تنبع أهمية مقالي هذا من خطورة القضية التي يتناولها لأنها تدخل في تفاصيل ونسيج الحياة اليومية لكل مواطن ليبي، أيضاً لأنها تمثل عنصراً هاماً وأساسياً في مكونات الأمن القومي الليبي. بالتالي يجب (في رأيي) أن تكون على رأس الأولويات المطروحة على الأجندة بالنسبة للجهاز التنفيذي والتشريعي في ليبيا. إنها الطاقة.
تتعاظم أهمية الطاقة للدولة الليبية نظراً لمساحتها الشاسعة، أكثر من 3 مليون كيلو متر مربع لا يشغل العمران فيها إلا نسبة لا تزيد عن خمسة في المائة فقط، وبسبب قلة عدد السكان،6 مليون نسمة، الذين يتطلعون إلى مدن جديدة للسكن وللعمل وإلى مشروعات للإنتاج، وكل هذا يحتاج إلى طاقة سواء للأغراض المنزلية أو الإنتاجية أو للشئون الحياتية المختلفة. وبالرغم من أن ليبيا دولة منتجة للطاقة خاصة المصادر التقليدية (النفط والغاز) غير أن حجم الطلب يزداد كل يوم، والأهم أن ليبيا تصدر النفط خام دون تكرير وتستورد أغلب مشتقاته لحاجتها إلى عائدات مالية كبيرة تتطلبها الاستثمارات والخدمات في الداخل الليبي، وعليه لقد صارت الطاقة في ليبيا اشكالية تتداخل فيها عدة مشاكل ومسائل، وبالتالي هناك العديد من الأسئلة تحتاج إلى اجابة واضحة وصريحة من قبل المسؤولين و الخبراء في ليبيا. من هذه الأسئلة: ما هو حجم الطاقة الموجودة في ليبيا حالياً و المحتمل وجودها طبقاً للتقديرات العلمية؟ ما حجم الاستهلاك الحالي والمستقبلي على ضوء طموحات خطط التنمية ورفاهية الحياة للمواطن الليبي؟ وهل يكفي ما لدى ليبيا من مصادر للطاقة؟ وإلى أي درجة يمكن أن نحتفظ بها لأنفسنا أو نشجع على زيادة تصديرها؟ وما انعكاس ذلك على البيئة و حمايتها؟
ومع تعدد هذه الأسئلة هناك مسألة هامة تفرضها علي القراءة الواعية للخريطة المحلية و الاقليمية و العالمية، و هي من الضروريات الملّحة التي تحتم علينا ترشيد استخدام الطاقة حفاظاً على كفاءتها و ادخاراً لثروتها على أن يكون هذا الترشيد علمياً و في متناول الجميع، و المهم هو كيف يتم ذلك. الحقيقة، أن القضية ليست سهلة بل هي مركبة و معقدة لأنها تتعلق بعدة جهات و يستلزم تنفيذها تضافر و تعاون جهود جهات عديدة علمية و رسمية وشعبية، بمعنى أنها تحتاج إلى خطة ذكية وتشريع شامل، و هذا يقودنا إلى الحاجة لندوات موسعة على مدى شهور يشارك فيها الخبراء المتخصصين في مجال الطاقة و مصادرها بالإضافة إلى وزير الكهرباء و الطاقات المتجددة و الهيئة العامة للبيئة و وزارة النفط والغاز والمؤسسة الوطنية للنفط ورجال الاقتصاد و الاعمال و المهتمين بذلك، على أن يتم نشر مخرجات هذه الندوات باستمرار في الصحف والجرائد والمجلات والقنوات التلفزيونية حتى تتطلع العامة على تفاصيل سياسة الترشيد و تساهم فيها، وأخيراً يتم نشرها في كتاب ليكون وثيقة في أيدي الجميع و مرجعاً هاماً في متناول صناع القرار و الباحثين والمهتمين.
وفي مقالي هذا أجد نفسي مجبراً على تناول قضية الطاقة والتنمية المستدامة في ليبيا التي لم نفهم كل ابعادها، فنحن جميعاً نفهم الطاقة على أنها القوى المحركة التي لا نستغنى عنها في حياتنا اليومية سواء في المنزل أو في الشارع أو العمل، ولكن السؤال المحير هو من أين تأتي؟ وكيفية استعمالها و استثمارها؟ وإلى متى يستمر انسيابها الينا؟ وعلى الليبيين التمعن والإجابة على كافة هذه الاسئلة المطروحة في هذا المقال، ومنها:
- ما المقصود بالطاقة؟
- ماذا لدينا من بترول وغاز؟ وكيف نستخدمه و نستثمره و ما هي احتياطاته؟ وهل الأفضل ان نبيع الفائض أم نصنعه؟
- ماذا لدينا من كهرباء و من أين و ما هي المصادر المحتملة لتوليدها وما هي مشروعاتها و شبكاتها في ليبيا؟
- ما المقصود بتخطيط الطاقة و من الذي يتولى هذا التخطيط وبأي مشاركة و لأي هدف؟
- وعند حديثنا عن الطاقة ومصادرها و انواعها وعن تأثيراتها المهمة، كيف يكون انعكاسها على البيئة ؟
- ما هو موقع الطاقة من استراتيجية التنمية في ليبيا وما تسعيرها؟ وإلى أي مدى تؤثر سلباً او إيجاباً في حجم الانتاج و في تحقيق ميزة تنافسية لها في الاسواق المحلية والخارجية؟
- ماذا لدينا من فرص الطاقة الجديدة و المتجددة و من الذي ينفذها ومن الذي يحميها؟
وعلى ضوء ذلك كله هل الطاقة في ليبيا اليوم تسير في خط سليم أم عليها ملاحظات؟ وهل التشريعات الحالية كافية لتحقيق الهدف أم لا؟ وبعد الاجابة على كافة هذه الاسئلة من المعنيين بهذا الأمر في ليبيا عليهم الاتجاه إلى بناء اقتصاد يتحدث عن أرقام وتوفير فرص عمل و توفير تكاليف التشغيل وحجم الاستثمارات عن طريق أمن الطاقة في ليبيا. ونهتم بالاستخدام الاكفأ من حيث تأمين الطاقة لأجيال قادمة بالإضافة إلى البعد البيئي والتأثير على حماية البيئة الليبية. ومن المؤسف القول أن معدلات استهلاكنا للطاقة يوازي ضعف معدلات نمو الإنتاج عندنا.
