أساس البحث العلمي هو فهم آلية عمل الظواهر الطبيعية في الجماد والكائنات الحية وإستخدام المعرفة الناتجة في تحسين وتطوير حياة الكائنات الحية وكذلك المحافظة على الجماد. و البحوث العلمية نوعان. البحوث الأساسية وهي التي تهدف إلى فهم طبيعة الأشياء وإكتشاف آلية عملها وإرتباطها بالأشياء الأخرى. والبحوث التطبيقية وهي التي تهدف إلى تطويع نواتج البحوث الأساسية إلى التطبيق ومن ثم إلى الإنتاج والتسويق. ولذلك فالبحوث الأساسية هي حجر الأساس للإكتشافات العلمية الكبرى والمنتجات العلمية بأنواعها في الطب والهندسة. فكل منتج وراءه بحوث عديدة. ومن أهم المنتجات البحثية للإنسان الدواء فقد يهون كل شيئ على الإنسان إلا الدواء في حالة الداء.
وسوف أعطي مثالاً على مراحل إكتشاف العقاقير من بعض النباتات وذلك لأن معظم الأدوية مصدرها النباتات الطبية مع إفتراض التركيز على نبات طبي واحد حتى يصل الباحث في النهاية إلى نتيجة واضحة وفترة زمنية محددة لتأثير النبات على عرض مرضي محدد. أما إجراء البحوث العلمية على نبات ما ثم القفز إلى نبات آخر دون الإنتهاء كلية من تقييم كلي للتأثيرات البيولوجية للنبات الأول فلا يؤدي ذلك إلى أي نتائج ملموسة تصل إلى المستفيد في النهاية.
والعقار هو المادة الشافية التي تستخلص من أصل طبيعي، مثل: النباتات، والكائنات الدقيقة، والحشرات، والكائنات البحرية، والثدييات. ومن العقاقير ما يستخرج من صخور الجبال، مثل: أملاح الحديد، المستخدمة في علاج الأنيميا، وأملاح الذهب، المستخدمة في علاج التهاب المفاصل. وهناك بين الدواء، والعقار، علاقة عموم وخصوص، إذ كل عقار دواء، وليس كل دواء عقاراً. ومن الأدوية ما يستخلص من مصادر طبيعية ومصادر غير طبيعية. والعقار قد يكون مادة كيميائية واحدة، مثل: الأتروبين، الذي يستخرج من نبات ست الحسن، أو قد يتكون من عدة مواد، مثل: زيت كبد الحوت، الذي يحتوي على عديد من الفيتامينات.
فإذا كانت أكثر الأدوية المستخدمة حالياً في الطب مستخلصة من نباتات طبية ، فمن المنطقي أن ندرك أن المصانع و شركات الأدوية لم تنشأ أولاً لكي تبيع الدواء في صورته النهائية سواء في صورة كبسولات أو أقراص أو لبوس أو حقن أو شراب أو رش أو مرهم. فالأدوية بصورها المختلفة لم تصل ليد الصيدلي ومن ثم الطبيب وفي النهاية المريض إلا بعد أن تم إجراء البحوث المعملية عليها بدقة حتى ثُبت لها خاصيتين أساسيتن. أولهما أن الدواء ليس له سمية للإنسان أو آثار جانبية شديدة. وثانيهما هو التأثير وشفاء المرض أو أعراضه بنسبة مقبوله. وقد تستغرق الأبحاث عن إخراج دواء واحد للنور من ٥-٢٥ سنة حسب طبيعته وطبيعة العرض الذي يداويه وحسب تسلسل الأبحاث ومدى دعمها مادياً وفنياً.
