المـُـتطلّب الرئيس: المِلاك الوطني
ازدادت حدة التردد والتوجـّس، ولعدة سنوات خلت، عند بعض الحكومات العربية التي تتمتع بوفرة الإمكانيات المادية حول ضرورة الولوج خلال هذه الفترة من الزمن في المسار النووي للأغراض السلمية لإنتاج الطاقة الكهربائية و تحلية المياه تحسـّباً للوقت المُرتقب لنضوب النفط والغاز من جهة، آخذين بعين الاعتبار آثار كارثتي تشرنوبل وفوكوشيما من جهة أخرى، وكذلك آخذين في الحسبان بروز و ثبات نتائج نهج البرنامج النووي الإيراني السلمي الذي تأكـّد وتوطّد مؤخراً.
خِلافاً لمتطلبات القطاعات الصناعية و العُمرانية الكبرى التي تنتفي فيها الحاجة بعد الانتهاء من تشييدها من قبل مِلاك أجنبي متمرّس، والذي يأخذ على عاتقه تصميم وتولّي مسؤولية الإنشاء ومن ثم التشغيل الأولي لهذه المنشئات من ضرورة بقاء هذا المِلاك الأجنبي لفترة طويلة لضمان تشغيل هذه المنشئات؛ فإن متطلبات اعتماد الطاقة النووية وبناء منشئاتها الكهرونووية العربية ستتطلب توفير علماء و مهندسين و تقنيين من المِلاكات الوطنية لتشغيلها، ولأسباب سنأتي على سردها، على مدى نصف القرن و هو المُعدّل لِعمر تشغيل هذه المحطات، و تصدّيهم لأي حادث قد تتعرض لها. و كنظرة مستقبلية حول نوع المفاعلات الكهرونووية التي نوصي الدول العربية التفكير جدياً في الأخذ بها في الحسبان، هي اعتماد مفاعل الثوريوم الذي من المؤمل جاهزيته تجارياً خلال عقد من الزمن بدلاً من الاعتماد على مفاعل اليورانيوم الشائع في الوقت الحاضر، وسنأتي على الأسباب الموجبة لتبنـّي هذا الخيار لاحقاً.
أهمية توفـّر المِلاك الوطني
ينحصر المنظور العربي الحالي في إنشاء محطات كهرونووية، كما هو الحال مثلاً للمحطات الكورية الأربعة والتي هي قيد الإنشاء في موقع (براكة) في دولة الإمارات العربية المتحدة (ar.enec.gov.ae)، هو تولّي مِلاك، معظمه أجنبي، للمهام الحساسة في التشغيل المستمر وتطبيق متطلبات السلامة النووية لتلك المنشئات وذلك بسبب عدم توفـّر المِلاك الوطني المؤهل في الوقت الراهن و لطول الفترة الزمنية المطلوبة لتوفير هذا المِلاك العلمي والتقني وبالأعداد المطلوبة لتغطية الحاجة، والتي قد تستغرق عقداً الى عقدين من الزمن. ولتذليل السبل لهذه الحاجة والبدء في معالجتها على المدى الزمني القريب يتطلب وضع برامج دراسية جامعية لزج الطلبة المؤهلين في مسارات علمية وهندسية متخصصة في المجال النووي التطبيقي والسلامة النووية، والذي بعكسه سيؤدي إلى وضع الخطط المستقبلية للدول العربية المهتمة في مجال الطاقة النووية بأيادي و تحت مظلة سيادية أجنبية عالية المرتب، مما يقتضي الانتباه إليه والسعي في تحقيق التزامن بين توفير الخبرة والكفاءة الوطنية بالتوازي مع خططها لبناء المنشاءات النووية لضمان سلامة الولوج في هذا المضمار بل والحفاظ على الصدارة المُستدامة.
