المرأة والعلوم: أية علاقة ؟
الكاتب : الصغير الغربي
الكاتب : د.مي رمزي الارناؤوط
طبيبة وباحثة اكاديمية مستقلة اخصائية في السرطانيات والطب العام
06:17 مساءً
04, يونيو 2015
الكاتبة اكاديمية مستقلة تماما بدون اي ارتباط وظيفي او توجه سياسي وبدون اي تمويل مالي لاغراض هذه الدراسة التي يقصد به الامانة العلمية في توثيق الحقائق والمصلحة العامة كمبدأ.
الاعراض المرضية الموثقة بسبب القصف وخلفيتها المرضية الوظيفية Pathophysiological Backgrounds
من الهفوات الشائعة عند تقييم الاضراروالمضاعفات الصحية لحروب الخليج 1991 ـ 2004 هو ارجاع كل مسبباتها الى استعمال اليورانيوم المنضب فقط ومن ثم التركيز المباشر على الامراض السرطانية التي تعزى فعلا الى هذا العامل المشع بحيث يصبح تفسير الظواهر المرضية الاخرى اقل وضوحا. ولهذه الاسباب وبعد تجمع المعلومات والدلائل العلمية والطبية الاضافية منذ ذلك الحين ولحد يومنا هذا فقد اصبح من الضروري اعادة النظرفي الادلة الطبية والتفسيرات العلمية للظواهرالمرضية التي تلت تلك الحروب وبضمنها السرطان. ونعني بالظواهرالمرضية هنا هي الاعراض التي ظهرت فجأة في المدنيين ولاسيما العراق وفي العسكريين الذين شاركوا في العمليات وسجلوا تعرضهم للمواد الكيمياوية اولاشعاع اليورانيوم في اسلحتهم والتي لا تزال غير واضحة التفسير. وتشمل هذه المشاكل الصحية مايلي:
ومع وضوح الرؤية لماهية تلك الاعراض المرضية وارجاعها الى الاسس الخلوية للامراض سنتمكن بصورة عامة من تحديد سببين اساسيين لحدوثها وهما :
التعرض لاشعاع اليورانيوم كسبب مباشر للتلف الوراثي (الجيني)
ان التعرض للاشعاع الذري في اليورانيوم المنضب وبالذات اشعة (كاما)المؤينة للمركبات الخلوية هو سبب رئيسي ومباشرلتلف المورثات وظهورالاعراض المرضية اعلاه والتي تنوء المنطقة كلها تحت عنوتها منذ عام 1991 ولحد يومنا هذا . لقد كانت احصائيات حالات السرطان المسجلة رسميا في العراق قبل عام 1991 مشابهة لباقي الدول العربية (4). اما بعدعام 1991 فقد ازدادت حالات السرطان المسجلة رسميا في العراق والبصرة بصورة خاصة بوضوح (12,3).وشملت هذه الحالات سرطانات الدم الابيض (اللوكيميا) والجهاز اللمفاوي والرئة وسرطانات الثدي في النساء خاصة وذلك اضافة الى سرطان المثانة الذي كان على رأس القائمة في العراق والشرق الاوسط دائما (2). كما ان الملاحظ هو ان تلك الحالات السرطانية تميزت بشدتها وشراستها وسرعة ظهورها نسبيا مقارنة بماهو متوقع من خصائص المرض وبطء نمو العملية السرطانية ومرورسنين طويلة تقدر بالعشرات عادة منذ اكتمال التحول السرطاني في نواة الخلية الى نمو الورم وحتى وصوله الى حجم يمكن معه للتقنيات المتوفرة تشخيصه ومن ثم ظهوره للعيان.
وللتوضيح فان تحول الخلايا الطبيعية الى متسرطنة هي عملية معقدة تتضمن ثلاث مراحل قد تطول او تقصر وقد تتصادف مع بعضها في وقت واحد في مجموعات مختلفة من خلايا النسيج الواحد حسب الظروف الا وهي : الابتداء initiation والتحفيز promotion والتقدم او التطور progression. وتحدث في كل من هذه المراحل طفرات وراثية متعاقبة ومتجمعة في المادة الوراثية لنواة الخلية تتسبب عادة عن التعرض لعامل ذوخاصية مسرطنة شديدة اوبتراكيزعالية. ويسبب التعرض المستمراوالمتعاقب للعوامل المسرطنة الاسراع في تكوين الورم السرطاني وزيادة خصائصه الشرسةtumor aggressivenes . كما ان وجود اكثر من عامل مسرطن اوتصادف وجودعوامل اخرى هي بحد ذاتها غير مسرطنة ولكنها تحفزاوتساعدعلى هذه التغيرات الخلوية يسرع من عملية التسرطن وظهورالاورام السرطانية. وتلعب العوامل البيئية والفردية (كالجوع والمرض وضعف المناعة) دورها في هذه العملية ايضا.
