع وتوقف القصاة عن العمل لحظة الإعلان عن النتيجة حتي يتمكن الجميع من سماع هذا النبأ الهام والذي سوف يغير مجري صحة الإنسانية. ولجأ الأوروبيون إلي إذاعة صوت أمريكا ليتابعوا هذا الحدث الهام.
وفي ظل هذا الخضم الإعلامي علي مستوي العالم إعتلي د. توماس منصة المسرح ليعلن عن الحقائق الآتية: بناءا علي حملة التطعيم فقد وصل نجاح اللقاح إلي 80 – 90 ٪ بعد تطعيم 440000 طفل في 44 ولاية وثلاث محافظات كندية وكذلك هيلسينكي وفنلاند وتطلب التقرير النهائي تققيم حوالي 144 مليون بند من المعلومات التي تم جمعها عن اللقاح. عليه فإن اللقاح فعال تماما وقادر علي حماية الأطفال من الفيروس بنسبة تصل إلي 100٪.
وما أن أعلن د. توماس هذا التصريح حتي هاجت أمريكا وهاج معها العالم أجمع في فرحة عارمة حتي عمدة أمريكا أوقف إجتماعه في هذا الوقت ليعلن بفرحة كبيرة خبر نجاح لقاح د. سولك. وتحولت الشوارع من الشرق إلي الغرب إلي أفراح وإحتفالات بدكتور سولك حتي إمتلأت واجهة المحلات بعبارة شكرا د. سولك. وفي نفس اليلة تعاقدت شركة جلاكسوا بانجلترا علي تصنيع اللقاح بصورة دواءية تعمم علي الأطفال في جميع أنحاء العالم. ومن الصباح الباكر توالت وسائل التكريم من عامة الناس ورجال الأعمال والعلماء ورئيس أمريكا حينئذ إيزينهاور والذي منحه ميدالية التميز العلمي وخصص منحة سنوية بإسمه للطلاب الراغبين في دراسات التطعيم وتم إنشاء معهد بحثي طبي بإسمه.
وهكذا أصبح الباحث الشاب عالما يشار إليه بالبنان وأصبح صاحب معهد علمي كبير بدلا من معمل تحت بير السلم الذي بدأ فيه أبحاثة عندما إنتقل إلي جامهة بينيسبيرج في أول حياته العلمية المستقلة. ساب أراح العالم من شبح مرض خطير كاد يصيب معظم أطفال الأمريكين والعالم بالعجز طوال الحياة. وهكذا أصبح سولك بطلا قوميا.
حقا عقول العلماء شموع تحترق ليضئ العلم ويمشي الناس في طرقاته فقيرهم وغنيهم وغفيرهم وأميرهم وضعيفهم وقويهم ، إنه العلم الذي ليس له أوطان ولا أديان ولا زمان ولا مكان. إنه علم الإنسان للإنسان.
البريد الإلكتروني للكاتب : mohamedlabibsalem@yahoo.com