مجلة أجسر – مجلة عربية محكمة في مجال العلوم – زورو موقعنا

نيكولا تيسلا .. الرجل الذي اخترع القرن العشرين

الكاتب

الكاتب : الدكتور طارق قابيل

أستاذ التقنية الحيوية المساعد/كلية العلوم والآداب - جامعة الباحة

الوقت

09:30 صباحًا

تاريخ النشر

11, يناير 2014

عندما أرتجت المباني، وانفجرت شبكة المياه، وانطلق أهالي "منهاتن" إلى الشوارع خوفاً من الزلزال، كان رجال الشرطة وحدهم هم الذين يعلمون الحقيقة. فلم تكن سوى أن "نيكولا تيسلا" المخترع العبقري غريب الأطوار قد عاد إلى ممارسة حيله وألاعيبه الغامضة. وبالفعل فلقد كانوا على حق.. فعندما اقتحموا مختبر أبحاث "تيسلا" وجدوه وسط حطام آلة غريبة معقدة.

كان ما يزال يدمرها بقسوة مستعملاً مطرقة ثقيلة.. تطلع الرجل اليهم قائلاً: "لقد فات الأوان أيها السادة… انتهت التجربة. وحطمت جهاز ارسال الذبذبات الديناميكية بعيد المدى الذي صنعته.. لم يكن كبيراً جداً. ولكنه كان قوياً بما يكفي لتحويل ناطحة سحاب "امبايرستيت" إلى كومة من الحجارة خلال دقائق. لو استعملته هنالك".

  • أحتفل العالم يوم 7 يناير الجاري بذكرى وفاة الفيزيائي والمخترع والمهندس الميكانيكي Nikola Tesla "نيكولا تيسلا" الذي عرف بأنه هو الذي ابتكر التيار الكهربائي المتناوب والتي تعتمد عليه معظم المحركات الكهربائية في عصرنا الحالي، كما أنه هو الذي اخترع الدينامو لتوليد الكهرباء من الحركة الميكانيكية والذي لا غنى للسيارات عنه. هذا العالم المغمور نسبياً الذي قال التاريخ فيه كلمته، والذي عُرِفَ بسبب مساهماته الثورية في مجال الكهرومغناطيسية في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، يعتبره العلماء بالفعل أنه "أبو الفيزياء" وأطلق عليه لقب "الرجل الذي اخترع القرن العشرين".
  • والمؤرخون يعتبرون التقدم العلمي قد مر بثلاث مراحل، المرحلة الأولى هي ظهور الآلات البخارية، و المرحلة الثانية هي اكتشاف الكهرباء، والمرحلة الثالثة هي ظهور النظرية الالكترونية المادية. ولهذا تجاوزت سمعة تيسلا سمعة أي مخترع أو عالم آخر في تاريخ أمريكا، لكن أفكاره غير القابلة للتصديق في ذلك الوقت أدّت إلى نبذه واتهامه بالجنون، وعدم حصوله على حقوقه الكاملة في تاريخ الابتكار والاختراع. ولكن مؤخراً أنصف التاريخ "تسيلا"، وحملت أسرع سيارة كهربائية في العالم اسمه، وغيرت شركة جوجل شعارها في يوم ميلاده تقديراً لجهوده في مجال الابتكار والاختراع.

 

روح الدعابة في أرض الأحلام !

