مجلة أجسر – مجلة عربية محكمة في مجال العلوم – زورو موقعنا

NULL

علاقة أبحاث العلوم الأساسية بالتنمية المستدامة

الكاتب

الكاتب : أ. د. زكي بن شاكر صديقي

وكيل كلية العلوم التطبيقية للبحث العلمي و الدراسات العليا بجامعة أم القرى

الوقت

06:26 صباحًا

تاريخ النشر

03, أبريل 2012

من أين أتت فكرة محرك البحث الأشهر Google؟

جاءت من أبحاث دعمها المجلس الوطني للعلوم بالولايات المتحدة. و من يغذي بالطاقة هاتف الآيفون الخاص بك؟ انها بطارية الليثيوم التي أُنتجت من أبحاث علمية ممولة حكومياً في جامعة تكساس– اوستن في ثمانينات القرن الماضي.  كما لا ننسى أيضاً رقائق الهاتف، فهي قد انتجت من أبحاث العلوم الأساسية و التي حولّت الرمل إلى مواد شبه موصلة تصنع منها هذه الرقاقة المتناهية الصغر.  و لا تنسى أيضاً جسم الهاتف فهو إما مصنوع من معدن اكتشفه علماء العلوم الأساسية أو مصنوع من بلاستيك أنتجه هؤلاء العلماء من غاز البترول !

هل تكفي – أيها القارئ الكريم – هذه الأمثلة لاثبات علاقة أبحاث العلوم الاساسية بالتنمية؟ أياً كانت إجابتك فإنني انصح في الاستمرار في قراءة هذه المقالة. مع بداية خمسينات القرن الماضي بدأ الاقتصاديون بدمج العلوم الأساسية و التقنية في نماذجهم الاقتصادية بغرض دراسة تأثير العلوم الأساسية و التقنية على النمو الاقتصادي و الانتاجية.  لكن الطريقة الأبرز قام بتطويرها في العام 1957 العالِم Robert Solow الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد.  وعندما سئل هذا العالم عن نسبة تأثير ابحاث العلوم الأساسية على الاقتصاد الأمريكي في الفترة من 1909 – 1949 م، أجاب بكل حزم ان النسبة تتجاوز 80%.

كما  أسهمت الدراسات الاقتصادية اللاحقة في تطوير نموذج Solow ، و ذلك من خلال ربطها للعائد من الاستثمار (ROI) بالابحاث العلمية و التطويرية R&D. وفي العام 1991م اثبت العالم المرموق Mansfield  ان غالبية الشركات لم تكن لتطور منتجات او عمليات انتاجية فعالة لولا الأبحاث العلمية.

ومع الثمانينات ظهر ما يعرف بالنظرية الجديدة للنمو الاقتصادي، و التي أوضحت ان 60% من الفوارق الاقتصادية بين الدول المتقدمة و الدول النامية ناتجة من الاستثمار في العلوم الاساسية و التقنية. و من نتائج هذه النظرية أيضاً ان الاقتصاد العالمي سيجني عائدات اقتصادية عالية و طويلة المدى إن استثمر في الأبحاث العلمية و التطويرية أكثر مما سيكسبه نتيجة الاستثمار في مجالات كسوق الاسهم و العقار، بل على العكس سيدفع العالم ثمناً غالياً ان اهمل الاقتصاد المبني على العلوم و التقنية.

بعد 4 سنوات من الأزمات الاقتصادية الخانقة التي يعيشها العالم اليوم لا يحتاج مثل هذا الرأي الى كثير جهد لدعمه، فالعالم يدفع ثمن هذا الخلل المبني على الجشع و الرغبة في الأرباح السريعة، و الذي أدى الى اهمال المسؤولية الاجتماعية و إلحاق الضرر بالبيئة.

ومع بداية الألفية الجديدة، بدأت نظرة جديدة لتأثير العلوم الأساسية على مختلف المناحي الانسانية، وليس فقط على الاقتصاد من خلال الناتج المحلي الاجمالي GDP ، وخلق ملايين الوظائف الجديدة، فقد اوجدت العلوم الاساسية معرفة عميقة بالكون والقوانين التي تحكمه، كما أدّت إلى تطوير العديد من التقنيات التي غيرت طبيعة العلاقات الانسانية سلباً و ايجاباً، كما اثرت العلوم على قيم البشر ومواقفهم الذهنية Attitudes.

وهناك تأثير للعلوم على الأنظمة والتشريعات، كما اثرت على المؤسسات و طرق التخطيط بداخلها وعمليات اخرى مثل اتخاذ القرار و حل المشاكل، وهناك بالطبع تأثير هائل للعلوم على صحة البشر و الأنظمة الصحية.  كما أن العلوم الأساسية أثّرت بشكل واضح على ثقافة المجتمع، فلا يدخل رأي العلم في موقف ما الّا وحسمه، فالغالبية العظمى من الناس تؤمن بحيادية و مصداقية العلم.  طبعاً سوء استخدام بعض النتائج العلمية قد أثر على البيئة سلباً، ولكن العلم ايضاً يملك مفاتيح الحل للمشاكل البيئية المختلفة.

وبالنظر الى ما يمتلكه بلدنا الغالي من نعمة حباه الله بها و المتمثلة في النفط، فذلك يتطلب أن يتم تأسيس البحث العلمي بطريقة صحيحة نحو استغلال الفوائض المالية للاستعداد لمرحلة ما بعد النفط. و في هذا الشأن يلحظ المراقب أمراً عجيباً جداً لدينا.  فبينما ينفق القطاع الخاص الصناعي بالولايات المتحدة 400 بليون دولار سنوياً على الابحاث والتطوير R&D (اكثر بثلاث مرات من انفاق الحكومة الأمريكية)، نجد ان الذي يدعم الأبحاث لدينا هي الحكومة وحدها.كيف يمكن ان تفهم هذه الظاهرة؟ لماذا يحجم رجال الاعمال لدينا في دعم أبحاث التطوير؟  هذا سؤال يصعب الاجابة عليه.

الاستثمار الصحيح في العلوم الأساسية و المبني على رؤية و نظرة شمولية يمهد لحل كثير من الأمور التي تعيق التنمية، فأبحاث الخلايا الجذعية تفتح الأبواب لعلاج أمراض مثل الزهايمر و الشلل. و أبحاث النانو تمهد لانتاج خلايا شمسية فائقة الفعالية.

آمل ان أكون قد نجحت في لفت نظر الشركات و رجال الأعمال لأهمية الاستثمار في مجالات الابحاث و التطوير فكلمة السر هنا هي: R&D.

سلسلة " مقالات العلوم والتنمية "

في هذه السلسلة من المقالات، تم استكتاب العديد من اساتذة الجامعات السعودية للكتابة عن دور العلوم الاساسية في التنمية ضمن الانشطة الاعلامية الممهدة للمؤتمر السعودي الخامس للعلوم. وهو مؤتمر عالمي سيعقد في الفترة 24-26 جمادى الاولى 1433هـ في رحاب جامعة ام القرى الغراء برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله.  اشرف على الإستكتتاب رئيس اللجنة الإعلامية بالمؤتمر

أ.د. زكي بن شاكر صديقي.

 

الزوار الكرام: يسعدنا مشاركتكم وتواصلكم حول هذا المقال

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

license
0 التعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
guest

شبكاتنا الاجتماعية

  • facebok
  • twitter
  • Instagram
  • Telegram
  • Youtube
  • Sound Cloud

يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

icons
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x