وبالطبع لم تكن في الأزمنة البعيدة مصانع للأدوية بل كان الأساس هو المداواة بالأعشاب والمنتجات الطبيعية عموماً والتي بالطبع كانت لها تأثيرات في علاج الأمراض وإلا كان الجنس البشري قد إنقرض منذ زمن. ونتيجة لظهور عصر العلم ونتيجة للتقدم العلمي ونتيجة للزيادة الكبيرة في التعداد السكاني ونتيجة لظهور الأوبئة ونتيجة للحروب الكبيرة خاصة الحرب العالمية الأولى والثانية وانتهائها بآلاف مؤلفة من المرضى ، فقد حدث تطور كبير في نهج البحوث العلمية في هذا المجال. فالمواد في صورتها الطبيعة تستخدم كما هي وعلى حسب الكميات المتاحة منها في الطبيعة حيث لا يمكن تخليقها كيميائياً في صورتها الأساسية. ولذلك توجهت معظم البحوث من ناحية إلى إكتشاف نباتات جديدة لها تأثيرات بيولوجية ومن ناحية أخرى إلى التنقيب في النباتات الطبية التي أثبتت فاعلية للوصول إلى المواد الفعالة بها حتى يتم تخليق هذه المواد كيميائياً بكميات كبيرة تكفي المرضى ليس في بلد واحد بل في العالم أجمع. ولذلك فكل دواء مخلق هو جزء كيميائي من أصل كل طبيعي. فمصطلح كيميائي هنا يعني تخليق المادة الفعالة الطبيعية في المصنع بكميات كبيرة بخصائص واحدة.
والتداوي بالعلاجات الكيميائية لا يمنع أنه ما زال هناك العديد من النباتات الطبية والأعشاب التي تستخدم بصورتها الطبيعة الخام سواء على هيئة مسحوق أو مستخلص من الساق أو الأوراق أو البذور أو الجذور. ومع أن هذه النباتات بصورتها الخام تتميز بالأمان في التداوي إلا أنها في غالب الأحيان لا تمثل دواءاً شافياً لضآلة نسب المواد الفعالة فيها من ناحية ومن ناحية أخرى وجود بعض المواد الأخرى التي قد تقلل من التأثير الدوائي للنبات. ويذكرني ذلك بصيدلية الأعشاب التي زرتها وأنا في زيارتي للصين. فقد هالني النظام الصيدلي هناك. فبجانب الصيدلية المتعارف عليها والتي تبيع الدواء المخلق (الكيميائي) ، فهناك صيدليات أخرى تبيع الأعشاب الطبية والنباتات الطبية معبأة بصورة جاهزة للإستعمال ومعها وصفة الإستخدام. وبالطبع مدير الصيدلية هو أيضاً صيدلي ومن يعاونه أيضاً دارسين للطب الشعبي. وما لفت نظري عند حديثي مع أحد الصيادلة في الطب الشعبي قوله أن معظم الأعشاب لا تعمل منفردة بل مجتمعة مع نباتات أخرى بنسب ومقادير محددة تم تحديدها بناءاً على دراسات مسبقة.
وبغض النظر عن النبات الطبي المراد دراسة تأثيره البيولوجي، هناك دورة بحثية كاملة لا بد للباحث من المرور بها وإكمالها لكي يصل بأي منتج طبيعي من البحث إلى التطبيق. وتقسم هذه الدورة إلى دراسات قبل سريرية وبعدها الدراسات السريرية. وكل مرحلة تنقسم للعديد من المراحل الصغرى بخطواتها المعروفة في الوسط العلمي.
أولا : الدراسات القبل سريرية PRECLINICAL STUDIES
وتشمل هذه الدراسات سلسلة من التجارب المعملية على مرحلتين أساسيتين هما مرحلة الدراسات في المزارع الخلوية IN VITRO وتتبعها مرحلة الدراسات بإستخدام حيوانات التجارب IN VIVO
أولا : مرحلة المزارع الخلوية
يطلق على هذه النوعية من الدراسات مسمى IN VIVO or CELL CULTURE
ولدراسة التأثيرات البيولوجية لأي من النباتات الطبية في المزارع الخلوية لا بد من إجراء العديد من الخطوات والتي تشمل الآتي:
- تحديد مصدر النبات الطبي بحيث يكون موثق وبه البيانات الكاملة عن النبات أو الجزء المحدد منه مثل الساق او الأوراق أو الجذر.
- تحضير مستخلص مائي و كحولي من النبات لضمان إستخلاص جميع المواد الفعالة.
- تحويل كل مستخلص إلى صورة ذائبة في محلول فسيولوجي.
- تحديد المحتويات الكيميائية سواء العضوية والغير عضوية في كل مستخلص.
