يشمل مصطلح مرض السكري (Diabetes) عدداً من الاضطرابات في عملية هدم وبناء – الايض – (Metabolism) الكربوهيدرات. والقاسم المشترك بينها هو ارتفاع مستوى (تركيز) السكر في الدم. الناجم عن عوز هرمون الأنسولين، أو انخفاض حساسية الأنسجة للأنسولين، أو كلا الأمرين.
يعاني المصابون بالسكري من مشاكل تحويل الغذاء إلى طاقة (الاستقلاب)، فبعد تناول وجبة الطعام، يتم تفكيكه إلى سكر يدعى: الغلوكوز ينقله الدم إلى جميع خلايا الجسم. وتحتاج أغلب خلايا الجسم إلى الأنسولين ليسمح بدخول الغلوكوز من الوسط بين الخلايا إلى داخل الخلايا.
يصنف الأطباء مرض السكري إلى نمطين رئيسين هما سكري النمط الأول و سكري النمط الثاني إضافة إلى أنماط أخرى.
يعالج مرضى السكري بأدوية وعقاقير يتم توصيفها من قبل الأطباء وفقاً لتشخيص الحالة المرضية منها خافضات سكر الدم و هي عبارة عن أدوية تستخدم لمعاجلة مرض السكري عن طريق خفض نسبة الغلوكوز في الدم. و منها عقار ميتفورمين Metformin الذي اكتشف عام 1958 و كذا Biguanide – Sulfonylurea – Thiazolidinediones – Meglitinides – Alpha Glucosidase Inhibitors .
لا تزال مراكز الأبحاث و المختبرات الأكاديمية تجري أبحاثها على الأنواع المنتجة من أدوية علاج مرضى السكري، خاصة تلك التي تعلن عنها الشركات الدوائية.
وتواصلاً مع الأبحاث الطبية التي تجريها كلية طب وايل كورنيل في قطر تمكن الباحثون مؤخراً من تسليط الضوء على الآليات الجُزيئية و الخلوية لأحد أكثر العقاقير الدوائية التي يصفها الأطباء حول العالم لمرضى السكري، إذ لم تكن تلك الآليات مفهومة بشكل كافٍ طوال أكثر من خمسين عاماً.
وأظهرت التجارب التي أُجريت بمختبر الدكتور كريس تريجل أستاذ الصيدلة في كلية طب وايل كورنيل في قطر أن عقار ميتفورمين Metformin الذي يتصدر خيارات الأطباء عند وصف العقاقير الدوائية الخافضة لسكر الدم لمرضى النوع الثاني من داء السكري، يتفاعل مع الجينة SIRT1 التي يسمّيها العلماء "جينة إطالة العمر" من أجل حماية جهاز الأوعية الدموية من التلف الذي قد تتسبب به سُمّية الجلوكوز.
وعمل الدكتور نانابراجازام أروناشالام زميل ما بعد الدكتوراه و المؤلف الرئيس للدراسة، مع الدكتور تريجل و الدكتورة هونغ دينغ أستاذ بحوث الصيدلة المساعد، في إعداد الدراسة التي نُشرت في النسخة الرقمية من الدورية البريطانية المرموقة British Journal of Pharmacology.
وقال الدكتور تريجل، الذي يقود بصفته كبير الباحثين مشروعاً يموله برنامج الأولويات الوطنية للبحث العلمي المنبثق عن مؤسسة قطر بهدف استقصاء تأثير داء السكري في جهاز الأوعية الدموية، إن العقار ميتفورمين عُرف منذ عهد بعيد بقدرته على تقليص الإصابة باعتلال الأوعية الدموية الدقيقة بفعل داء السكري، و لكن حتى يومنا هذا لم نكن على دراية تامة بالسر وراء ذلك.
وي ُعد العقار ميتفورمين من الأدوية المثيرة للاهتمام منذ أن طُرِح بالمملكة المتحدة عام 1958 لعلاج النوع الثاني من داء السكري. و بالمقارنة بالعقاقير المشابهة، يخلو العقار ميتفورمين من الآثار الجانبية اللافتة، و خلافاً لغالبية العقاقير الدوائية الفموية الخافضة لسكر الدم، لا ينطوي على خطر الإصابة بهبوط السكر في الدم (هيبوجليكيميا)، و هي الحالة التي تفاقم خطر الإصابة بأمراض القلب و الأوعية الدموية. يُضاف إلى ذلك أن تناول العقار ميتفورمين يقترن بفقدان الوزن لا زيادة الوزن، و هذه مزيّة لافتة لاسيما أن العديد من مرضى النوع الثاني من داء السكري من المصابين بالسّمنة أو البدانة.