وكما ورد في شهادة اختصاصية مفصلة الى لجنة الدفاع في البرلمان البلجيكي في 20-11-2006 حول كيفية تسبيب اشعاع اليورانيوم المنضب للتلف الوراثي تضمنت هذه التأثيرات تخديش الاجسام الصبغية (الكروموسومات) كجزء من مرحلة الابتداء initiationفي عملية التسرطن واكسدة الحامض النووي دي.أن.أي DNA مما يسبب تلفه وقطع خيوطه وتلف المورثات واختلال توازن صفوفها على الخيط النووي فتنتقل هذه من اماكنها الطبيعية الى اخرى اوما يعرف بالطفرة الوراثية فيختل التركيب الوراثي للخلية وتباعا المسارات الكيمياوية التي تلعب دورا في عملية التعبير الوراثي عند انقسام الخلية (6).
ومن الجدير بالذكرهوان تأين هلام الخلايا والمادة الوراثية المتعرضة لاشعاع اليورانيوم هو حالة دائمة لا تزول من الجسم حتى موته. اما في البيئة والمياه الملوثة والتربة فتتحلل هذه الاشعاعات تبعا للتاريخ الطبيعي للفعالية الاشعاعية والذي يقدر نصف عمره (اي الوقت اللازم لفقدان نصف فعاليته الطبيعية) في اليورانيوم المنضب ب 4,5 بليون سنة. وفي عام 2003 قصفت معظم انحاء العراق مرة ثانية باليورانيوم المنضب ومواد كيمياوية اخرى وشملت العمليات هذه المرة المناطق المأهولة بالسكان. وكما كان متوقعا فقد امتلأت المؤسسات الصحية في كل انحاء العراق بحالات السرطان والاجهاض المبكر والاجنة المشوهة .كما تعرضت مدينة الفلوجة في الوسط عام 2004 الى اسلحة الفسفورالابيض (WP) (11) والذي استعمل بتراكيز قدرت ب 1870 مرة على الاقل اعلى مما هو مسموح به للاستعمالات العسكرية غير القتالية كتركيزاقصى( 0.1ملغم للمتر المكعب من الجسم) (5,21). وتلى ذلك وبال من التشوهات الجنينية لايزال مستمرا لحد يومنا هذا (20) .
ومن الملاحظ الان وبعد مروراكثرمن جيل كامل على تعرض المنطقة للاشعاع ان نسبة ظهور الاورام السرطانية لا تزال مرتفعة ولكن عملية التسرطن تحولت من الطورالحاد الى الاطوارالمزمنة وامتدت من مرحلة التعرض المباشر وشبه المباشر (عن طريق البيئة الملوثة مباشرة) لتشمل ايضا وراثة التلف الجيني من جيل الى جيل. فقد ثبت علميا انه اضافة الى التاثيرات المباشرة للاشعاع على الخلايا المتعرضة فان التأينات الخلوية يمكنها ان تتسرب بطرق ومسارات كيمياوية الى الخلايا المجاورة (وذلك عن طريق ارسال اشارات التلف واستقبالها مابين خلية واخرى). كما ثبت ايضا بعد تلف الخلايا ان المسارات الكيمياوية اللاطبيعية يمكنها ان تنتقل الى خلايا اخرى طبيعية في مناطق بعيدة من الجسم لم تتعرض للاشعاع او ماسمي ب (التأثير العابر للاشعاع bijstander effect ). والاهم من هذا كله هو ان المادة الوراثية التالفة في الخلايا المتأينة للمتعرضين بالاشعاع يمكن ان تورث بين الاجيال اذا ما وصلت الى الخلايا الجرثومية باي شكل من الاشكال (.(14
التعرض للفسفورالابيض والتفاعلات المافوق او ماحول وراثية (الابيجينية) Epigenetic Reactions كسبب للتلف الجيني
لم يكن دورالنظام المافوق وراثي واضحا تماما حتى عام 2009 حين تبلوركنتيجة مباشرة لفك الشفرة الوراثية للجينوم البشري عام 2003 وتطور تقنيات الاحياء الجزيئية. ويقصد بالنظام المافوق او ماحول الوراثي هوالتفاعلات الكيمياوية التي تؤثرعلى المادة الوراثية في الحامض النووي الدي اوكسي رايبوزي (دي.ان.اي.) وتعبيرها ووظائفها بدون ان تتغيرالمورثات نفسها. ويوصف مجموع هذه التفاعلات على خيطي الدي.ان.أي. (بالابيجينوم). تحدث هذه التفاعلات بسبب وجود عوامل محفزة (ابيجينات) خارج الخلية اما في الجسم (كالهورمونات او وجود مواد كيمياوية في الدم مثلا)اوخارج الجسم (كالتلوث البيئي بالسموم مثلا). وتوجد بالاصل كنوع من التطورالايجابي فقد وجد بانها هي المسؤولة مثلاعن التغايرات الطبيعية في خلايا الجسم برغم وجود نفس التركيب الوراثي فيها وكذلك عن قابلية الجسم للتأقلم على الظروف المتغيرة حوله طبيعية كانت ام غيرطبيعية كالجوع مثلا. وتعرف (الصفة الابيجينية) بانها الصفة المكتسبة الثابتة التوارث والناتجة عن تغيرات في الاجسام الصبغية بدون ان يتغيرترتيب قواعد الدي.أن.أي.(8) .