ولإثبات أهمية المِلاك الوطني في مجال اعتماد الطاقة الكهرونووية، نعرض بعض الدروس المستقاة من مسيرة النشاط النووي في ما يلي في كل من:
- العراق ، قبل وأد مشروعه النووي وتبعثر مِلاكه،
- إيران ، في تحقيق تنفيذ كافة أهدافها من مشروعها النووي خلال العقود الثلاثة الماضية وبقدرات مِلاكاتها العلمية والهندسية الوطنية،
- اليابان ، في حالة من حالات تصدّيها لكارثة فوكوشيما،
وذلك لنبرز أهمية خلق مثل هذا المِلاك الوطني في الدول العربية وأهمية الأولوية في تأهيله علمياً و هندسياً و تقنياً للاعتماد عليه بصورة رئيسة، وليس على طاقم أجنبي، لضمان تشغيل المنشئات النووية و التعامل، بالتزام وطني حاسم، مع حالات الطوارئ وإجراءات السلامة النووية.
العراق
بدأ العراق مسيرته النووية منذ عام 1956 عندما قام مجلس الإعمار آنذاك بتأسيس لجنة الطاقة الذرية إثر استلام العراق لمكتبة متواضعة من المنشورات العلمية النووية من الولايات المتحدة الأمريكية ضمن مشروع الرئيس أيزنهاور المُسمى "الذرة من أجل السلام". بعد ثورة عام 1958، إتجه العراق نحو الإتحاد السوفيتي لبناء مفاعل صغير نسبياً بقدرة (2 ميكاواط) لإجراء الأبحاث الفيزيائية والكيميائية النووية ولإنتاج النظائر المشعة لاستخدامها في الأغراض الطبية و الصناعية والزراعية.
أثناء تلك الفترة، أرسلت الحكومة العراقية حوالي خمسة عشر مهندس عراقي إلى الاتحاد السوفيتي للتدريب على تشغيل هذا المفاعل و على منظومات إنتاج النظائر المشعة و على تشغيل المعدات في ورش الإنتاج في معهد البحوث النووية في منطقة التويثة شرق بغداد التي شيّد فيها هذا المفاعل والذي بدأ تشغيله عام 1967. كما دأبت الحكومة العراقية، وبصورة موازية في تلك الحقبة الزمنية، على الاستفادة من برنامجها الفعّال منذ ثلاثينات القرن الماضي في إبتعاث الطلبة المتفوقين في الإمتحانات النهائية للدراسة الثانوية سنوياً (وبغض النظر عن طائفتهم أو إنتمائهم العشائري) من كافة أنحاء العراق إلى الجامعات الأوربية والسوفيتية والأمريكية لنيل الشهادات العليا في كافة الإختصاصات، و تصويب ذلك من أجل إبتعاث الطلبة للتخصص في المجال النووي.
وخلال الستينات والسبعينات والثمانينات من القرن الماضي، أُبتعث المئات من الطلبة المتفوقين الى الخارج، وفضـّل حوالي 10 إلى 20 بالمائة منهم البقاء في الدول التي ابتعثوا إليها ولم يعودوا الى العراق، بينما عاد الباقون. و في بداية الثمانينات من القرن الماضي، تصاعدت وتيرة العمل في منظمة الطاقة الذرية العراقية بصورة مُطـّردة ضمن "البرنامج النووي الوطني العراقي" (1) السرّي لتخصيب اليورانيوم بالاعتماد على مِلاك وطني بحت والذي بدأ بعد أشهر من اعتداء و تدمير إسرائيل لمفاعل الأبحاث الفرنسي الأصل في حزيران/يونيو من عام 1981.
وتطور المشروع حتى غدا عام 1990 يعمل فيه ما يقارب من 6000 إلى 7000 عراقي (ولم يكن من ضمنهم أي عربي أو أجنبي) في مراكز الأبحاث ومراكز التصاميم ووحدات الإنتاج في المشروع النووي الوطني العراقي؛ وشمل هذا العدد من العراقيين حوالي 100 عالم و مهندس نووي من حملة شهادة الدكتوراة وما يقارب 350 من حملة شهادة الماجستير و 700-800 من المهندسين و الآلاف من الفنيين والإداريين والذين تمكنوا بفضل جهودهم وبفضل قيادتهم العلمية والعملياتية من تشييد صرح علمي متميز.