- المواد الفعالة.
دراسة تأثير تركيزات مختلفة من المستخلص وكذلك المواد الفعالة بالتوازي وذلك على الخلايا المراد معرفة تأثير النبات عليها وذلك بإستخدام تكنولوجيا المزارع (الحاضنات) الخلوية وذلك لمدد زمنية محددة تتراوح من ساعات إلى أيام.
وتعتبر هذه الخطوة من المزارع الخلوية CELL CULTURE من أهم الخطوات الإستباقية التي بناءا عليها يمكن تقييم النبات فيما إذا كان له التأثير المطلوب وما إذا كان هذا التأثير غير مصحوب بتأثيرات سمية على الخلايا وكذلك تحديد التركيز الذي عنده يقوم المستخلص بتأثيره أيا كان.
كما تعود أهمية هذه الخطوة أيضاً إلى إمكانية دراسة تأثير العديد من المواد بتأثيرات عديدة وفي وقت قصير وبأقل التكاليف وذلك إذا قورنت بالخطوة الثانية في هذه المرحل والتي يتم فيها تقييم المواد باستخدام حيوانات التجارب. وبالإضافة إلى ذلك تتيح هذه الخطوة دراسة التأثير المباشر والغير مباشر للمواد قيد الدراسة على الخلايا المستهدفة وكذلك دراسة آلية وميكانيكة التأثير إن وجد.
ومن المفترض بعد الإنتهاء من هذه الخطوة الوصول إلى الإجابة عن الأسئلة التالية:
- هل لمستخلص النبات تأثير بيولوجي أم لا ؟
- ما هو التأثير الذي عنده يؤدي إلى موت نصف عدد الخلايا المزروعة ؟
- ما هو التركيز الذي عنده يظهر المستخلص تأثيره بدون سمية على الخلايا ؟
- ماهي المادة أو المواد الفعالة في المستخلص والتي أظهرت تأثير بيولوجي ؟
- هل التأثير البيولوجي للمستخلص مساوي للتأثير البيولوجي لكل مادة فعالة أم كل له تأثيره الأعلى أو الأقل أو المضاد ؟
- هل التأثير المستحدث متخصص، بمعنى يؤثر فقط على الخلايا المستهدفة المطلوب علاجها أم يمتد إلى خلايا أخرى ؟
- إلى أي فترة زمنية يمتد تأثير مستخلص النبات ؟
- هل تأثير مستخلص النبات دائم أم يزول بإزالة المستخلص ؟
- ماهي الآلية الخلوية والجزيئية التي بها تم تأثير مستخلص النبات والمواد الفعالة على الخلايا ؟
- هل تأثير المستخلص والمواد الفعالة على الخلايا المختلفة متشابه أم يختلف حسب نوع الخلية ؟
- هل توصي هذه الدراسات بإستخدام مادة فعالة محددة ؟ وعند أي جرعة معينه مبدأية ؟
وللإجابة على هذه الأسئلة لا بد من إستخدام التقنيات الآتية أثناء إجراء التجارب
زراعة الخلايا : وهو يعتمد على إستخدام خلايا حية محفوظة مسبقاً في النيتروجين السائل LIQUID NITROGEN. ويسمى هذا النوع من الخلايا CELL LINES وذلك لأن كل الخلايا تشبه بعضها البعض من حيث التركيب والشكل والوظيفة سواء كانت خلايا سرطانية أو طبيعية ولكن تم هندستها وراثياً لكي تبقى حية على الدوام ولكي تتكاثر دون توقف طالما تم تزويدها بوسط غذائي متجدد. وتمثل هذه النوعية من الخلايا نموذجاً رائعاً لدراسة تأثير المواد لأسباب كثيرة أهمها تشابه الخلايا وبالتالي أي تأثير سوف يعود للمادة نفسها وليس لأي عامل متغير آخر. كما أن آلية تكاثرها وبقائها حية معروف وبالتالي إذا تم تعطيل هذه الآليات بمواد معينة ممكن معرفة آلية التأثير البيولوجي لهذه المادة.
