مجلة أجسر – مجلة عربية محكمة في مجال العلوم – زورو موقعنا

NULL

المياه في دول مجلس التعاون .. نحو إدارة كفوءة

الكاتب

الكاتب : أ. د. وليد خليل الزباري

رئيس مجلس إدارة جمعية علوم وتقنية المياه

الوقت

02:38 صباحًا

تاريخ النشر

31, أكتوبر 2013

أصبحت عملية تزويد المياه بشكل مستدام للأنشطة التنموية المختلفة في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والواقعة في أكثر مناطق العالم جفافاً وأكثرها إجهاداً مائياً، من التحديات البالغة الصعوبة التي تواجهها هذه الدول، وكذلك من القضايا التي عليها أن تواجهها بكل كفاءة و اقتدار. و يرجع ذلك لمحدودية الموارد المائية الطبيعية المتاحة من جهة، و تصاعد الطلب و التنافس عليها من قبل القطاعات المستهلكة نتيجة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية المتسارعة و ما يصاحبها من نمو سكاني من جهة أخرى. حالياً، تواجه بلدان مجلس التعاون الخليجي مستقبلاً ينذر بالخطر، تزداد فيه ندرة المياه و تتعاظم تكاليف إمداداتها، الأمر الذي لا يهدد التنمية المستقبلية فيها فقط، و لكنها أمام تحدٍ آخر و هو المحافظة على إنجازاتها الاقتصادية والاجتماعية التي وصلت إليها.

حالياً يعتبر التصدي لندرة المياه، سواء بسبب الظروف الطبيعية أو الممارسات الإنسانية، من التحديات الرئيسية و الأكثر أهمية التي تواجه دول مجلس التعاون الخليجي. و من المتوقع أن يزداد هذا التحدي مع الوقت بسبب العديد من القوى الدافعة، بما في ذلك النمو السكاني، و تغيير أسلوب الحياة و أنماط الاستهلاك، و الطلب المتنامي على الغذاء، و نظام الإعانات العام السائد، و تغير المناخ، و العديد من القوى الدافعة الأخرى، مما يضطر دول المجلس إلى القيام باستثمارات باهظة و مكلفة في مصادر الإمداد بالمياه و البنى الأساسية (تحلية المياه، معالجة المياه، بناء السدود، و إنشاء حقول آبار المياه الجوفية) و ذلك لتلبية الطلب المتصاعد على المياه. إن التكاليف المالية و الاقتصادية و البيئية، و كذلك الاجتماعية، المرتبطة بنهج إدارة و تعظيم العرض السائد حالياً في دول مجلس التعاون تعتبر عالية و لا تحتاج إلى تفصيل.

بشكل عام، يمكن تعريف نظام إدارة المياه المستدام بأنه "النظام الذي يمكنه تزويد المياه بالكمية الكافية و النوعية المطلوبة لمختلف القطاعات التنموية، وذلك بأدنى قدر من التكاليف المالية و الاقتصادية و الاجتماعية و البيئية، لتحقيق أقصى قدر من الفوائد الاقتصادية و الاجتماعية من حيث القيمة المضافة من استخدام المياه و المساهمة في التنمية الوطنية، على المدى البعيد". و يتضمن هذا التعريف – و بشكل قوي – قضية "كفاءة المياه"، و التي تشمل – بالمعنى الواسع لها – كفاءة إمداد المياه، و كفاءة استخدامها، و تدويرها، و إعادة استخدامها، و التخطيط على المدى الطويل للاستخدام الكفء للموارد، وتعكس تحولاً رئيسياً في نهج إدارة الموارد المائية بعيداً عن الأسلوب التقليدي لإدارة العرض إلى إدارة الطلب على المياه. و يمكن لكفاءة المياه أن تساعد بشكل كبير في الحد من الإسراف في استخدام الموارد، الذي يمثل الفرص الضائعة، فضلاً عن استخدام المياه دون هدف اقتصادي أو اجتماعي.  وعلاوة على كل ذلك، فإنه غالباً ما تؤدي تدابير الكفاءة إلى تفادي أو تأخير الحاجة لاستثمارات البنية التحتية، و تقليل العبء على الموارد المالية و موارد الطاقة الحالية، مؤدية إلى توفير مكاسب حقيقية للمجتمع.

