الكاتب : الدكتور طارق قابيل
أستاذ التقنية الحيوية المساعد - جامعة الباحة
01:39 مساءً
20, أكتوبر 2014
طور العلماء طحالاً اصطناعياً قادر على تنقية الدم من البكتريا والفيروسات شديدة الخطورة والشراسة مثل الإيبولا والإيدز و غيرهما من الفيروسات. وقام بابتكار الطحال الاصطناعي الجديد، المسمى "الطحال الحيوي" أو "biospleen"، فريق من الباحثين بقيادة "دونالد إنجبير" من جامعة هارفارد في معهد ويس للهندسة البيولوجية في بوسطن. ومن المعروف أن التهابات الدم الناتجة عن الفيروسات صعبة للغاية في العلاج ويمكن أن تؤدي إلى تعفن الدم، وهو نوع من الاستجابة المناعية الحادة، التي يمكن أن تكون قاتلة. ولا يعرف الأطباء في أغلب الأحيان ما الذي يسبب هذه الالتهابات، وعادة ما يضطرون إلى الاعتماد على المضادات الحيوية واسعة النطاق في محاولات العلاج، ولكنها لا تكون فعالة في كثير من الأحيان، ولا تعالج هذه الالتهابات، ويمكن أن تؤدي في النهاية إلى مقاومة الجسم للمضادات الحيوية.
ولهذا يقدم هذا الطحال الجديد حلولا غير معهودة لتصفية الدم والتخلص من هذه الفيروسات والالتهابات بطرق أكثر فعالية. وتكمن قوة الجهاز في فلتر مغناطيسي خاص متناهي الصغر، أنتجه العلماء عن طريق استخدام جسيمات مغناطيسية متناهية الصغر، قاموا بتغليفها بنسخة معدلة من بروتين خاص يسمى الليكتين المقيد بالمانوز (MBL) Mannose-binding lectin أو البروتين المقيد بالمانوز (MBP)، وهو ليكتين له دور أساسي في المناعة الفطرية. ويرتبط هذا البروتين بجزيئات السكر على سطح أكثر من 90 نوع من البكتيريا والفيروسات والفطريات، بما في ذلك السموم التي تطلقها البكتيريا الميتة، والتي يمكن أن تؤدي إلى التسمم وتعفن الدم. ويوجد أيضا هذا البروتين في جسم الإنسان. وبمرور دم المريض خلال الطحال الاصطناعي "الطحال الحيوي"، تقوم هذه الجسيمات المغناطيسية متناهية الصغر المغلفة ببروتين MBL بالارتباط بغالبية مسببات الأمراض من الفيروسات، و يقوم المغناطيس في الطحال الاصطناعي بسحب الجسيمات المتناهية الصغر التي ارتبطت بالبكتيريا و الفيروسات، ما يؤدي إلى تنقية الدم، ليتم ضخه مرة أخرى نقياً بدون أية فيروسات إلى جسم المريض، بطريقة تشبه أجهزة الغسيل الكلوي.
الطحال البشري الطبيعي
ومن المعلوم أن الطِّحَال (Spleen) هو عضو يوجد في الإنسان و في جميع الحيوانات الفقارية. والطِّحَال هو أكبر كتلة مفردة من النسيج اللمفاوي في جسم الإنسان، و لونه يميل للاحمرار. ويقع في أعلى الجانب الأيسر من البطن تحديداً في المراق الأيسر، تحت الحجاب الحاجز و يشبه في تكوينه الغدد اللمفاوية، فهو بيضاوي الشكل في استطالته ذو لون أرجواني معتم. و هو يعمل بشكل أساسي كمرشح (مصفاة) للدم، لذلك فهو عضو غير حيوي، أي أن الإنسان يستطيع الحياة بشكل طبيعي بعد إزالة الطحال، سواء كان نتيجة حادث أو كإجراء علاجي. ويساهم الطحال مع الكبد في صنع كريات الدم الحمراء في المرحلة الجنينية، و يفقد هذه الوظيفة بعد الولادة. ويعتبر الطحال مخزناً رئيساً للدم (إذ يمكنه اختزان 1/5 إلى 1/4 دم الإنسان)، حيث يقوم بخزن الدم على صورة مركزة، و يفرغه في الدورة الدموية في الحالات الطارئة كالنزيف. و يقوم الطحال بتنظيم كمية الدم المارة في الأوعية الدموية. و يعمل الطحال على تخزين ما يكون في الدم من الشوائب و الميكروبات بفضل الجيوب والفراغات الدموية الكثيرة المبطنة بخلايا بلعمية. ويعتبر الطحال مقبرة الكريات الحمراء.
ويلعب الطحال دوراً في المناعة بفضل العقد اللمفاوية (كريات مالبيجي) التي تصنع كرات الدم البيضاء اللمفاوية، حيث أن الطحال يحتوي على جلطات من خلايا الدم البيضاء تسمى اللمفاويات تطلق بروتينات خاصة في الدم، وتدعى هذه البروتينات بالأجسام المضادة التي تحارب البكتيريا والفيروسات وأية مواد أخرى تسبب العدوى، كما أن الطحال يقوم بإبادة الطفيليات والبكتيريا بواسطة البلاعم (خلايا كبيرة موجودة في الفراغات الإسفنجية). وتؤدى إزالة الطحال إلى ارتفاع متوسط في أعداد كرات الدم البيضاء والصفائح الدموية، وانخفاض الاستجابة لبعض اللقاحات، وزيادة احتمالية التعرض للالتهابات خاصة البكتيرية منها والأمراض الناتجة عن الأوليات. وقد تم اختبار الجهاز على الفئران المصابة ببكتريا إيكولاي والبكتريا العنقودية، بعد خمس ساعات من الإصابة، و وجد العلماء أن 89% من الفئران التي تم تنقية دمها من خلال "الطحال الحيوي" لا تزال على قيد الحياة، بالمقارنة مع 14% آخرين بقوا على قيد الحياة ممن لم يعالجوا. كما وجد العلماء أن الجهاز قد أزال أكثر من 90% من البكتيريا الموجودة في دم الفئران أيضا.
نتائج واعدة
شجعت النتائج التي أجريت على الحيوانات باستخدام "الطحال الحيوي" العلماء على إجراء التجربة على الدم البشري، و قام فريق الباحثين باختبار "الطحال الحيوي" باستخدام خمسة لترات من الدم البشري، و الذي يمثل حجم الدم في جسم الإنسان البالغ، و وجدوا أنه في غضون خمس ساعات، تمكن الجهاز من إزالة معظم مسببات الأمراض من البكتيريا والفيروسات في الدم. وأكد فريق البحث أن الجهاز يمكن استخدامه لعلاج الفيروسات الأكثر خطورة، مثل الإيدز و إيبولا وغيرها من الفيروسات الخطيرة، و بدأوا بالفعل اختباراتهم على الخنازير، و يتوقع العلماء إمكانية تجربة "الطحال الحيوي" على البشر في غضون بضع سنوات من الآن. و نشر البحث الخاص بهذا "الطحال الحيوي" في مجلة "نيتشر ميديسن" Nature Medicine يوم 14 سبتمبر 2014م.
رابط البحث
البريد الإلكتروني للكاتب: tarekkapiel@hotmail.com
الكلمات المفتاحية