و يؤكد الدكتور تريجل أن أكثر أسباب الوفيات شيوعاً بين مرضى السكري هو تلف الأوعية الدموية و الأوعية الدموية الدقيقة، و هو بمثابة إصابة الأوعية الدموية بهرم متقدم، و هنا تكمن الأهمية اللافتة للعقار ميتفورمين. و أوضح قائلاً أن ثمّة اعتقاد سائد بأن فائدة العقار ميتفورمين تتمثل بقدرته على تثبيط استحداث الكبد للسكر، (ويُقصد بذلك استحداث الكبد للسكر من مصادر غير كربوهيدراتية)، الأمر الذي يثمر في نهاية المطاف عن سكر أقل في الدم، و من ثمّ الحدّ من تلف الأوعية الدموية. إلاّ أن تحليل البيانات المتأتية من دراسات إكلينيكية عن العقار ميتفورمين أعطت الدكتور تريجل وفريق الباحثين معه القناعة بأن آلية عمل العقار المذكور تختلف عن الاعتقاد السائد.
وأضاف: "أدركنا قبل أعوام أن الاعتقاد السائد الذي تأخذ به الأوساط الدوائية عن آلية عمل العقار ميتفورمين لا يتفق مع ما يُعرف في علم العقاقير باسم السِّمات الحراكية الدوائية للعقار، أي طريقة تفاعل العقار مع جسم الإنسان. و أثبتت دراستنا أن من سمات العقار ميتفورمين توفير الحماية المباشرة للأوعية الدموية".
لقد أثبتت التجارب التي أجراها فريق الباحثين على خلايا فئران مُستنبَتة في المختبر أن العقار ميتفورمين له تأثير مباشر على وظائف الأوعية الدموية من خلال التفاعل مع بروتين يُسمى sirtuin 1، و هو البروتين الذي تقوم بتشفيره الجينة SIRT1، و الذي يضطلع بدور في عملية الشيخوخة. و مما انفردت به الدراسة أيضاً أنها قامت بتقييم آثار العقار عند تركيزات إكلينيكية علاجية.
و تابع الدكتور تريجل قائلاً: "لو أردنا التعبير عن الأمر ببساطة، نقول إن العديد من البحوث المنشورة استعانت بنطاق تركيزات من العقار ميتفورمين لا يمكن تحقيقها في الخلايا بجرعات علاجية، و لا تعكس في الوقت ذاته قدرة العقار على النفاذ إلى ما بين الخلايا. لذا وضعنا بروتوكولات تنصبّ على تركيزات أكثر واقعية من العقار ميتفورمين. و من اللافت للاهتمام حقاً أن العقار ميتفورمين يستلزم البروتين sirtuin 1، و هو البروتين الذي يربط العلماء بينه و بين الحماية من الأمراض الأيضيَّة المتصلة بالشيخوخة السابقة لأوانها. لا تقتصر أهمية دراستنا على إثراء معرفتنا بدور العقار ميتفورمين في الحدّ من خطر أمراض القلب و الأوعية الدموية بين مرضى النوع الثاني من داء السكري فحسب، بل تمهد الطريق لأنماط علاجية محاكية لآلية عمل العقار المذكور مع البروتين sirtuin 1".
وعند الأنواع من غير الثديِيات مثل الخمائر و الديدان الخيطية أو الأسطوانية، تكون الجينة المُضاهية أو المماثلة للجينة SIRT1 هي Sir2، و هي ذات علاقة وثيقة أيضاً بالحماية من الشيخوخة و إطالة العُمر.
يُذكر أن الدكتورة هونغ دينغ استفاضت في نتائج الدراسة التي نُشرت مؤخراً، ما جعل الجمعية البريطانية للعلوم الدوائية (BPS) تدعوها لإعداد ملصق بحثي للتحدُّث عنه خلال اجتماعها الذي عقد في لندن بين 17 و19 ديسمبر الجاري أمام حوالي 500 من أعضائها.
المرجع