وتم تدمير بـِضعة من منشاءات المشاريع النووية العراقية المهمة أثناء القصف الجوي المُكثـّف والشامل من قبل المُعتدين عام 1991. ولم تـَـسلم بقية المنشاءات والتي بقت قائمة بعد إنتهاء العمليات العسكرية من الدمار إذ تعرّف عليها مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية على الأرض وقاموا بنسفها وأصرّوا على جمع العلماء و المهندسين العراقيين العاملين فيها ليشاهدوا بأنفسهم تدمير المفتشين لمنشاءاتهم إمعاناً في الإذلال!
ووقع حدث دال على تفاني المِلاك الوطني في أزمة الشدة، ففي الساعات الأولى من بدء القصف الصاروخي الأمريكي في فجر 17 كانون الثاني من عام 1991 ، كان المفاعل الروسي الصنع في التويثة يعمل بكامل قدرته (والتي كانت 5 ميكاواط في حينها) حيث سقط وإنفجر صاروخ أمريكي على مسافة حوالي 100 متر من بناية المفاعل (لو قـُدّر له، أو لبضعة صواريخ أخرى تبعته، من السقوط على البناية نفسها و بالأخص على قلب المفاعل الشغـّال العالي الإشعاع والمكشوف من الأعلى، لودّعتم بغداد في حينها – وهذا دليل آخر على عدم إكتراث العقلية العسكرية الأمريكية بسلامة المواطنين غير الأمريكيين).
هرع مشغـّلوا المفاعل الى خارج البناية بعد إنفجار الصاروخ الأول، إلا إنهم و بعد دقائق شدّوا من عزمهم و هرعوا مرة ثانية إلى داخل البناية و إلى غرفة السيطرة و تمكنوا من إيقاف عمل المفاعل ومن ثم تشغيل الرافعات لوضع الغطاء الحديدي السميك المخصص لحمايته من القصف المباشر على جزءه العلوي المكشوف. ثم غادروا المبنى بعد حوالي نصف ساعة من الزمن وبعد سقوط عدة صورايخ أخرى قربه، إلا أنها أخطأت هدفها. نورد هذه الحادثة كمثال، من أمثلة عديدة أخرى، عن ولاء المِلاك النووي في العراق، ونتساءل، من يضمن ولاء وثبات مِلاك دول أجنبية في حال ظرف طارئ نووي في دولة عربية؟
إيران
منذ بدء دراساتي الجامعية في الفيزياء النووية في ستينات القرن الماضي و تدريبي العلمي في بعض مراكز الأبحاث الأمريكية و الأوربية في العقود التي تلتها، كنت دائماً أجد بمعيتي طلبة أو علماء إيرانيين يتخصصون في ذات المجالات النووية التي أدرس أو أعمل عليها. لذا لم أتفاجأ عندما انكشف أمر قيام العلماء والمهندسين الإيرانيين، بدءاً من عام 1995، بتصميم وبناء مفاعل (آراك) بقدرة 40 ميكاواط والذي يستخدم اليورانيوم الطبيعي (بدون اي تغنية) ومنشأة الماء الثقيل التابعة له وبجهود إيرانية بحتة. ومن المتوقع إبتداء تشغيل المفاعل (آراك) في شتاء 2015.
كما وأثبت العلماء والمهندسون الإيرانيون خلال عقد من الزمن على قدرتهم على نصب وتشغيل الآلاف من منظومات الطرد المركزي لتغنية اليورانيوم وإلى حد نسبة 20% من التغنية؛ بالإضافة الى تمكّن إيران بفضل مِلاكها الوطني من الإلمام بكافة حلقات النشاط النووي: من التنقيب و إستخراج اليورانيوم الطبيعي من مناجمه على الأراضي الإيرانية، إلى تحويله الى مادة الكعكة الصفراء، إلى عمليات تغنيته، إلى تصنيع قضبان الوقود النووي لمفاعلات الأبحاث والمفاعلات الكهرونووية، وإلى إعلان نيـّتها مؤخراً عن المباشرة بتصميم وإنشاء العديد من المفاعلات الكهرونووية بالإعتماد كلياً على مِلاكها الوطني.
