طفرة وراثية جديدة لمرض التفوّل تُحددّ لأول مرة و تُسجّل بإسم طفرة غزة، هذا الاكتشاف جاء نتيجة دراسة هي الأولى من نوعها أجريت على عينة أطفال مصابون بالمرض في مستشفى الأطفال في غزة.
يعتبر مرض التفوّل أو أنيميا الفول (G6PD Deficiency أو Favism ) أو ما يعرف علمياً بمرض عوز إنزيم نازعة هيدروجين الجلوكوز – 6 – فوسفات G6PD أحد أكثر الاعتلالات الإنزيمية الوراثية شيوعاً، و خصوصاً في مناطق حوض البحر الأبيض المتوسط. و تشير أحدث الإحصائيات إلى وجود أكثر من 500 مليون شخص مصاب بهذا المرض على مستوى العالم.
يلعب إنزيم نازعة هيدروجين الجلوكوز – 6 – فوسفات G6PD دوراً مهماً في المسلك الاستقلابي الخلوي لكريات الدم الحمراء و المعروف بمسلك (Embden-Myerhof Pathway). ومن خلال مسار بنتوز-فوسفات (pentose-phosphate shunt ) الجانبي لهذا المسلك يقوم انزيم نازعة هيدروجين الجلوكوز – 6 – فوسفات G6PD بتحفيز إنتاج جزئيات NADPH اللازمة للحفاظ على جزيئات الجلوتاثيون (Reduced Glutathione) ذات القوة الاختزالية العالية و التي تساعد على الحافظ على الشكل الوظيفي لكريات الدم الحمراء و حمايتها من المواد المؤكسدة كالموجودة في الفول و بعض العقاقير التي قد تؤدي إلى تحلل كريات الدم الحمراء وإصابة الإنسان بفقر الدم التحللي.
التفوّل أو الفوال هو مرض وراثي متنحي مرتبط بالصبغي الجنسي X حيث يتحكم في تصنيع هذا الإنزيم جين ( موّرث) موجود على الصبغي الجنسي X ، وهذا ما يفسر إصابة الذكور أكثر من الإناث بهذا المرض. و تؤدي الطفرات و التي تصل إلى أكثر من 176 طفرة إلى حدوث نقص أو اعتلال في تصنيع هذا الانزيم، مما يؤدي إلى حدوث تكسر و انحلال لكريات الدم الحمراء (الانحلال الدموي) و بالتالي حدوث فقر الدم الذي قد يكون شديداً ومهدداً للحياة.
وفي دارسة حديثة نشرت نتائجها في عددين من أعداد المجلة العالمية خلايا و جزيئات و أمراض الدم (Blood Cells, Molecules and Diseases ) تم تحديد أنواع الطفرات المسببة لهذا المرض في عيّنة (65 طفلاً) من نزلاء مستشفى الأطفال في مدينة غزة و الذين ثبت بالفحوصات البيوكيماوية أن لديهم عوز في إنزيم نازعة هايدروجين الغلوكوز – 6 – فوسفات G6PD . خلال هذه الدراسة و التي أجريت بواسطة فريق من الباحثين من غزة و باحثين من جامعة يوتا بالولايات المتحدة، تم تحديد الطفرات في الاكسونات (Exons I-XIII) الثلاثة عشر لجين G6PD إضافة إلى مناطق تماس الاكسونات و الانترونات (Exon-Intron boundaries) من خلال تقنية تحديد تتالي النيوكليدات (BigDye™ terminator cycle sequencing with a 3100 Genetic Analyzer).
تعد هذه الدراسة الأولى من نوعها التي تحدد الطفرات الوراثية لمرض التفوّل في قطاع غزة و من خلالها تم التعرف على تلك الطفرات، و كانت طفرة البحر الأبيض المتوسط (G6PD Mediterranean c.563T) الأكثر شيوعاً بمعدل 35.4 % و الطفرة الأفريقية المركبة (African G6PD A-c.202A/c.376G) بمعدل 28.6% و طفرة القاهرة (G6PD Cairo c.404C) بمعدل 19.6% ، بالإضافة إلى طفرة أقل شيوعاً و هي طفرة بافيري هيلز (G6PD Beverly Hills c.1160A).
كما تم اكتشاف طفرة جديدة في أحد أطفال عينة الدراسة من نزلاء مستشفى الأطفال في مدينة غزة لم تعرف من قبل، وتم تسميتها بطفرة غزة (G6PD Gaza c.536G>A, Ser179Asn) وهي طفرة تقع في الاكسون السادس (Exon VI)، و تشمل استبدال القاعدة النيتروجينية الجوانيين (G) بالقاعدة النيتروجينية الادنين (A) على نيكولتيدة رقم 563، والتي أدّت إلى استبدال الحامض الأميني السيرين الموجود على الموقع 179 بالاسبرجين (كما يظهر في الشكل المرفق).
" لقد تم تسجيل طفرة غزة عالمياً حسب الأصول في قاعدة بيانات الطفرات الوراثية التابعة للمكتبة الوطنية الطبية الأمريكية (PubMed) والمعهد الوطني الصحي الأمريكي (National Institute of Health NIH). يقول د. محمود سرداح، وهو أحد الباحثين في هذه دراسة.
كما تم دراسة هذه الطفرة باستخدام برامج المحاكاة الجزيئية الديناميكية (molecular dynamics modeling and simulations) و التي أظهرت أن استبدال الحامض الأميني السيرين على الموقع 179 بالاسبرجين أدّى إلى انخفاض ملموس في درجة ارتباط مرافقة الانزيم (NADP+) مع المكان المخصص لها في الانزيم و ذلك نتيجة تغيرات في الشكل الفراغي ثلاثي الأبعاد لهذا الانزيم المعتل. و حسب موقع هذا التغير في الانزيم فان الشكل والصفة البيو كيميائية لهذه الطفرة حسب معايير منظمة الصحة العالمية قد يجعلهما ضمن الصنف الأول (class I) أو الثاني (class II) ذوا العوز الشديد في فعالية هذا الانزيم.
يقول ا.د. محمد شبير أحد الباحثين في هذه الدراسة: "إن كون نسبة الاطفال (19.6%) في عينة الدراسة و الذين يحملون طفرة التفوّل من نوع القاهرة (كما يظهر من الشكل المرفق) من سكان قطاع غزة تعتبر نسبة مرتفعة وغير متوقعه حيث أن هذه الطفرة سُجّلت في حالة واحدة فقط عام 1997 في طفلة من عائلة مصرية و بناء عليها سميت طفرة القاهرة".
ويضيف: " وهنا يتبادر إلى الأذهان سؤال عن مصدر هذه الطفرة هل هو مصري أم فلسطيني و لماذا لم تسجل أي حالة مصرية منذ 1997 بهذه الطفرة حتى الآن. لذلك فنحن نتطلع إلى إجراء دراسة مشتركة و تعاون مع باحثين مصريين من أجل معرفة توزيع و انتشار هذه الطفرة في المجتمع الفلسطيني و المصري حيث تجمع الشعبين عوامل جغرافية و اجتماعية مشتركة".
جدير بالذكر أن الفريق البحثي الفلسطيني يضم كلاً من:
المراجع