يوم 20-22 يونيو/ حزيران 2012 ، ستعقد قمة الأرض في العاصمة البرازيلية ريو دي جانيرو، وستركز هذا العام على التنمية المستدامة والاقتصاد الأخضر. هذه القمة تأتي بعد عشرين سنة من انطلاق سلسلة قمم الأرض في عام 1992.
سيجتمع قادة العالم و المهتمين و الشركات و البرامج العالمية و الإعلام، و لكلٍ منهم أهدافه، و سيلقي كل وفد كلماته، و سينفضّ الجمع و تعود وفودنا العربية إلى ديارها بالسلامة إن شاء الله. بعد كل هذه القمم و بعد الكثير من المؤتمرات المماثلة، ماذا جنينا ؟ وماذا تغير لدينا؟
في مثل هذه الأيام من العام الماضي 2011 ، كنا على مشارف مأساة إنسانية و مجاعة ماحقة في الصومال. و هذه الأيام نحن أيضاً على مشارف مأساة إنسانية أخرى في اليمن.
قبل مأساة الصومال كانت هناك دلائل واضحات و تحذيرات من وقوعها و دعوة الى تفاديها، و لكن لم نلتفت و لم نسمع، حتى إذا ما وقعت و مات من مات و تشرد من تشرد و تنادت المنظمات الانسانية العالمية، و دعتنا للمساهمة .. جئنا للإغاثة.
وتعاد جميع الفصول في اليمن.
إن الكوارث الطبيعية مثل الجفاف أو الزلازل أو غيرها قد تضرب أي مكان على وجه الأرض، و من فضل الله علينا في منطقتنا العربية بصورة عامة، لا نعاني كثيراً منها. فعلى سبيل المثال، أين نحن من زلازل اليابان أو أعاصير الولايات المتحدة ؟!
ولكن هشاشة التحمل للكوارث، كهشاشة العظام، فقد تكون سقطة بسيطة نسبياً لمصاب هشاشة العظام يفوق تأثيرها سقطة أكبر بكثير للشخص المعافى ذو " البنية القوية ".
نعم إنها الهشاشة، هى التي نعاني منها في وطننا العربي، و نحتاج لأن نكون أقوياء البنية حتى نتحمل الكوارث و الأزمات. والعلاج ليس مستحيلاً وليس صعباً. إنه ببساطة، الإرادة و العزيمة و الاعتماد على الذات من أجل التنمية المستدامة في أوطاننا.
ليس الحل بكلمات تلقى في مؤتمرات، و لا تصريحات تتناقلها وسائل الإعلام، و لكنه العمل الجاد و المخلص على الأرض.
أليس من العار أن لنا في كل عام مجاعة ؟ لماذا لا نسمع بمجاعة في الهند أو في الصين، مثلاً؟
لقد تجاوز القوم هذا منذ زمن بعيد، منذ أن اتخذوا قراراً بعدم طلب المعونة من الخارج.
أليس من العار أن ننتظر و نستجدي من الآخرين أن يحلوا لنا مشاكلنا و يتصدقوا علينا؟
إننا – بفضل الله – نملك كل مقومات الحياة الكريمة و الآمنة. و معظم هذه المآسي يمكن تجاوزها بتطبيق الحلول العلمية و العملية المناسبة. لدينا من العلماء و المهندسين و الأطباء و ذوي الخبرات و المؤسسات في كل المجالات تقريباً، و نملك المال و الأيدي العاملة، و نملك إرثنا الحضاري و نملك القدرة على التواصل مع العالم أجمع لنتعلم و نستفيد من تجارب البشر في كل مكان.
الأمن بمعناه الواسع، الأمن المائي، الغذائي، الصحي، السياسي، المجتمعي، الاقتصادي، و البيئة السليمة… كلها مرتبطة ببعضها في منظومة متكاملة هي التنمية الشاملة المستدامة، و التي لا تكون إلا بالاعتماد على الذات و الثقة بالنفس و العناية بالثقافة و الخصوصية للأمة و للمجتمع بجميع مكوناته، بالعدل و الشفافية و النزاهة و مكافحة الفساد.
تعاني المنطقة العربية من الجفاف و ندرة المياه، و هي ليست مشكلة الحاضر، بل على مر العصور عانى أسلافنا من هذه المشكلة، و قد تأقلموا و ابتكروا أساليب هندسية رائعة لحل هذه المشكلة.
واليوم، هناك وسائل علمية كثيرة و متنوعة للمحافظة على المياه و تنقيتها و تخزينها و إعادة استخدامها. من تجميع لمياه الأمطار و بناء السدود الصغيرة، و إعادة شحن طبقات المياه الجوفية، إلى استخدام الطاقة الشمسية و الطاقة البديلة في التحلية و التنقية و ضخ المياه. إصلاح شبكات توزيع المياه لمنع الهدر فيها و إعادة تدوير المياه المستعملة. المحافظة على الأنهار و البحار من التلوث و الصيد الجائر.
الغذاء بأنواعه، النباتي، الحيواني و البحري، هناك وسائل و أساليب لا تكاد تحصى في تطوير الزراعة و زيادة المحاصيل و الكفاءة، و تقليل المياه المستخدمة في الري، و استخدام المياه المالحة و شبه المالحة. الزراعة العضوية و المحافظة على الصحة و البيئة، و المحافظة على التربة الزراعية. والحفظ والتخزين والنقل للمنتجات الزراعية ، والصناعات الغذائية.
الثروة الحيوانية و الثروة البحرية والصناعات المتعلقة بها، بدءاً بمنتجات الألبان و الصناعات الغذائية و ليس انهاءاً بالنسيج و صناعاته.
المعادن والبترول والبتروكيماويات، الصناعات الخفيفة و الثقيلة والالكترونيات و الأجهزة. كلها تتطلب أيدي عاملة و توفر وظائف.
البناء وشق الطرق يتطلب شركات استشارات هندسية ومقاولات، وهي جميعاً توفر فرص عمل و توطين للمعرفة والخبرة وتوفير المال للدولة، إذا ما كانت في معظمها بأيدي و عقول وأموال أبناء البلد، وهذا ما نعنيه بقولنا " الاعتماد على الذات". وقد ثبت أن التدريب والتطوير البشري للأيدي العاملة للقيام بعمل معين في مشروع ما هو مفتاح السر ، ولا يكلف كثيراً..
الصومال واليمن، إنّ المساعدة الحقيقية الفاعلة هي في مشاريع لتطوير ممنهج لحفظ و توفير المياه النقية. و تطوير أساليب و كفاءة الأراضي الزراعية، وتطوير صناعة الصيد البحري. إن بعض المشاريع و الأساليب البسيطة و التي قد تبدو بدائية للبعض، و لكنها تناسب البيئة و ظروف الحياة و خاصة في الأماكن النائية، ستكون ذات مردود سريع و مفيد للمزارع أو مربي الماشية أو السمّاك. و خلق شبكات التواصل بينهم و بين مراكز التجارة و الصناعة و التبادل المعرفي سيكون مفيداً بلا شك.
ومرة أخرى،
الحل ليس في المؤتمرات والتصريحات، و ليس في أيديهم، إنه بأيدينا بعون الله وتوفيقه.
بريد الكاتب الإلكتروني : mmr@arsco.org