والمصدر الثاني للخلايا المستخدمة في المزارع الخلوية هي خلايا طازجة يتم تحضيرها من الكائن الحي مثل خلايا الدم البيضاء أو الحمراء في حالة الإنسان أو الطحال أو الغدة الثيموسية أو العقد الليمفاوية أو أي نسيج آخر في حالة الحيوان شريطة أن يتم تحويل هذا النسيج إلى معلق توجد الخلايا فيه بصورة مفككة بعد معامله النسيج ببعض الإنزيمات القادرة على تفكيك النسيج إلى خلايا منفصلة عن بعضها البعض. وفي بعض الأحوال ممكن إستخدام النسيج ذاته. ومن الممكن أيضا زراعة الميكروبات من فيروسات أو بكتيريا وكذلك الفطريات أو ديدان.
تقنية عد الخلايا: ويتم ذلك إما آليا بإستخدام جهاز عد الخلايا بجهاز CELL COULTER أو يدوياً بإستخدام HEMOCYTOMETER المدرجة وكذلك تكنيك صبغة TRYPAN BLUE للتمييز بين الخلايا الحية والميتة أثناء العد.
تقنية التدفق الخلوي: وفيها يتم استخدام جهاز متقدم معروف بإسم التدفق الخلوي FLOW CYTOMETER والذي من الممكن من خلاله دراسة ظواهر عديدة للخلية بدقة متناهية وبنتائج فورية شاملة شكل الخلايا الظاهري وحيوية الخلايا أو موتها وتكاثرها وقدرتها على إفراز المواد المهمة لوظائف الخلية.
- تقنية RT-PCR : وهي تقنية جزيئية مهمة للغاية على مستوى الجينات والتي من الممكن من خلالها معرفة التغير في مستوى التعبير الجيني لأي جين عن طريق قياس قدرته على تكوين آلاف مؤلفة من النسخ منه عند توفير المواد المطلوبة لعملية النسخ الجيني هذه.
- تقنية BLOTTING : وهي تقنية من الممكن من خلالها قياس كمي ونوعي لحامض نووي سواء على هيئة DNA لتسمى SOUTHERN BLOTTING RNA لتسمى NORTHERN BLOTTING أو بروتين لتسمى WESTERN BLOTTING.
- تقنية ELISA: وهي تقنية في غاية الأهمية حيث من الممكن من خلالها قياس كمي ونوعي لمستوى المواد التي تفرزها الخلايا أثناء نشاطها سواء إنزيمات أو مواد مساعدة على النمو أو هرمونات أو مواد مضادة للأكسدة.
- تقنية EXTRACTION: هي تقنية لابد من أي باحث في مجال الكيمياء الحيوية من إستخدامها لتحضير مستخلصات EXTRACTS مائية أو كحولية من النبات.
- تقنية HPLC: وهي تقنية مهمة جدا للفصل الجزيئي للمواد الفعالة خاصة البروتينات محددة أو أجزاء منها. وكذلك فصل أي مادة فعالة أيا كان تركيبها الكيميائي.
- تقنيات ميكروبيولوجية: تعتمد هذه التكنيكات على زرع الميكروبات من فيروسات أو بكتيريا وكذلك الفطريات في المزارع الخلوية ثم قياس مدى تكاثرها ونموها على هيئة مستعمرات COLONIES كما في البكتيريا أو PLAQUES كما في الفيروسات أو THREADS كما في الفطريات.
- تقنيات أخرى: هناك تقنيات أخرى حديثة ولكنها غير متوفرة في معامل كثيرة ولكن من الممكن من خلالها قياس مستويات آلاف مؤلفة من البروتينات التكنولوجيا المعروفة بإسم PROTEOMICS ARRAY أو من الجينات وهو التكنولوجيا المعروفة بإسم GENE ARRAY أو تحديد التتابع النيوكليتيدي لجين محدد لمعرفة الطفرة الوراثية فيه وهو التكنولوجيا المعروفة بإسم DNA SEQUENCING.
