أهم المعتقدات عند علماء الطب المسلمين فيما يخص العلوم الطبية كانوا ينظرون إلى الطب على أنه أشرف العلوم بعد العلوم الشرعية. وكانوا يؤمنون أن هدف الطب ليس فقط علاج أمراض الجسد بل هو هدف أسمى، يتجلى في حفظ الإنسان بروحه وعقله وقلبه وجسده ليستطيع أداء مهامه الشرعية والحياتية التي كلّفه الله تعالى بها (هدف تنموي إنساني مجتمعي حضاري).
آمنوا بعلمية المعرفة الطبية، أي ضرورة اعتماد المنهج العملي التجريبي الذي يعتمد على التطبيقات الواقعية و دراستها الدقيقة و المقاسة، وليس كما كان سائداً في المناهج اليونانية مثلاً التي كانت في أغلبها فلسفات نظرية لا تطبيق على الأغلب لها حتى و لو كانت صحيحة، بالإضافة إلى ما كان سائداً من الدجل والشعوذة تحت مسمى التطبّب والعلاج.
آمنوا بالدين والعقل كمنطلق وضابط للتفكير والإبداع والابتكار.
آمنوا بضرورة التقيّد بالضوابط الشرعية في العلاج الطبي، وأنّ هناك أُطراً عامة و حدوداً خاصة وضعها الإسلام لتكون هادياً للعلماء في سعيهم للوصول إلى الحق و الخير والصلاح في كل فروع الحياة، ومنطلقهم في ذلك قوله عزّ وجل ((وما فرّطنا في الكتاب من شيء)الأنعام-38. ولذلك لم يتعاطوا السحر مع علمهم أنه علم و له أصوله بسبب تحريم الدين له و اعتباره من الكبائر.
آمنوا بالحق الإنساني العام في الاستفادة من العلوم الحياتية لجميع الأمم. و على هذا كانت الانفتاحية الاسلامية الرائعة على علوم الحضارات الأخرى و نقلها مع إيمانهم بوجوب حفظ العلوم بالتوثيق والنشر وعدم الاحتكارية .. كما أنهم فتحوا مجال دراسته لكل من هو أهل لتعلمه ويرغب في تعلّمه و العمل به. و بينما كانت معاطاة الطب – كما يقول ويلز – محرّمة في الكنيسة في أوربا و خاضعة لطقوس كهنوتية يمارسها رجال الدين، كانت المدارس الطبية منتشرة في بلاد العرب دون قيد أو شرط إلا حسن الاستعداد لتعلمها، وكانت الموسوعات الكبرى التي وضعوها في الطب متاحة للجميع. آمنوا بأن جوهر و روح العمل الطبي هو الاهتمام بالبعد الإنساني و الحفاظ على كرامته. وأن هذه النظرة الاسلامية الراقية ليست فقط للمرضى المسلمين، بل كانت لأي انسان مريض مهما كانت ديانته. ومنطلقهم في ذلك قوله عز وجل: ((و لقد كرّمنا بني آدم)) فرعاية هذه الآدمية البشرية هي المنطلق و الهدف أياً كان هذا الآدمي .
آمنوا بأن الطب كلّ متكامل يجب أن يتطور باستمرار بكامل أجزاء عمليته التعليمية العلمية و العملية معاً بكامل متطلباتها البيئية و المادية و بأعلى أشكالها أي المؤسساتية. لذلك كانت المستشفيات قلاعاً للعلم و العلاج معاً، وطلاب العلم الطبي يكتسبون المهارات العملية اللازمة مباشرة مع المهارات العقلية و العلمية بالإضافة إلى اكتسابهم للمهارات الأخلاقية و القيمية و الانسانية العامة. وآمنوا بضرورة التطوير في الوسائل والأدوات والمواد، ونتيجة ذلك اخترعوا و طوّروا الكثير من أدوات الجراحة و اكتشفوا الكثير من المواد الكيميائية الجديدة. الطب: (علم – أخلاق – مهارات – الفلسفة التربوية للطب الإسلامي – أدوات و تقنيات – عوامل بيئية مناسبة-و عمل جماعي مؤسساتي منظّم و فعال).
آمنوا بضرورة اعتماد مبدأ التخصصية من أجل دقة و نتائج أعلى، على مستوى العلم والعمل ومن أجل التطوير والاكتشاف والاختراع في المجالات العلمية الطبية المحددة، و آمنوا بنفس الوقت أن ذلك التخصّص و الإبداع فيه يجب أن يكون تحت مظلة من العلوم الشرعية والفلسفة والمنطق والتربية والعلوم الإنسانية الأخرى ومبنياًّ على قاعدة عريضة من التكامل مع العلوم التي لها علاقة وثيقة بالطب كالنبات والكيمياء والصيدلة والطفيليات والحيوان. فالطب والعلوم الأخرى عندهم كلّ متكامل أيضاً استطاعوا خلاله تحقيق مستوى رائع من التوازن ما بين التخصصية والموسوعية.
آمنوا بالمبدأ الشمولي في نظرتهم لأسباب الأمراض وفي طريقتهم بعلاجها و رعاية الصحة من بعدها. فكانت تؤخذ بالحسبان العوامل النفسية والبيئية والاجتماعية و الاقتصادية.( التوازن ما بين المرض و المريض). آمنوا بالحكمة و التوازن في التعاطي مع الصحة و المرض و العلاج. فبرعوا في أساليب بناء الصحة و الوقاية من الأمراض تماماً كبراعتهم في العلاج الجراحي و الدوائي. و في العلاج المحافظ اعتمدوا مبادئ أساسية له، فما يعالج بالغذاء لا يعالج بالدواء، وما يعالج بالدواء النباتي لا يعالج بالدواء الصنعي الكيماوي، وما يعالج بالدواء المفرد لا يعالج بالدواء المركّب وهكذا ….
آمنوا بتداخل صحّة الفرد مع صحّة المجتمع. وأن المسؤولية جماعية في رعاية هذه الصحة و تقوم على رأسها الدولة في تنظيم شؤونها و رعاية كل المسؤولين عنها من العلماء والأطباء، و تأمين كل ما يستلزم تطوير العلوم الطبية لرفع مستوى الوقاية من الامراض و بناء الصحة العامة.