اليابان
عندما ضرب الزلزال العنيف وعقبه موجة التسونامي المُدمّرة لموقع محطة دايشي فوكوشيما في 11 آذار 2011، واللذان تسببا في توقف عمل مضخات التبريد الرئيسة بسبب تعطل الشبكة الكهربائية، بالإضافة إلى عطل مضخات التبريد الإحتياطية بسبب غرق بناية محطة الديزل الإحتياطية لمفاعلاتها الأربعة بعد أن وصلتها موجة التسونامي، إرتفعت درجة الحرارة في قلب ثلاثة مفاعلات منها (إذ كان المفاعل الرابع خالياً من الوقود النووي المُحترق بغرض تبديله بوقود جديد) مما أدى إلى بدء إنصهار قضبان الوقود في قلب المفاعلات الثلاثة بعد بضعة ساعات من توقف ضخ ماء التبريد في داخلها.
وفي 12 آذار 2011 أدى إنفجار ناتج عن تراكم الهيدروجين المنبعث من تحلل الماء تحت درجات حرارة عالية في بناية المفاعل رقم 1 إلى هروب ما يقارب 720 من العاملين في المفاعلات الأربعة إلى محطة كهرونووية أخرى تقع حوالي 10 كيلومترات إلى جنوب المحطة المنكوبة، وبقي حوالي الخمسين من العاملين و رجال مكافحة الحريق و الجيش واللذين تبرعوا طواعية للاستمرار في العمل تحت معدلات إشعاع عالية و محاولتهم السيطرة على أجهزة ومجسات منظومات الوقاية و التحكّم لإحتواء الحادث قدر الإمكان، وذلك بالرغم من إدراكهم لخطر التعرض للإرتفاع العالي في معدلات الإشعاع وبصورة مُطـّردة داخل أبنية المفاعلات.
وبعد أن إستتب الأمر نوعاً ما، أضطرّ المسؤولون إلى سحب هؤلاء المتطوعين تدريجياً بسبب قصر الوقت المسموح لهم في البقاء في منطقة ذات إشعاع عالي، والذي تقلّص إلى بضعة ساعات أو حتى في بعض الأحيان إلى دقائق معدودة للبعض منهم، وتبديلهم بعاملين و فنيين جدد للاستمرار في أعمال السيطرة. بعد بضعة أيام من الكارثة و تعّرض العديد من الفنيين والعمال للجرع الإشعاعية المسموح بها وسحبهم من العمل، قام ما يقارب من عشرين من الفنيين والعمال اليابانيين المتقاعدين من الخدمة عن العمل بسبب كبر سنهم والذين كانوا قد عملوا في محطات كهرونووية يابانية، قاموا تلقائياً بالتطوّع لأخذ مكان المسحوبين نظراً لخبرة هؤلاء المتقاعدين في العمل في مثل هذه المحطات و لقصر الفترة المتبقية من عمرهم والتي لن تتقلص نسبياً كثيراً إن تعرّضوا هم لجرع إشعاعية عالية. ونورد هذا المثال للإشادة بتفاني و تضحية وولاء المِلاك المحلي لوطنه في مجال الطاقة الكهرونووية.
لقد أثبتت إجراءات الحصانة الأمنية والاستخباراتية للعاملين في المشروع النووي في كل من العراق و إيران إلى صد وفشل أجهزة المخابرات المُعادية في التغلغل في صفوف المِلاك الوطني (وبالرغم من اغتيال البعض منهم سواءً في الخارج أم في الداخل)، والذي بعكسه كاد أن يؤدي إلى التخريب المتقصّد من داخل تلك المشاريع للمنظومات النووية وما قد ينتج عن ذلك من أضرار بالغة صناعياً و بيئياً (بإسثناء الهجوم الفيروسي الحاسوبي (ستكسنيت) الإسرائيلي – الأمريكي المنشأ (2) والذي ضرب ودمّر حوالي 20% من أجهزة الطرد المركزي في إيران عام 2010).
مفاعلات الثوريوم كبديل عن مفاعلات اليورنيوم لإنتاج الطاقة الكهربائية
بدأت الأبحاث الأولية على مفاعل الثوريوم كبديل لمفاعل اليورانيوم في مختبر أوك ريدج الوطني الأمريكي منذ خمسينات القرن الماضي و من ثم تشغيل مفاعل الثوريوم السائل في الستينات إلى أن قطع الكونغرس الأمريكي التمويل عنه والتخلّي عن برنامج تطويره في عام 1972 (3)والتركيز على تطوير مفاعلات اليورانيوم والمفاعلات التي تستخدم خليط من اليورانيوم والبلوتونيوم.