ومما سبق نجد أن مجرد الإجابة على هذه الأسئلة للنبات الواحد يتطلب مجهود كبير ووقت قد يطول ومهارات معملية متخصصة وفريق بحثي متكامل من كيميائيين وبيولوجيين. كما يتطلب ميزانية لشراء المطلوب من كيماويات ومواد واستخدام الأجهزة . كما أنه يتطلب فريق مدرب وقادر على تفسير النتائج وصياغتها وعرضها في صور مختلفة ثم نشرها في الدوريات العلمية العالمية وبالطبع تسجيل أي براءات إختراع تنشأ من هذه الأبحاث. ولذلك يتطلب هذا العمل البحثي الكبير إلى الدعم المالي المقنن من خلال مشروعات بحثية ويحتاج الدعم المعنوي والفني من رؤساء المؤسسات البحثية لأي نجاح في إكتشاف مواد فعالة من مصادر طبيعية – سواء كانت نباتية أو حيوانية برية أو مائية – سوف ينعكس على تطوير المؤسسة قبل أن ينعكس على المرضى وعلى الاقتصاد الوطني لاحقاً.
ثانيا: مرحلة IN VIVO :
بعد الإنتهاء من التجارب في المرحلة الأولى IN VITRO or CELL CULTURE وإعادتها على الأقل ثلاث مرات والإجابة على التساؤلات العشرة أعلاه ، تبدأ هذه المرحلة المكملة والمتممة للمرحل السابقة. وعادة ما تحتاج هذه المرحلة لوقت أطول لأن المعالجة تتم في الحيوان وتحتاج لقدرة على التعامل مع حيوانات التجارب بمهارة عالية وكذلك تشريحها وسلوكها ووظائف أعضائها. كما تتطلب ميزانية أكبر وفريق بحثي أكبر مدرب مسبقاً على مثل هذه النوعية من التجارب. والنتائج المعتمدة من التجارب مهمة للغاية حيث أن بناءاً عليها سوف يتحدد تكملة البحوث السريرية لاحقاً أم لا. ولذلك فهي متطلب أساسي للملف الذي يقدم للجهات المسئولة عن تنفيذ الدراسات السريرية.
ومع أن هناك الكثير من أنواع حيوانات التجارب التي تستخدم في هذه المرحلة لدراسة التأثير البيولوجي لمادة ما ، إلا أن فئران التجارب هي الأكثر شيوعاً في الإستخدام. ويليها الأرانب RABBITS والهامستر HAMSTERS والقرود والخنزير الغيني GUINEA PIGS والخنازير PIGS وأحياناً الضفادع والحشرات والديدان.
وشيوع الفئران في الاستخدام يعود إلى تشابه التشريح والتركيب والوظائف مع الإنسان وسهولة التعامل معها لصغر حجمها ورخصها وتوافر أعداد كبيرة منها وسهولة توفر الإمكانات المطلوبة لمعيشتها. وهناك نوعان من الفئران. الفئران الصغيرة المسماة MICE جمع MOUSE والكبيرة المسماة RATS جمع RAT.
وأكثر الفئران شيوعاً هي الصغيرة والتي يوجد منها أنواع عديد كل منها مهندس وراثياً ليكون جميع أفراده متشابهين في كل شيئ. ويطلق على هذه النوعية من الفئران أياً كان نوعها INBRED MICE وذلك عكس الفئران الموجود في الحقول والمنازل والقمامة والتي تسمي WILD or OUTBRED MICE. ونفس المصطلحات تطلق على الفئران الكبيرة.
وهناك من الفئران التي هندست وراثياً (جينيا) لكي تحمل صفات مرض معين فتصبح نموذجاً لهذا المرض يمكن من دراسة تأثير أي مادة عليه. ولذلك فهذه النوعية من الفئران غالية الثمن. كما أن هناك نوعية من الفئران المهندسة وراثياً لكي تعاني من مرض نقص المناعة إما كلية أو جزيئيات وأخرى تم حذف جينات محددة منها KNOCKOUT ANIMALS أو تم هندستها لتحمل نسخ كثيرة من هذا الجين TRANSGENIC ANIMALS وذلك لدراسة أهمية هذا الجين سواء بغيابه أو بزيادة نشاطه. وهذه النوعية من الفئران المهندسة وراثياً تحتاج إمكانات معينة لتربيتها حيث أنها أكثر عرضة للعدوى الميكروبية.
