أظهرتْ دراسة علمية نُشرت مؤخراً أن المياه الجوفية في المنطقة العربية تتعرض لاستنزاف كبير بسبب الضغوط الديموغرافية والعوامل المناخية. وقد نُشرت الدراسة في دورية "هيدرولوجي جورنال" العلمية في أغسطس الماضي. ورصدت الدراسة التي قام بها الباحث اللبناني في جامعة جورجيا بالولايات المتحدة الأمريكية خليل لزيق مع زميله آدام ميلوسكي تغيرات احتياطيات المياه الجوفية والتغيرات التي طرأت على أحواض الرسوبيات الموجودة في منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بين عامي 2003 و2014. وتقدر الدراسة حجم الاحتياطيات من المياه الجوفية في المنطقة بحوالي 1.28 مليون كيلومتر مكعب. توجد ثلاثة أرباعها تقريباً في المملكة العربية السعودية ومصر والجزائر وليبيا.
وتمثل المياه الجوفية المصدر الرئيسي للمياه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث أنها توفر 76٪ من المياه العذبة لسكان المنطقة، غير أن ثلثيها 65.6٪ هي عبارة عن خزانات مياه أحفورية غير متجددة. ووفقاً لدراسة أجرتها هيئة المسح الجيولوجي البريطانية، فإن موارد المياه الجوفية الأحفورية في أفريقيا تقدر بحوالي مائة ضعف موارد المياه العذبة السطحية، حيث توجد أكبر خزانات المياه الجوفية الموجودة في الصخور الرسوبية الكبيرة في بلدان شمال أفريقيا مثل مصر وليبيا والجزائر. وينطبق هذا النموذج كذلك على موارد المياه الجوفية في شبه الجزيرة العربية والأراضي الفلسطينية ولبنان وسوريا والعراق والأردن.
وحسب الدراسة، فإن المياه الجوفية تمثل مصدراً رئيسياً للمياه العذبة في دول الخليج وليبيا، ومصدراً ثانوياً في البلدان الباقية، وخاصة الجزائر ومصر والعراق. من ناحية أخرى، تظهر تقييمات تغير المناخ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا انخفاضاً بنسبة تتراوح بين 15 و20٪ في متوسط الهطول السنوي بالنسبة لغالبية البلدان. ومن شأن هذه التغييرات أن تشدد الضغط على موارد المياه السطحية، وأن يتزايد الاعتماد على موارد المياه الجوفية في المنطقة. ووفقاً لتقديرات البنك الدولي عام 2003، فإن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي موطن 345.4 مليون نسمة، بمعدل نمو سنوي 2٪ يعيش 60٪ منهم في تركيزات حضرية. ومن المتوقع أن يؤدي تضاعف عدد السكان المتوقع بحلول عام 2050 إلى تفاقم الإجهاد المائي.
وتظهر نتائج الدراسة الجديدة؛ وجود تجمعات عالية لاستنزاف المياه الجوفية والتركيزات السكانية على طول المناطق الساحلية في المنطقة. ويقول، الباحث اللبناني خليل لزيق في مراسلة إلكترونية لموقع منظمة المجتمع العلمي العربي، إن أنماط تغير المياه الجوفية تشير إلى عاملين محوريين هما:
- عامل التحضر والضغوط الديموغرافية من جهة
- العوامل المناخية من جهة أخرى.
وتبين النتائج وجود تداخل بين المناطق ذات الكثافة السكانية العالية -أكثر من 500 شخص في الكيلومتر مربع- والمناطق التي تشهد انخفاضاً كبيراً في تخزين المياه الجوفية كمنطقة الرياض في المملكة العربية السعودية والقاهرة في مصر ودمشق في سوريا، وطرابلس وليبيا وهي مناطق يتراوح فيها انخفاض المياه بين 3 و4 أمتار. وفي المقابل، لاحظ الباحثون تغيرات إيجابية في تخزين المياه الجوفية في بعض المناطق، وخاصة في الجزء الجنوبي من الصحراء والصحراء العربية. وقد عرضت عدة فرضيات محتملة تفسر هذه الظاهرة، بما في ذلك إمكانية إعادة تغذية المياه الجوفية.
وتشير النتائج أيضاً إلى أن الظروف المناخية مثّلت عاملاً رئيسياً آخر، وإن لم يكن مهيمناً، وقد ساهم في انخفاض كميات في أنماط المياه الجوفية الملحوظة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وخاصة في بلاد الشام. حيث تشير الدراسات إلى أن السنوات الخمس عشرة الأخيرة، هي الأكثر جفافاً في تاريخ المنطقة. وخلُصت الدراسة إلى أنه وبالنظر إلى الاحتياطات الكبيرة للمياه الجوفية في المنطقة، فإن تغيرات المياه الجوفية بين عامي 2003 و2014 تمثل جزءاً صغيراً من موارد المياه المتاحة، ولا تشكل أي تهديدات مباشرة لإمدادات المياه. غير أن تأثير تغير المناخ والتوسع الديموغرافي والتنمية الاجتماعية والاقتصادية يستلزم وضع سياسات مستدامة وفعالة لإدارة المياه لمواجهة التحديات المقبلة في واحدة من أكثر المناطق جفافاً في العالم.
الباحث خليل لزيق
حاصل على درجة الدكتوراه في الموارد المائية والاستشعار عن بعد من جامعة جورجيا في الولايات المتحدة، وفي الهندسة الجيولوجية من جامعة ليدز في المملكة المتحدة، و B.S. في الجيولوجيا من الجامعة الأميركية في بيروت في لبنان.
بريد الكاتب الإلكتروني: gharbis@gmail.com