مجلة أجسر – مجلة عربية محكمة في مجال العلوم – زورو موقعنا

رياح الربيع تهبّ على العلوم

الكاتب

الكاتب : محمد عارف

مستشار في العلوم والتكنولوجيا

الوقت

12:57 صباحًا

تاريخ النشر

13, مايو 2012

كم تغيّرت الحكمة خلال عقود قليلة منذ قال الأكاديمي البريطاني رايموند وليامز، إن "بعض الأجيال تُصلح أفكارَها وأجيالُ أخرى تُصلح مجتمعاتها"! الآن، على الأجيال الجديدة أن تُصلح الاثنين معاً، أفكارها ومجتمعاتها، وهذا سحر رياح الربيع التي تهب على العلوم والعلماء ومؤسسات البحث والجامعات في آنٍ واحدٍ. آلاف الأكاديميين، وبينهم عرب من جامعات عالمية وعربية، أعلنوا الثورة على ما يعتبر الهيكل المقدس للعلوم، وهي دور النشر العالمية التي تنشر معظم بحوث الأكاديميين الذين ينتجون أكثر من مليون ونصف المليون بحث سنوياً.

وإذا كان النشر في هذه المجلات شهادة على جدارة الأكاديميين فهي شهادة على عدم جدارة هذه المجلات التي تبعث البحوث عادة لأكاديميين آخرين يقررون صلاحيتها للنشر، ومحررين يعدونها للنشر. وعلى خلاف الأدباء لا يتقاضى العلماء مبالغ عن أبحاثهم المنشورة، بل يدفع معظمهم أجور تقويمها وتحريرها ونشرها، والتي تبلغ مئات، وأحياناً آلاف الدولارات، لا ينال منها شيئاً أكاديميون يُقيمون المقالات تطوعاً.

وتصدر ثلاثة دور نشر علمية كبرى، هي "ألسيفر" و"سبرنغر" و"وِلي"، معظم مجلات البحث العلمي ويبلغ عددها 20 ألف مجلة تنشر 42 في المئة من مجموع البحوث المنشورة عالمياً. ويكلف الاشتراك السنوي في كل مجلة ما يقرب من 20 ألف دولار، ويفرض بعضها الاشتراك برزمة مجلات، قد تكلف مليون دولار سنوياً، وتنفق بريطانيا على الاشتراكات نحو 250 مليون دولار سنوياً، ويشكل هذا 10 في المئة من مجموع الإنفاق العام على البحث العلمي في بريطانيا، والذي يتجاوز ثلاثة مليارات دولار سنوياً.

وكالربيع العربي الذي أطلقه أفراد متمردون، أطلق ربيع العلوم علماء تمردوا على أنظمة النشر العلمي و طالبوا بإسقاطها. شرارة الثورة أطلقها إعلان "تيموثي غاورز" أستاذ الرياضيات في جامعة "كيمبردج"، مقاطعةَ "ألسيفر" التي تعتبر أكبر دور نشر البحث العلمي. و فوجئ غاورز الحائز وسام "فيلدز" المعادل لجائزة "نوبل"، بآلاف رسائل التأييد بعثها باحثون و أكاديميون انضموا إلى حملة مقاطعة مجلات مغلقة لا تضع موادها مجاناً للمجتمع العلمي وللجمهور العام. وأثار الأكاديميون ليس موضوع النشر العلمي فقط، بل أيضاً "كلفة المعرفة" حسب عنوان موقع الحركة على الإنترنت.

وكلفة المعرفة ليست الكلفة الباهظة للاشتراكات، بل كلفة قضائها على حرية استخدام البحوث التي تُحاطُ بجدران "حقوق النشر و الاستخدام"، وتحول دون توالد الاكتشافات عن البحوث المنشورة، و تعزلها عن الجمهور العام، وصناع القرار، و واضعي الموازنات العامة. لكنّ أخطر عواقبها يكمن في تعطيل البرمجيات التي تنقب في قاعدة معطيات نصوص البحث العلمي، و تقتنص العلاقات أو الروابط بين العقاقير و الأعراض الجانبية، و بين الجينات و الأمراض، و التي لا يمكن للباحث الانتباه إليها من خلال مراجعة كل بحث. و قد وجدت "الوكالة البريطانية لتقييم (رقمنة) البحث العلمي في الجامعات"، أن التنقيب في النصوص يوفر في حال تحقيق زيادة 2 في المئة فقط في إنتاجية البحث أكثر من 170 مليون دولار في وقت العمل سنوياً، وتحتاج هذه العملية إلى توفير نصوص البحوث و مسحها و نسخها و تحليلها. و يعتبر هذا مخالفاً لقوانين حقوق النشر.