ومن الممكن تلخيص الأهداف الرئيسية المراد تحقيقها في هذه المرحلة من البحث إلى:
- تحديد جرعة LD50: لأي مادة أيا كانت سمية إذا زادت عن جرعة معينة. ولذلك من المهم جداً دراسة سمية المادة تحت الدراسة. وأول تجربة تتم لدراسة السمية هي التي يتم فيها تحديد الجرعة النصف مميتة للفئران التجارب. وهي تجربة روتينية ولكنها مهمة يتم فيها حقن عدد كبير من الفئران بجرعات مختلفة من المادة الفعالة ثم تلاحظ ويسجل عدد الوفيات في خلال فترة زمنية وذلك بالنسبة لإجمالي العدد. ثم يتم حساب الجرعة التي تسببت في وفاة 50% من الفئران. وعليها يتم تحديد الجرعة التي سوف تستخدم في التجارب التالية وهي عشر (1/10) من الجرعة النصف مميتة.
- إثبات التأثير البيولوجي للمادة الفعالة مقارنة بالمستخلص الخام: وفي هذه التجربة يتم حقن مجموعة من الفئران بالجرعة التي تم تحديدها من المادة الفعالة مقارنة بمجموعة أخرى تعالج بالمستخلص الخام بجرعة تحتوي على نفس تركيز المادة الفعالة. وتعالج مجموعة ثالثة بعلاج معروف له تأثيره البيولوجي المراد إثباته للمادة الفعالة. وتبقي مجموعة رابعة تسمى الضابطة بلا علاج. وعلى حسب الخصائص المتوقعة للمادة الفعالة يتم استخدام نموذج معملي للمرض في الفئران تحت المعالجة وذلك حسب رؤية الباحث وحسب الدراسات المتعلقة وحسب طبيعة المواد الفعالة. وهناك العديد من النماذج المعملية المتعارف عليها مثل الورم والأمراض ذاتية المناعة والتليف الكبدي والرئوي والإلتهاب بأنواعه شاملا الكبد والقولون. ونموذج مرض السكر وتصلب الشرايين والعدوى بالبكتيريا والفيروسات والفطريات والديدان بأنواعها والعديد من النماذج المعملية الأخرى.
- تحديد آلية التأثير البيولوجي للمواد الفعالة : بعد التأكد من وجود تأثير بيولوجي للمادة الفعالة من خلال قراءات عامة ومتخصصة للمرض ذاته يجب دراسة الآلية وراء هذا التأثير على المستوى الخلوي والجزيئي. فعلى المستوى الخلوي ممكن دراسة التغيرات النسيجية والوظيفية التي حدثت بالخلايا المسئولة عن المرض. وعلى المستوى الجزيئي من الممكن فصل البروتين والأحماض النووية بأنواعها من الخلية أو من البلازما ثم دراسة مستويات التعبير الجيني والبروتيني. وتستخدم نفس التقنيات التي تم ذكرها أعلاه في الجزء الخاص بالمرحلة الأولى في زراعة الخلايا. كذلك ممكن فصل الخلايا من الفئران وزراعتها تحت ظروف معينة لدراسة وظائفها وهو التكنيك المسمي EX VIVO.
- دراسة التأثيرات الجانبية للمادة الفعالة : بعد تحديد كيفية التأثير البيولوجي للمادة الفعالة على المستوى الخلوي والجزيئي عند جرعة محددة وفترة زمنية محددة ، لابد من تقييم ما إذا كان هناك آثار جانبية لهذه الجرعة وتحت نفس الظروف من الوقت. وفي هذه التجربة يقتصر العلاج على المادة الفعالة فقط والمجموعة الضابطة التي لم تعالج مع امكانية إضافة مجموعة أخرى للدواء المستخدم في علاج المرض. وهنا يتم تقييم جميع القياسات المتعلقة بالآثار الجانبية مثل تركيب ووظائف الكبد والكلية والقلب والأمعاء والبنكرياس والمخ والتنفس والمناعة والكروموسومات وغيرها وذلك بإستخدام التقنيات المتعارف عليها. وفي معظم الحالات يتم اجراء هذه القياسات في معامل معتمدة لهذا الغرض والتي قد تستخدم أكثر من نوع من الحيوانات في حالته العادية أي بدون أن يكون حاملاً للورم ولكن أيضاً دراسته على الأعمار المختلفة وكذلك الحمل.