حالياً، في دول مجلس التعاون، و بشكل عام، تعتبر كفاءة المياه في كلٍّ من جانبي العرض و الطلب، منخفضة جداً. فعلى سبيل المثال، في جانب العرض يتراوح التسرب المادي في شبكات المياه البلدية ما بين 30% و أكثر من40%، الذي هو على خلاف مع التكلفة العالية التي تتكبدها دول المجلس في إنتاج و توزيع هذه المياه عالية الجودة و التي تتراوح بين 1-2 دولار أمريكي للمتر المكعب.  علاوة على ذلك، فإن معدلات تدوير المياه في دول المجلس لا تكاد تذكر، في حين أن المياه العادمة التي يتم تجميعها لا تتجاوز في المتوسط 40% من كميات المياه البلدية الإجمالية، و معدل إعادة استخدام المياه المعالجة لا يتجاوز 60% في أحسن الأحوال. أما في جانب الطلب، فيصل معدل استهلاك الفرد من المياه في القطاع المنزلي في معظم دول المجلس إلى 500 لتر في اليوم و يتجاوز في أكثر من دولة 700 لتر في اليوم، و يعتبر من بين أعلى المعدلات في العالم. و في القطاع الزراعي، الذي يستهلك في المتوسط أكثر من 80% من إجمالي المياه المستخدمة في دول المجلس، فإن سيادة طرق الري غير الكفوءة يؤدي إلى فقدان أكثر من50 % من كميات مياه الري المستخدمة. و بالمثل، تسود في القطاع الصناعي العديد من الممارسات المسرفة للمياه مع جهود تدوير لا تذكر.

وفي حين أنفقت دول مجلس التعاون الخليجي مئات المليارات من الدولارات على البنى و الهياكل الأساسية لإمدادات المياه (أي محطات التحلية و المعالجة و السدود و حفر الآبار) في سبيل توفير إمدادات المياه، فإنها لم تولِ الاهتمام الكافي لكفاءة الاستخدام، و كفاءة التزويد، و التدوير، و إعادة الاستخدام.

ولتعزيز استدامة نظام إدارة المياه وتعزيز سياسات إدارة الطلب على المياه في دول مجلس التعاون، هناك حاجة ملحّة لإعادة النظر في نهج إدارة العرض التقليدي السائد حالياً، و تحسين كفاءة استخدام المياه عن طريق تقليل الهدر في جميع القطاعات المستهلكة للمياه، و زيادة الوعي و التأثير على سلوك المستهلكين و تغييره نحو تقليل تبذير المياه. في الواقع، و في ظل الاقتصاد السياسي السائد حالياً في دول مجلس التعاون، حيث يسود نظام دعم عام يجعل من الصعب استخدام الحوافز/المثبطات الاقتصادية، يصبح من المحتم على دول المجلس التركيز على تحسين كفاءة المياه لنظام إدارة المياه من أجل ضمان إمدادات مياه بأقل التكاليف و الحد الأدنى من المخاطر، و تحقيق أقصى قدر من الإنتاجية لكل متر مكعب يستهلك.

إن تحسين كفاءة المياه من خلال تنفيذ تدابير الحد من الهدر، في جانبي العرض والطلب، هو أكثر فعالية، من حيث التكلفة، من زيادة طاقة الإمداد بالمياه، حيث أن خيارات رفع كفاءة المياه المتاحة لديها وحدة تكلفة أقل من وحدة تكلفة زيادة العرض لزيادة الإمدادات. وبالمثل، فإن زيادة كفاءة نقل مياه الري ونظام الري، أكثر فعالية من حيث التكلفة من زيادة استخراج المياه الجوفية لتلبية احتياجات الري. ولذلك، يجب النظر إلى تحسين كفاءة المياه كعنصر مكمّل، وفي بعض الحالات قد يكون بديلاً عن الاستثمارات طويلة الأجل في مجال إمدادات المياه وبنيتها التحتية.