تشمل التفاعلات الكيمياوية الابيجينية جذور المثيل والاسيتيل والفوسفوريل واليوبيكويتين والسومو SUMOylation واخرى لامجال لذكرها بعضها لايزال قيد البحث (16). تؤثرهذه التفاعلات على التعبيرالوراثي وبالتالي على نوع عمليةالايض ومنتجاتها في الخلية نفسها وبالتالي وظائفها. وقد يكون التفاعل (تصميتي) اذا ما ربطت اصرته الكيمياوية مابين خيطي الدي.ان.اي. (عادة على قاعدتي السايتوسين والكوانين) بحيث يتعطل المورث المشمول عن العمل تماما. وقد يكون تصميتيا او تحفيزيا اذا حدث التفاعل بتحوير زلال الهستون الذي يلتف ماحول ومابين خيطي الدي.ان.اي. ليحويهما مكونا هيكل الجسم الصبغي .وكذلك يمكن للتفاعلات الابيجينية ان تحور مركبات الايض في الخلية بتأثيرها على الحوامض الرايبوزية RNA التي تلعب ادوارا مهمة في عمليات التعبير الوراثي والايض (17,10). تؤدي التفاعلات الماحول وراثية الى ظهورمتلازمات التشوهات الولادية وخاصة في الجهازالعصبي والعظام ونمو الرأس والاصابع وكذلك الاعضاء التناسلية (خاصة عندما يكون التلف الابيجيني متوارثا عبرالكروموسوم الانثوي X- linked) اضافة الى التخلف العقلي وتشوهات جسمية اخرى في النمو. ونذكرعلى سبيل المثال متلازمة قصرالاصابع والتأخر العقلي ( BDMR syndrome) ومتلازمة ويفر ( Weaver syndrome) ا لتي تصاحبها بعض انواع سرطان الدم و كذلك بعض المتلازمات الشاملة لانواع معينة من الالفا ثالاسيميا (نوع من فقر الدم المسبب عن زلال غير طبيعي في كريات الدم الحمراء) (7).
وتكون نصف الطفرات الوراثية المسببة عن التفاعلات الابيجينية وراثية عن طريق الكروموسومات الجسمية اوالجنسية وذلك بانتقالها من خلايا الام الى خلايا الجنين ثم الى الخلايا الجرثومية الجنينية (المكونة للحيامن والبويضات فيما بعد) ويسمى هذا النصف المتوارث ب (طبعات الوالدين Parental imprinting).اماالنصف الاخر فيمحى مرة اثناء انقسام البويضة المخصبة مباشرة بعد الاخصاب.ومرة اخرى عندما تتكون الخلايا الجرثومية في الاعضاء التناسلية للجنين. ويتم ذلك بعكس التفاعل الابيجيني وازالة الجذر الكيمياوي من المادة الوراثية. وبهذه العملية تعاد برمجة الخلية وخلق اماكن شاغرة في المادة الوراثية لتفاعلات ابيجينية جديدة متعلقة بحياة الطفل بعد ولادته (18). ومن المعتقد (وهذه النظرية تطرح لاول مرة على هذا الموقع) بان الكثيرمن التشوهات الولادية التي تحدث في الفلوجة تعود في الحقيقة الى متلازمات ماحول وراثية مسببة عن تفاعلات فوسفاتية phosphorylation او مثيلية methylation اوجذور كيمياوية اخرى مع مكونات المادة الوراثية. ولكن فقدان البحوث العلمية والسريرية الصحيحة في هذا المجال يعني فقدان ثروة علمية تم في الحقيقة توثيق بعضها بالصور(20) والمطلوب بعد هذا هو البدء باجراء البحوث اللازمة عليها وفق النظريات الصحيحة وفي الاتجاهات العلمية والسريرية المطلوبة.
مصادرهذا الجزء
البريد الالكتروني للكاتب: drmayramzey@yahoo.com
الكلمات المفتاحية