  • ولد "نيكولا تيسلا" لأبوين صربيين في قرية سميلجان في كرواتيا في العاشر من يوليو عام 1856، ويعد من أهم المخترعين والفيزيائيين والمهندسين على مدار التاريخ الحديث. وتعلم "تيسلا" في مدرسة "البوليتيكنيك" في "غراز" ثم في جامعة "براغ" ثم عمل كمهندس هواتف في "براغ" و"باريس".
  • وفي بداية حياته العملية ابتكر "تيسلا" نوعاً جديداً من المحركات بدون عاكس للتيار كتيار مباشر. و قد كانت المحركات تعمل على مبدأ دوران حقل مغناطيسي تنتجه تيارات تناوب ذات مراحل متعددة، وهو الطراز أو النموذج الأصلي للمحرك الكهربائي الذي يعمل على التيار المتناوب. وكان هذا الشاب المبدع عالماً لامعاً وباحثاً لا يكلّ ولا يملّ.  و في عام 1883 تقدم للعمل بالفرع الأوروبي التابع لشركة "أديسون"، وتدخل "شارلس باشيلور" لإقناع الشاب بالسفر و التقاء "توماس أديسون" شخصياً، و هو ما حصل بالفعل، وقام بالهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1884م.
  • كان أديسون مقتنعاً بالكهرباء المتصلة، أما هذا الشاب فكان ينتقد المولدات الكهربية الموجودة، وزعم أنه يمكن بناء مولدات للطاقة الكهربية تنتج التوتر المتناوب للكهرباء. وذهب إلى "أديسون" يوماً يشرح له الفكرة، ففرح بها، و قال له: ابدأ مشروعك ولك مني مكافأة 50 ألف دولار؟!  وللأسف صدق "تيسلا" الوعد، وكان يعمل يوميا 18 ساعة سبعة أيام في الأسبوع. و بعد مرور سنة جاءه فرحاً وقد وصل لهدفه و طلب المكافأة الموعودة؟ ضحك أديسون و قال له: أنتم لم تفهموا بعد المجتمع الرأسمالي و روح الدعابة؟ ولم يعطه شيئاً، بل زاد له راتبه زيادة طفيفة، و قال "أديسون": "في عالم التجارة والمال و الصناعة الكل يسرق الكل، و أنا شخصياً سرقت الكثير، و أعرف كيف يسرق المرء جيداً".
  • ترك "تيسلا" عمله محبطاً عند "أديسون"، وأسس مختبره الخاص ثم توالت ابتكاراته التي حصل بها على براءات اختراعات للمبتكرات التالية: موتورات متعددة المراحل، مولدات كهرباء، محولات كهرباء لأنظمة التيار المتناوب. و من ثمّ تعرف على "جورج ويستينجهاوس" الذي اشترى منه براءات اختراع الموتور متعدد المراحل مقابل مليون دولار إضافة إلى حقوق الاختراع. و دخل "تيسلا" في مواجهة مباشرة مع "توماس أديسون" حيث كان كل منهما يدافع بشراسة عن ابتكاره في مجال الكهرباء فبينما كان "أديسون" يحاول اقناع الناس بجدارة و كفاية التيار الكهربي المباشر كان تيسلا يبرز أوجه التفوق في التيار الذي ابتكره واسماه التيار المتناوب، وقد نجح "تيسلا" في النهاية في جعل التيار المتناوب مقبولاً و معتمداً كنظام للطاقة الكهربائية على مستوى العالم.
  • ثم قام "تيسلا" بالتعاون مع "ويستنجهاوس" بإنارة معرض "شيكاغو" الدولي، وبنى مولّد شلالات "نياجرا" للطاقة الهيدروكهربائية، وشيد أنظمة تيار متناوب في مناجم "كولورادو" للفضة وغيرها من الصناعات.
  • ومع نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين ارتفع "تيسلا" إلى مقام المشاهير بالمقارنة مع انتشار "أديسون"، وقد استطاع اختراع وتطوير أدوات كهربائية بناء على الإمكانيات الهائلة للتيار المتناوب والتيار العالي التردد، فابتكر الراديو، الإنارة عالية التردد، الأشعة السينية، بالإضافة إلى وسائل العلاج بالكهرباء .وقد استطاع أثناء إجراءه التجارب الخاصة في مخبره في “مانهاتن” اختراع و تطوير أدوات كهربائية بناء على الإمكانيات الهائلة للتيار المتناوب والتيار العالي التردد، إضافة إلى الراديو، الإنارة عالية التردد، الأشعة السينية، و وسائل العلاج بالكهرباء.
  • وبعد أن عانى من احتراق مخبره قام بإعادة بناءه واستمر في إجراء تجاربه ثم نقل مخبره إلى "كولورادو سبرينجز" فى عام 1899م. و قد بنى جهاز إرسال ضخم مكبر، كما أجرى التجارب في مجال الطاقة الكهربائية اللاسلكية، والراديو والرنين الأرضي. ثم درس البرق و استطاع بعدها صنع البرق الصناعي. و لما وصل إلى اختراع التيار المتناوب، تقدم إلى براءة الاختراع؛ و أقنعه "بيربونت مورجان" بعد نيله براءة الاختراع، بالتخلي عنها له، مقابل 216 ألف دولار، و بالرغم من أنه مبلغ كبير في تلك الأيام، لكنه لا يعتد بما قبض بيربونت من 12 مليون دولار!
  •  ثم عاد إلى نيويورك بتشجيع من "بيربونت" وقام بتطوير نظام عالمي للبث الإذاعي للطاقة الكهربائية باستخدام أجهزة إرسال مكبرة وبنى برجا ضخما لتقوية الإرسال في "واردينكليف لونج آيلند" باعتبارها أول محطة في النظام الكهربائي العالمي الجديد. وبعد أن استلم ما يكفي من "بيربونت" لإخراج المحطة إلى الوجود وإكمالها، توقف التمويل فجأة وانهار المشروع تماماً.
  • استمر في الاختراع حتى العشرينات من القرن الماضي، لكن ابتكاراته الجديدة كانت قليلة الأهمية بالمقارنة مع الاختراعات الأولى التي كانت كالسيل الجارف والتي بلغت 700 اختراع على مستوى العالم كله. وقد تنبأ تيسلا بالمايكروويف، وتقنيات حزمة الأشعة، والتلفزيون ومحرك يعمل على الأشعة الكونية، و الاتصالات بين الكواكب، وأدوات التداخل الموجي و التي دعيت باسمه منذ ذلك الوقت. في الثلاثينيات من القرن العشرين شارك في مشاريع الطاقة اللاسلكية في كويبيك. بعيداً عن أعماله في الكهرومغناطيسية والهندسة.
  •  وبعيداً عن أعماله في الكهرومغناطيسية و الهندسة ساهم تيسلا في تقدم الانسان الآلي والتحكم عن بعد والرادار وحتى علوم الكمبيوتر والتمدد البالستي والفيزياء النووية والفيزياء النظرية. وفي عام 1943 صدقت المحكمة العليا في أمريكا على أن تسيلا هو مخترع الراديو.