وفي قلب هذا المفهوم معيار اقتصادي هام، حيث ينتج عن برامج كفاءة المياه مستوى من الفوائد تتجاوز بكثير التكاليف اللازمة للقيام بها. فعلى سبيل المثال، عند خفض إنتاج محطات التحلية أو تأخير توسعة طاقتها من خلال تنفيذ تدابير كفاءة المياه (مثل الحد من التسرب في شبكة التوزيع، أو الأجهزة الموفرة للمياه، أو إعادة التدوير، و غيرها من التدابير)، فإن هذه التدابير لا تؤدي إلى توفير الأموال على المستهلكين و التقليل من المخصصات أو الموازنات المالية المتجهة للمياه وبالتالي خفض العبء على الميزانية الوطنية للحكومات فحسب، و لكنها تحافظ أيضاً على أصول الموارد الطبيعية من الطاقة (النفط والغاز)، المصدر الرئيسي للدخل لدول مجلس التعاون الخليجي. كما أنها -بالإضافة إلى زيادة القيمة المضافة لاستخدام كل متر مكعب و تحرير المياه لاستخدامات أخرى -ستقلل كذلك من التكاليف البيئية المصاحبة لإنتاج المياه المحلاة من حيث انبعاثات غازات الدفيئة، و مياه الرجيع التي يتم تصريفها في البيئة البحرية، و بالتالي تقليل التأثيرات و الكلف البيئية المصاحبة.

ومن ثمّ، فإن تحسين كفاءة المياه يؤدي إلى العديد من الفوائد المتتابعة و يسهم مباشرة في تحقيق الأهداف الإنمائية لدول مجلس التعاون الخليجي، و يساعد على ضمان إمدادات المياه حالياً  و للأجيال القادمة، و تعزيز المستوى العام للأمن المائي.

وعلى الرغم من أن مشكلة ندرة المياه في دول مجلس التعاون هي مشكلة مسلَّم بها، إلا أن مسألة كفاءة المياه لم تصبح أولوية رئيسية بعد في جداول أعمال الحكومات لهذه الدول. و علاوة على ذلك، فإن معظم المؤسسات المعنية بالمياه في دول المجلس تستمد ثقافتها من مركزية مبنية على نهج إدارة العرض و النهج القطاعية لإدارة المياه بالرغم من تداخل و تأثر قطاعات المياه المختلفة.  و لذا، فإنه من الأهمية بمكان أن تبذل الجهود لإدراج تدابير كفاءة المياه صراحة ضمن إطار استراتيجيات السياسات و إدارة المياه المتكاملة و الشاملة و تعطى الأولوية المطلوبة. و يجب معالجة مسألة كفاءة المياه على جميع المستويات في إدارة المياه، من خلال الوسائل التقنية، و تحسين الممارسات الإدارية، و تغيير السلوك المجتمعي.

وباختصار، فإنه قبل اللجوء إلى "توفير المزيد من المياه"، أي إتباع نهج إدارة العرض و تعظيمه، الذي غالباً ما يعني تشييد هياكل و بنى أساسية جديدة و مكلفة؛ ينبغي أن يكون النهج الأول و الأكثر فعالية من حيث التكلفة هو تحسين كفاءة المياه لنظام إدارة المياه، و معالجة قضايا الطلب، وكحلّ أخير بعد كل ذلك، زيادة الإمدادات المائية.

من خلال معالجة موضوع الإدارة المستدامة للمياه في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، يركز "مؤتمر الخليج الحادي عشر للمياه" على موضوع كفاءة المياه ضمن الإطار العام لإدارة الطلب، فضلاً عن المواضيع ذات الصلة بتحسين كفاءة الإدارة في مختلف القطاعات المستهلكة، مثل أسلوب الحوكمة المناسبة، ومشاركة أصحاب المصلحة، و الاعتبارات التشريعية، و التقنيات المبتكرة، و رفع مستوى الوعي، و تنمية القدرات، واحتياجات البيانات وعملية اتخاذ القرار الشفافة، و التحليل الاقتصادي و الفوائد، والعديد من العوامل الأخرى ذات الصلة بقضية كفاءة المياه في منتدى علمي. و سيقدم المؤتمر أعلى الخبرات و أفضل الممارسات من مختلف الدول في ذات التجارب في تحسين الكفاءة و التغلب على تحديات ندرة المياه في دول مجلس التعاون و الدول العربية الجافة.

والله الموفق ،،،

الزوار الكرام: يسعدنا مشاركتكم وتواصلكم حول هذا المقال

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

license
0 التعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
guest

شبكاتنا الاجتماعية

  • facebok
  • twitter
  • Instagram
  • Telegram
  • Youtube
  • Sound Cloud

يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

icons
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x