وبالطبع إجراء أي تجارب على الفئران أيا كان نوعها يتطلب الحصول على موافقة كتابية من لجنة أخلاقيات البحث العلمي من المؤسسة البحثية التي سوف تجرى فيها هذه الأبحاث السريرية وذلك بعد تقديم بروتوكول العمل على حيوانات التجارب وكيفية التعامل معها وحقنها وموتها وتشريحها وإحداث المرض فيها وكيفية متابعة المرض وغيرها من الأمور التي يجب أن تكون معلومة للجنة أخلاقيات البحث العلمي.
هذه هي التجارب الثلاث الكبرى التي لابد من إجرائها على فئران التجارب واحدة تلو الأخرى للوصول إلى نتيجة نهائية عن ما إذا كانت المادة لها التأثير البيولوجي المطلوب عند جرعة ما وكذلك آلية هذا التأثير وما إذا كان هذا التأثير مصحوباً بأية آثار جانبية. وبهذا يقرر الباحث ما إذا كان سوف ينتقل إلى المرحلة الثانية وهي الدراسات السريرية.
ويستطيع أي باحث تدرب على البحث العلمي على أيدي متخصصين وفي معاهد علمية معروفة أن يجري الأبحاث القبل سريرية سواء كان طبيباً أم صيدلانياً أو كيميائياً أو بيولوجياً وغيرها من التخصصات العملية شريطة التدرب المسبق على قواعد وأصول البحث العلمي وأخلاقياته ومتطلباته شاملة التفكير العلمي كيفية عرض النتائج العلمية وكيفية تسجيلها في نوتة المعمل وغيرها من الأمور المهمة والمتعلقة بالعمل في مجال البحث العلمي.
ثانياً: الدراسات السريرية CLINICAL STUDIES (TRIALS)
بعد الإنتهاء من الدراسات القبل سريرية والوصول إلى نتيجة واضحة إحصائياً بفروقات معنوية بين المجموعة الضابطة والمجموعات المعالجة لصالح المواد التي تمت المعالجة بها مع عدم وجود آثار جانبية غير مقبولة، يبدأ الباحث ومعه الفريق البحثي في البدء في الدراسات السريرية بالطبع بعد الحصول على الموافقات المطلوبة من لجنة أخلاقيات البحث العلمي للأبحاث السريرية.
وقبل البدء في أي دراسة سريرية يجب أيضاً الحصول على موافقة منظمة الغذاء والدواء FOOD and DRUG ADMINISTRATION (FDA) للحصول على الموافقة على استخدام المادة بصورتها التي توصل إليها الباحثون في المراحل القبل سريرية وذلك بعد تقديم ملف علمي يحتوي على النتائج التي تبين كفاءة العلاج وعدم وجود مضاعفات جانبية وجميع البيانات المسجلة والموثقة لدى الفريق البحثي والمسئول عنها الباحث الرئيسي الذي قدم الملف للمنظمة.
وبعد الدراسة والتقييم الدقيق من علماء تابعين للمنظمة وبعد مقابلة مع الباحث الرئيسي ثلاث مرات على الأقل يتم التصريح بالموافقة على استخدام المادة تحت مسمى "علاج جديد تحت الدراسة" وهو مايسمي: NEW DRUG INVESTIGATION (IND)
وبناء على ذلك تأتي المرحلة الأخيرة من الموافقات الرسمية وهي موافقة وزارة الصحة والتي هي الأخرى لها إجراءات عديدة قد تأخذ الكثير من الوقت.