كان السبب الرئيس في ذلك القرار هو إمكانية مفاعلات اليورانيوم من إنتاج مادة البلوتونيوم أيضاً، و الممكن استخلاصها من الوقود النووي المحترق، وهذه المادة تصلح للاستخدام في إنتاج السلاح النووي. كان هذا الخيار عاملاً مهماً وخاصة في ذروة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية و الإتحاد السوفيتي والتي شهدت تكديساً مُطـّرداً للأسلحة النووية لدى كليهما. أقنعت هذه الفائدة المزدوجة الإدارة الأمريكية بجدوى مفاعلات اليورانيوم، أي بالإضافة إلى إنتاج الكهرباء فإنها قادرة على إنتاج البلوتونيوم أيضاً؛ بينما لا ينتج مفاعل الثوريوم أية مادة انشطارية مفيدة عملياً للاستخدام في السلاح النووي.
أما الآن، فالذي كان سبب عِلـّة مفاعل الثوريوم في عام 1972، أي من عدم صلاحيته لخيار إنتاج السلاح النووي، أصبح في العقد الثاني من القرن الحالي مطلباً مُلحاً بعد التخوّف من احتمال سرقة جهات إرهابية لمادة البلوتونيوم، والذي يعتبر من أشد المواد سمومية في الطبيعة، من أماكن خزنها أو أثناء نقلها من موقع إلى موقع آخر ومن ثم التهديد بإستخدامه في عمليات قذرة (مثلاً نشره في خزانات المياه التي تزوّد المدن بالماء العذب) وليس بالضرورة استخدامه في سلاح نووي؛ إذ خلافاً لليورانيوم فإن الثوريوم ليس له قيمة عسكرية للإرهابيين أو كذلك إلى الدول التي قد تسعى لامتلاك أسلحة نووية بصورة سرية عبر اليورانيوم.
والأهم من السبب أعلاه، فإن مفاعلات الثوريوم آمنة التشغيل، سواء على النطاق العالمي أو على المستوى المحلي، إذ أن ما يميّزها علمياً و تصميمياً هو أنها لا تتعرض إلى خطر انصهار الوقود النووي في قلب المفاعل في حالة حدوث طارئ (إذ أن وقود المفاعل هو بحالة سائلة أصلاً)وما يصاحب ذلك من ارتفاع سريع في درجات الحرارة متجاوزة سبل السيطرة عليها مما قد يؤدي في بعض الحالات إلى الانفجار، وكما حصل للوقود الصلب في كارثة تشرنوبل، و انصهار جزء من قلب المفاعل في ثلاثة من المفاعلات في فوكوشيما، وما ينتج عن ذلك من تسرّب كثيف للمواد المشعة وإنتشارها الى البيئة حول موقع المفاعل أو عبر الحدود إلى دول مجاورة (ندرج في باب المصادر بعض الأدبيات عن الخلفية العلمية والتقنية لمفاعل الثوريوم) (4) ، (5).
ومن بعض مزايا مفاعل الثوريوم الأخرى على مفاعل اليورانيوم ما يلي
- يتوفـّر الثوريوم في الطبيعة مقدار أربع مرات أكثر من اليورانيوم وبالتالي فإنه أرخص بكثير منه،
- لا يحتاج الثوريوم إلى عمليات تغنية ليصلح كوقود للمفاعل كما هو الحال لوقود اليورانيوم في العديد من أنواع مفاعلاته،
- يمكن لطنِ واحد من الثوريوم أن ينتج من الطاقة مقدار ما ينتجه200 طناً من اليورانيوم، أو 3,500,000 طناً من الفحم،
- يعمل مفاعل الثوريوم تحت الضغط الجوي العادي لذا لا يحتاج إلى منظومات تبريد تعمل تحت ضغط عالي والتي تحتاج، هي والمفاعل، إلى حماية عالية بعوازل سميكة من الخرسانة المسلحة والتي قد تتعرض الى الدمار نتيجة حادثة نووية شديدة وتسرّب إشعاعي عالي،
- يتطلب استبدال قلب مفاعل اليورانيوم مرة كل 18 شهراً بوقود جديد، في حين يمكن تشغيل مفاعل الثوريوم بنفس الوقود لسنين بصورة متواصلة،
- إن نفايات المواد المشعة الناتجة عن إحتراق وقود الثوريوم أقل من واحد في المائة من كمية النفايات المشعة الناتجة من المفاعلات التقليدية لإنتاج نفس الكمية من الطاقة الكهربائية، كما أن نصف عمر النشاط الإشعاعي إلى النفايات من مفاعل الثوريوم هو بحدود عدة قرون فقطمقارنة بآلاف السنين للنفايات المشعة من مفاعل اليورانيوم.