والربيع العربي في هذه الثورة ليس بالكنية فقط، فبيان الحملة لمقاطعة دور النشر التي تمنع العلم عن الجمهور، وقعه أكثر من 11 ألف أكاديمي، بينهم باحثون عرب من جامعات عالمية و عربية أعلنوا أنهم لن ينشروا في هذه المجلات، و يرفضون دعوتها لمراجعة أو تحرير البحوث. بين الموقعين محمد الشمراني من جامعة "مَجْيل" في كندا، ومصطفى الأنكرلي من جامعة "جونز هوبكنر" بالولايات المتحدة، و وليد أحمد من "كلية البايولوجيا" في "جامعة كولون" بألمانيا، و عبد الإله العباسي من "جامعة نبراسكا" بالولايات المتحدة، ومحمد مجيد الرفاعي من "جامعة غولدسميث" بلندن، و حسن متين من "معهد بيركلي للأبحاث"، و علي عباس من قسم علوم الكومبيوتر في "كلية الأعمال" بجامعة "متروبوليتان" في مانشستر، و سامر عبدالله من "كلية الهندسة والتكنولوجيا" في جامعة "كوينز ميري" بلندن. و أردف خالد الأنصاري الباحث في "خدمات الصحة العامة" في بريطانيا توقيعه بعبارة مجنحة تقول: "المعرفة للجميع و ليس للبيع".

وذكر عمار عزيز من "اتحاد معاهد البحث" في جامعات كوينزلاند بأستراليا، أن "العلم يقوم على أساس المشاركة في المعرفة، و البحوث و المحاولات المخفقة، و أن المستقبل للمقاربة المفتوحة". و استشهد غسان عبد من "جامعة بوتسدام" بألمانيا بعبارة مأثورة لفيلسوف وعالم الرياضيات الفرنسي باسكال: "ينبغي أن يتماشى العدل و السلطة، بحيث يصبح كل ما هو عادل قوياً، و كل قوي عادلاً". و اعتبر زكي الناصر من "معهد جورجيا للتكنولوجيا" منع نشر المعلومات، خصوصاً في البحث، "خطوة إلى الخلف عن المجتمع المفتوح"، و قال إن "السماح للشركات الخاصة بتحقيق أرباح من بحوث يموّلها دافعو الضرائب أمر شنيع".

والربيع العربي عربي حتى داخل الجدران الأكاديمية العربية، حيث وقع على البيان منصور عبدالله من "الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب" في الكويت، و سلام محادين من "الجامعة الأميركية" في مأدبة بالأردن، و ممدوح أحمد أستاذ الفيزياء في جامعة "قناة السويس" الذي دعا إلى إنشاء بوابة إنترنت خاصة لنشر الأبحاث العلمية. و ذكر حيدر علي من "كلية ينبع الصناعية" بالسعودية أن "المجلات تطلب مبالغ هائلة للنشر، و لا تنال كلية صغيرة مقابلها سوى مردود ضئيل"، و دعا إلى "رصد الكلفة العالية للمعرفة المتحصلة، ليس من بلدان متقدمة فقط، بل غير متقدمة أيضاً".

والمفارقة أن تحظى حملة مقاطعة هذه المجلات، التي يعتبر النشر فيها من أبرز عوامل تصنيف الجامعات عالمياً، بتأييد عبد العزيز الريفي من كلية الآداب في "جامعة الملك سعود" بالرياض، و محمد الحاوي من كلية "البايولوجيا" في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، و كلتا الجامعتين متهمة بتقديم رشى لباحثين غربيين تبلغ عشرات الآلاف من الدولارات لقاء إدراج اسميهما كمساهمتين في بحوث منشورة بهذه المجلات.

وعندما يكون رائد الثورة تيموثي غاورز، أحد أبرز علماء الرياضيات الأحياء، فالثورة في أوّلها. ذلك لأن عالم الرياضيات "يفخر بأنه غير ذي نفع تماماً، لكنه يظهر عادة أكثر نفعاً من الكل. فهو يجد الحل، لكنه غير مهتم بمعرفة ما المشكلة. و سيعثر أحدهم إن عاجلاً أو آجلاً على المشكلة التي يقدم الحل جوابها". يقول ذلك عالم الفيزياء و المفكر العلمي الإيرلندي جون برنال، الذي يعتقد أن "الرأسمالية إذا كانت قد ابتنت العلوم كقوة إنتاج، فإن الطابع الخاص بهذا النمط الجديد من الإنتاج هو أن يجعل الرأسمالية نفسها غير ضرورية". هل هذه هي المشكلة التي عثر عالم الرياضيات على حلها؟

الكلمات المفتاحية

الزوار الكرام: يسعدنا مشاركتكم وتواصلكم حول هذا المقال

الكلمات المفتاحية

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

license
0 التعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
guest

شبكاتنا الاجتماعية

  • facebok
  • twitter
  • Instagram
  • Telegram
  • Youtube
  • Sound Cloud

يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

icons
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x