وتمر الدراسات السريرية بثلاث مراحل أساسية تشمل المرحلة الأولى والمرحلة الثانية والمرحلة الثالثة والمعروفة للوسط العلمي على التوالي كالآتي: PHASE I, PHASE II, and PHASE III
المرحلة الأولي أو PHASE I:
الغرض الأساسي في هذه المرحلة هو تقييم الآثار الجانبية SIDE EFFECTS للمادة الفعالة أو المستخلص الذي تمت الموافقة عليه للتعامل معه كعلاج IND. وفي هذه المرحلة يتم علاج عدد قليل من المرضى أو الأصحاء حسب التأثير البيولوجي للعلاج يتراوح من 10-20 مريض على الأكثر. يتم علاجهم بجرعات متصاعدة ويتوقف العلاج فوراً عند حدوث أي أعراض جانبية غير مقبولة وذلك تحت إشراف الطبيب المعالج. وهنا يتم إجراء كل القياسات المتعلقة بوظائف الجسم بغض النظر عن كفاءة العلاج. وعادة ما تستغرق هذه المرحلة ما لا يزيد عن سنة نظراً لأن عدد المتطوعين قليل والقياسات محددة.
المرحلة الثانية أو PHASE II:
بعد التأكيد على أن العلاج ليس له آثار جانبية في المرحلة الأولى، تبدأ هذه المرحلة على عدد أكبر من المرضي لهدف أساسي هو دراسة الكفاءة العلاجية للجرعة التي لم يحدث معها مضاعفات للمتطوعين. وهنا يتم إجراء كل القياسات المتعلقة بكفاءة العلاج والتي تختلف من مرض إلى آخر. وعادة ما تتطلب هذه الدراسات ما لا يقل عن 100 متطوع. وتمثل هذه المرحلة الأطول في الثلاث مراحل حيث قد تستغرق من 2-5 سنوات. وعلى حسب طبيعة الدراسة هناك أنواع مختلفة من تصميم الدراسات في هذه المرحلة مثل : RANDOMIZED, ONE-ARM, TWO-ARMS
المرحلة الثالثة أو PHASE III:
الهدف الأساسي من هذه الدراسات في هذه المرحلة هو تقييم الكفاءة البيولوجية للعلاج على عينة أكبر من المتطوعين قد تصل في بعض الدراسات إلى أكثر من ألف متطوع لضمان تأثيرها وقد يشمل ذلك أعمار مختلفة الذكور والإناث وذلك حسب طبيعة التأثير البيولوجي للعلاج. ولأن هذه الدراسة مكلفة جداً فعادة لا يمكن إجرائها إلا بدعم مالي من مشروع كبير أو شركة أدوية لها إهتمام بالعلاج الجديد. وقد تستغرق هذه المرحلة من 2-5 سنوات حسب طبيعة الدراسة. وعلى حسب اهتمام المجتمع العلمي بالتأثيرات البيولوجية للعلاج فقد يتم إجراء هذه الدراسة في مراكز بحثية في دول مختلفة تحت غطاء وهدف واحد لضمان ثبات التأثير البيولوجي للعلاج على متطوعين من أقطار مختلفة وتسمي هذه الدراسة MULTI CENTER STUDIES.
المرحلة الرابعة أو PHASE IV:
بعد نجاح المرحلة الثالثة في التأكد من التأثير البيولوجي المتوقع للعلاج على عدد كبير من المتطوعين، تأتي مرحلة تصنيع الدواء هنا على نطاق كبير وذلك من خلال شركة أدوية محددة والتي قامت بشراء حقوق الملكية شاملة الإنتفاع والتسويق وكل ما يتعلق بهذا العلاج الجديد وإعطاءه اسم تجاري. ولذلك فهي مرحلة تسويقية تماما ليست تحت تحكم ومسئولية الباحث الرئيسي وان كان لا تمنع أي دراسات جديدة على العلاج سواء للكشف عن تأثيرات بيولوجية أخرى أو لمزيد من تقييم الآثار الجانبية.
وبهذا يكون تم الإنتهاء من جميع المراحل من البحث إلى التطبيق وهو ما يسمى: DRUG DISCOVERY FROM BENCH TO CLINIC
ومما سبق يتضح أن البحث العلمي ليس هواية بل هو عمل شاق يحتاج ليس فقط إلى تدريب وممارسة في المعمل ولكن أيضا إلى تراكم خبرات وقراءة مستمرة وتفكير منطقي تحليلي خارج الصندوق للمساعدة على فهم النتائج وتحليلها والاستفادة منها مع المثابرة والصبر على التحديات .
Mohamed.labib@science.tanta.edu.eg : البريد الالكتروني للكاتب