مجلة أجسر – مجلة عربية محكمة في مجال العلوم – زورو موقعنا

النشر العلمي الوهمي : بين قائمة بيل .. وقانون جريشام

الكاتب

الكاتب : أ.د. قاسم زكي

أستاذ الوراثة بكلية الزراعة، جامعة المنيا - مصر

الوقت

08:05 صباحًا

تاريخ النشر

17, سبتمبر 2017

مرت عملية النشر العلمي بمراحل كثيرة، وقد حدث أهمها بعد اختراع آلات الطباعة، التي ساهمت في إصدار مجلات ودوريات علمية(1) متخصصة مطبوعة، والتي بدأت تظهر وبشكل دوري مع مطلع القرن التاسع عشر. وكانت وما زالت تتلقى هذه الدوريات العلمية البحوث وتُخضعها لعملية تقييم وتحكيم جادة بمعرفة خبراء متخصصين (تقييم النظراء Peer-review)(1)، وبعد الموافقة عليها يتم نشرها وتوزع تلك الدوريات على كل المشتركين حول العالم.

ثم انتقلت عمليات النشر العلمي إلى خطوة أحدث مع ابتكار تكنولوجيا المعلومات (It Technology)، والنشر الإليكتروني (E-publishing) (1) مع استخدام الحاسوب الآلي، ثم أتت مع تسعينيات القرن العشرين تقنية شبكة الإنترنت (Internet)، فتسارعت عملية النشر الإليكتروني بشكل لم يسبق له مثيل. فيمكن للباحثين نشر أبحاثهم بسرعة عما قبل وربما في زمن يقل عن عُشر الوقت عما كان في ماضي النشر الورقي، بل أصبحت الدوريات العلمية تصل لقارئيها على وجه البسيطة في نفس اللحظة التي تُطلق فيها على شبكة الإنترنت بمعرفة الدورية أو دار النشر(1). وفي الفترة الأخيرة نادى العديد من الخيّرين في هذا العالم، بضرورة إتاحة كافة الأبحاث المنشورة لكل الباحثين حول العالم مجاناً (Free Online Access)، وهذا ربما يساعد على تطور وتسارع عملية البحث العلمي وتقليل النفقات للوصول إلى البحوث المنشورة وخاصة في العالم النامي. ولكن وقفت تكاليف النشر العلمي حجر عثرة في تطبيق هذه الفكرة الإنسانية الطيبة، وما زالت دور النشر العملاقة والرصينة تدرس هذا الموضوع وتتقدم خطوات محسوبة في هذا الاتجاه.

أفكار نبيلة نوايا سيئة

لكن دائماً هناك من يستغلون الأفكار الإنسانية النبيلة لصالحهم فقط دون النظر لفائدة المجتمع. فقفز لصوص الإنترنت (Hijackers) والذين طبقوا الفكرة لإتاحة البحوث مجاناً للقراء (Open Access) (1) ولكنهم أيضاً يجمعون كثير الأموال من راغبي النشر السريع في دوريات دولية (سواء بسذاجة أو بسوء نية) من أجل الترقي، وتم هذا التوافق بين الطرفين دون مراعاة لجودة البحوث أو دقة عملية التقييم والتحكيم أو حتى جودة الطباعة. وبدأت تلك الظاهرة تطفو على سطح الفضاء العلمي بالإنترنت منذ قرابة عشر سنوات مضت (2&3). ولكنها تسارعت بوتيرة غير معقولة فأصبحت خلال بضع سنين تتجاوز الآلاف من الدوريات الوهمية، وتحقق المثل القائل "اتسع الفتق على الراتق" لهذا السيل المنهمر من الدوريات العلمية ودور النشر الوهمية(4) والتي تنشر البحوث العلمية مقابل المال فقط دونما مراعاة لقواعد البحث أو النشر العلمي أو التحكيم الجيد، أو حتى الطباعة الإلكترونية المتقنة. ومُلأت الإنترنت بآلاف من الدوريات العلمية التي لا وزن ولا قيمة لها، بل أفسدت النشر العلمي بما قذفته من آلاف البحوث التي غالبيتها لا قيمة علمية لها سوى تعبأة الصفحات الإليكترونية. ولا مردود لها سوى تجميع آلاف الدولارات في جيوب لصوص الإنترنت. وتختبأ تلك الدوريات ودور النشر الوهمية تحت الهدف الإنساني النبيل الذي حبذه الجميع والداعي إلى جعل العلم والبحوث متاحة للجميع (Scholarly Open-Access Publishers) (1) دون حواجز أو تسديد اشتراكات باهظة أو شراء نسخ البحوث التي تثقل كاهل ميزانيات الجامعات ومراكز البحوث أو الباحثين أنفسهم وخاصة في دول العالم النامي.  ولكن للأسف كما ذكرنا أعلاه، تخفّى تحت هذا البريق والهدف الإنساني مئات من اللصوص الذين انكبوا على استغلال ذلك وفخخوا صفحات الإنترنت بمئات دور النشر وآلاف الدوريات الوهمية وجعلوها متاحة مجاناً للجميع، ولكنهم مصوا دماء الباحثين الراغبين في نشر بحوثهم في أوعية دولية مميزة، وللأسف لم يقيموا وزناً لدقة عملية تحكيم الأبحاث أو جودة نشرها. وهذا قابل رغبة بعض باحثي دول العالم النامي من سرعة النشر في دوريات دولية وأيضاً لها معامل تأثير (Impact Factor) (5, 6,7).

العُملة الرديئة تطارد العُملة الجيدة

وقد عجّت الصفحات العلمية على الشبكة العنكبوتية العالمية بهذا الغثاء، ولقد سبق أن حذر الكثير من الأكاديميين والعلماء والباحثين (4,3,2) من انتشار هذه الظاهرة (منها بعض مقالاتنا التي نشرت في أعداد سابقة على موقع منظمة المجتمع العلمي العربي))  8,1) وتم التنويه والتعريف بسمات تلك الدوريات الوهمية (Predatory Journals)(9,8,4,3,2,1) . ولكن سارت الرياح بما لا تشتهى السفن، وهكذا يتحقق قانون "جريشام" Gresham's law))؛ والسير "توماس جريشام 1519-1579م" كان وزير مالية مملكة إنجلترا ومستشار ملوكها في القرن السادس عشر الميلادي، وهو اقتصادي مشهور كان له دوره في النظم النقدية. وقانونه كان إلهاماً في علم الاقتصاد ينص على أن "النقود الرديئة تطرد النقود الجيدة من السوق". فأعداد دور النشر والدوريات الوهمية تزداد سنوياً بمعدل متسارع(4)، بل يزداد عدد الدوريات الرصينة المختطفة أيضاً. ولم يكت

الزوار الكرام: يسعدنا مشاركتكم وتواصلكم حول هذا المقال

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

license
0 التعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
Anonymous
Anonymous
05/02/2019 9:09 صباحًا
عنوان التعليق
مدح
Anonymous
Anonymous
11/16/2020 9:04 صباحًا
عنوان التعليق
الوجه الجديد للاستعمار
guest

شبكاتنا الاجتماعية

  • facebok
  • twitter
  • Instagram
  • Telegram
  • Youtube
  • Sound Cloud

يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

icons
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x