 

رفض جائزة نوبل !

  • قررت الأكاديمية السويدية للعلوم عام 1916 منح "توماس أديسون" و"نيكولا تيسلا" جائزة نوبل للفيزياء مناصفةً لجهودهما في مجال الفيزياء التجريبية لكن "أديسون" رفض تقاسم الجائزة مع "تيسلا"، كما ورفض "تيسلا" مشاطرة الجائزة مع أديسون فحجبت عنهما معاً.
  • وقد كان آخر حضور له في مؤتمر صحفي في عام 1940. بعدها أغلقت وسائل الإعلام أبوابها في وجهه باستثناء المؤتمرات الصحفية التي كانت تجرى في عيد ميلاده. عاش بعدها تيسلا محبطاً ومات فقيراً في شيخوخته، و هو يقول: "إن عالم القوة محكوم بديناميكية الغابة، فالغربان و الضباع تنتظر من يأتي بالفريسة، فلا تتعب نفسها كثيراً، و لا تبذل طاقة، و لا تضيع وقتاً في مطاردة الفريسة، مع ذلك فهي موجودة و تستفيد من تعب الآخرين، فهكذا هي الحياة في جانب منها".
  • لم يكن تيسلا يهتم بالمال، و توفي فقيراً عن عمر ناهز 87 عاماً في غرفة في فندق في "نيويورك". وقد تم حجز الكثير من الأوراق الخاصة به بما فيها نسخ من ملاحظات مخبرية من قبل حكومة الولايات المتحدة الأمريكية لتظهر بعد عدة سنوات في "متحف تيسلا" في بلجراد بيوغوسلافيا، و لم ينشر المتحف من هذه الملاحظات سوى مقتطفات بعنوان "ملاحظات ينابيع كولورادو".
  • الباحثون المعاصرون لتيسلا عدّوه "مخترع القرن العشرين"والقديس شفيع الكهرباء الحديثة. وخلّد اسم "تيسلا" الى جانب اسم "اديسون" حيث أطلق اسم العالمين الكبيرين على معلمين مهمين من معالم جغرافية القمر.
  • ومن أقواله الشهيرة:
    – " آخر 29 يوما من الشهر هي الأصعب !".
    – " فضائلنا و عيوبنا لا ينفصلان، مثل القوة و الضعف ".
    – " لا أعتقد أن هناك أي شعور يخالج قلب الإنسان يمكن أن يماثل شعور المخترع بعد أن تتحول أفكاره بنجاح إلى واقع، هذه المشاعر تنسيه الطعام والنوم والأصدقاء والحب وكل شيء ".
    – "نيكولا تيسلا" المخترع العبقري غريب الأطوار.

المصادر

  1. موسوعة ويكيبيديا الحرة.
  2. الفيلم الوثائقي التالي
  3. موقع متحف "نيكولا تيسلا"

 

البريد الإلكتروني للكاتب: tarekkapiel@hotmail.com

الزوار الكرام: يسعدنا مشاركتكم وتواصلكم حول هذا المقال

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

license
0 التعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
guest

شبكاتنا الاجتماعية

  • facebok
  • twitter
  • Instagram
  • Telegram
  • Youtube
  • Sound Cloud

يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

icons
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x