بعد أن قام الكونغرس الأمريكي بغلق صمام التمويل عن مفاعل الثوريوم في عام 1972، وبعد بعض المحاولات غير الجدّية في العقد الماضي، تركّزت الأنظار على هذا النوع من المفاعل بعدما أنعش الباحث كيرك سورنسن (6) الإهتمام بالمفاعل المنسي في عام 2011 (والتي ألقاها بعد كارثة فوكوشيما) حيث انتبه العلماء المختصبن الصينيون والهنود إلى أفضلية هذه المفاعلات و حصلوا على أثرها على الوثائق القديمة لتصميم مفاعل الثوريوم؛ ومن ثم دخلت كل من الصين والهند بثقليهما العلمي و التقني في التسابق لتحقيق أهلية مفاعل الثوريوم لإنتاج القدرة الكهربائية.
حققت الصين خطط متقدمة جدا لمفاعل الثوريوم النموذجي باستخدام الوقود الصلب والذي سيعمل في عام 2015 ( بالإستعانة بحوالي 750 باحث علمي ومهندس حاصلين على شهادة الدكتوراة) (7) ؛ و يأمل معهد (شانغهاي للفيزياء التطبيقية) في الصين في تشغيل مفاعل الثوريوم باستخدام الوقود السائل في عام 2017 ؛ ونلفت النظر إلى ما يرافق هذا التقدم العلمي والهندسي المـُطـّرد من تسجيل براءات الاختراع لمفاعل الثوريوم وحصد ريع مردودها عند ترخيصها لبراءات الاختراع تلك لاحقاً. كما ويوجد مفاعل ثوريوم للأبحاث يعمل الآن في (مركز أنديرا غاندي للطاقة الذرية)، ويأمل مركز البحوث الذرية في (بهابها) في مومباي أن يكون له مفاعل الثوريوم السائل لأنتاج الطاقة الكهربائية في العقد المقبل (8).
التوصيات
نوصي أصحاب القرار السياسي في الدول العربية التي تنوي الولوج في المجال الكهرونووي بالتخطيط والتشريع على اعتماد مِلاكاتها الوطنية في مثل هذه المشاريع الحساسة؛ كما و نوصي بالتريـّث وعدم تشييد مفاعلات اليورانيوم لإنتاج الكهرباء وتحلية المياه إلى حين نضوج تصاميم محطة مفاعل الثوريوم السائل خلال عقد من الزمن وذلك لميزاته العديدة، منها البيئية (8) والإقتصادية، و الأهم السلامة في التشغيل، على بديله.
المصادر
- معالم وأحداث غير مكشوفة في البرنامج الوطني العراقي : 1981- 1991
- ظافر سلبي، زهير الجلبي و د. عماد خدوري – الدار العربية للعلوم ناشرون – 2011
- Stuxnet (Computer virus)
- Why the Molten Salt Reactor was not developed by the U.S.A.
- Thorium-based nuclear power
- The Energy From Thorium Foundation
- Kirk Sorensen shows the liquid fuel thorium reactor — a way to produce energy that is safer, cleaner and more efficient than current nuclear power, 2011 (Excellent and important presentation)
- China blazes trail for 'clean' nuclear power from thorium, 6 January 2013, The Telegraph
- Thorium Reactors: Asgard's Fire, 11 April, 2014, The economist
- The Ultimate Answer to Climate Warming, IMCZ News, Muthana Kubba, 22 May 2014
- المـُـتطلّب الرئيس: المِلاك الوطني
البريد الإلكتروني للكاتب: imad.khadduri@gmail.com