وفي اطار كل هذا يجب علينا تكثيف الدراسات والابحاث عن امكانية زيادة الاستثمارات في مجال ترشيد الطاقة عند الاستهلاك النهائي، ونبني خطة مستقبلية لمدة عشر سنوات قادمة على ان يكون العائد فيها أفضل من الاستثمار في مجالات اخرى عديدة، والسؤال الذي يدور في ذهن الكثير من الليبيين هو لماذا لم تأخذ الطاقة أو استخداماتها حيزاً ملائما في فكر رجال الاستثمار والمؤسسات التمويلية الليبية؟ وحسب المعلومات المتوفرة لدينا أن وزارة الكهرباء والطاقات المتجددة لديها مشروع طموح لتوفير الطاقة وهناك مشاريع أخرى للاستخدام النهائي الذي يذهب منه حوالى 50 % للقطاع الصناعي وحوالى 30 % لقطاع النقل، بالتالي علينا أن ننظر إلى الموضوع بطريقة شاملة حيت مند زمن طويل ونحن ننظر إلى موضوع ترشيد الطاقة بمجهودات متفرقة، و كلاً منها ناجحة في مجالها ولكن لا يوجد التكامل المطلوب الذي يستطيع أن يضع لليبيا خطة ترتبط بأولوياتها الاقتصادية والاجتماعية.
- ما نريد قوله هو أن الحل يكمن في جملة واحدة و هي المطالبة بمنظومة من التشريعات والسياسات الموجهة لتكتمل مع مبادرات السوق التي يقودها القطاع الخاص اليوم، واطلق من هذا المقال مبادرة شراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص للتعاون بين (وزارة الكهرباء و الطاقات المتجددة والشركة العامة للكهرباء ووزارة النفط والغاز والمؤسسة الوطنية للنفط والهيئة العامة للبيئة ووزارة المواصلات والنقل ووزارة الصناعة و وزارة التخطيط مع جهتين من القطاع الخاص هما اتحاد الصناعات والجمعية الليبية لأعمال الخدمات وهي غير حكومية، عن طريق توقيع بروتوكول تعاون يؤدي إلى تكوين مجلس يطلق علية اسم "مجلس كفاءة الطاقة" يضع تصور استراتيجي لموضوع ترشيد الطاقة في ليبيا تهدف لتحقيق الاهداف التالية:
- الحفاظ على مستوى عالي لكفاءة إنتاج واستخدام الطاقة من خلال إنشاء محطات بخارية كبيرة أو توظيف الدورات المركبة و كلاهما ذو كفاءة عالية فضلا ًعن تقليل الفاقد في الشبكات و داخل المنشآت.
- الاهتمام بجميع خيارات الطاقة للاستفادة من الاختيار الأمثل لنوعية الطاقة التي لها مردود اقتصادي أفضل مع الحد من الوقوع تحت احتكار لتكنولوجيا واحدة و يدخل في ذلك جعل كافة الاختيارات مفتوحة بما في ذلك التكنولوجيا النووية كلما كانت تحقق عائداً اقتصادياً كبيراً.
- الاعتماد على الذات و المشاركة المحلية و ذلك بتعظيم المكون المحلي في جميع المراحل والمتطلبات سواء كانت في التخطيط أو التصميم أو التنفيذ أو التشغيل والأهم من ذلك التصنيع المحلي.
- التوسع في استخدام مصادر الطاقة الجديدة و المتجددة بما في ذلك الرياح والشمس بتكنولوجياتها المختلفة.
التحديات والاعتبارات التي يجب أخذها في الاعتبار حتى نضع استراتيجيتنا هذه في اطار قابل للتحقيق
- تطوير الإدارة لتتمشى مع التحولات الاقتصادية في الدولة الليبية.
- تدبير التمويل الضخم اللازم للمشروعات الكهربائية من عائدات النفط المالية.
- الاحتفاظ باقتصاديات سليمة لمشروعات وشركات الكهرباء عن طريق دعم تسعير الكهرباء وعدم المساس بالميزات التي يتمتع بها محدودو الدخل.
هذه هي الصورة بالنسبة لمستقبل مشروعات الكهرباء في ليبيا والتحديات التي تواجهها في سبيل تحقيق أهداف التنمية المستدامة للطاقة، وندعو الله أن يوفقنا لنضيف لليبيا العزيزة نجاحات جديدة تسهم في تنميتها اقتصادياً واجتماعياً وعلمياً.