مجلة أجسر – مجلة عربية محكمة في مجال العلوم – زورو موقعنا

هل الإنترنت آمن؟

الكاتب

الكاتب : أ. د. علي المشاط

منظمة المجتمع العلمي العربي

الوقت

05:54 مساءً

تاريخ النشر

02, مارس 2015

يعتبر الإنترنيت العمود الفقري للحياة الحديثة ولكن أمنه (أمن الإنترنيت) يكتنفه الغموض. وفي هذا المجال من المهم معرفة ان الإنترنيت بطبعه معرض للإختراق بسبب أنه أصلا صمم ولم تكن الناحية الأمنية إحدى اهتماماته. صمم الإنترنيت ليكون وسيلة لتسهيل التعاون البحثي بأقل تعقيد ممكن. ولذلك هو سهل الإستعمال ومستجيب لمطالب المستعمل. إستجابته والمهارة التحليلية اضافة الى الذاكرة وسهولة الربط تطورت وأصبحت غير باهضة الثمن بحيث أصبح بمتناول الجميع خصوصا في استعمال الهواتف الجوالة التي تمتلك امكانية ارسال واستلام المعلومات. بيد أن خصائص الإنترنيت التي تجعل منه أداة ذات منفعة عظيمة هي نفسها التي تجعله معرضا للإنتهاك.

من أولى سمات الضعف في الإنترنيت هي دلالة الشخصية للمخاطِب والمخاطـَب على حد سواء. كما أن غالبية مستعملي الإنترنيت لا يعلمون حقيقة فيما اذا كانوا يستعملون الإنترنيت بأمان أو لا. هذا من جانب ومن الصعوبة بمكان فهم المشاكل الفنية المتعلقة بمنظومات مكوناته سواء المنظومات أو المواد الإلكترونية أو البرمجيات أو الرقاقات أو غيرها من جانب آخر. بكل بساطة، ما أن يتم ربط الحاسوب بالإنترنيت حتى يستطيع (المهاجِم) أن ينفذ الى منظومة (المهاجـَم) بإدخال برمجياته والإستحواذ على مايريده بما يسمى بيوم الصفر (zero-day). وهذا الأسلوب يعتمد عادة من قبل  مهاجمين بإمكانات عالية على أهداف مهمة. أما أكثر الحالات شيوعا فهي أبسط من ذلك بكثير. فلاختراق منظومة أو حاسوب كل ما تريده هو قيام الضحية بالكبس على موقع أو فتح مرفق ما فيتيح ذلك تحميل برمجيات موبوءة  تعين المهاجِم على دخوله وتحقيق أهدافه. ومن الطرق البسيطة الأخرى هي اغراق منظومة الضحية بكميات هائلة من الأوامر التي تطلب معلومات لا معنى لها مما يؤدي اشباع المنظومات ومن ثم تعطل عمل الإنترنت.

الطريقة التي ننظر بها الى الحواسيب والمنظومات هي من حيث مواصفاتها وسعرها متناسين موضوع خصائصها الأمنية. ان مجرد التفكير بأننا يمكن أن نحاسب على عدم استخدامنا للحواسيب بشكل منضبط يولد صدمة لنا. ولكن حينما لا نستخدمه بما يلزم من حيطة وانتباه ونجعله عرضة للإستغلال والإختطاف من قبل الجواسيس والمجرمين والعابثين يجعلنا مشاركين معهم في أعمالهم السيئة وما يتبعها من احتمال تحطيم علاقات وانهيار اقتصاد وحتى أمن قومي. منظومة الإنترنيت تجعل من الموقع الجغرافي لا معنى له. فكل مستعمل معرض لهجوم  سايبيري اينما كان موقعه. وحينما يحصل هجوم يؤثر الشخص أن لا يتكلم عنه لأنه يؤثر سلبا على سمعة عمله. لذلك ينبغي لمن يكون مسؤولا عن سياسة العمل السايبري ان يسن ضوابط للعمل في مثل هذه الحالات مثل ذلك كمثل الحجر الصحي على بعض الأمراض وهنا يجب أن يمنع الذي تعرضت منظومته لفيروسات يمكن انتشارها أن يستمر بالإبحار عبر المحيط السيبيري حماية للمستعملين الآخرين.

وبتفكير شبيه بالحجر الصحي يمكن معاملة مشكلة الإختراقات الفايروسية في الفضاء السايبيري. المشكلة الرئيسية تكمن في أننا لم نتطور بما فيه الكفاية للتعامل مع التطور في الإلكترونيات والإتصالات. خلال الألفية الماضية تكون للإنسان العديد من المهارات للموازنة بين التعرض للخطر والأمان والتمتع بالفوائد المرجوة من كل أمر يقدم عليه. لذلك فإننا مبرمجون لمساعدة الآخرين والثقة بهم. كما إن حواسنا كالعينين والأنف والأذنين تعلمنا بأننا في خطر أو في أمان. وماذا علينا أن نعمل وأين ومتى. أما الآن فما أن ندخل في عالم الأنترنيت فكل مناعات الأنسان المشار اليها تختفي من تفكيرنا وممارساتنا.

ذلك لأن حواسنا تتعطل وكل ما نملكه ونعول عليه هو ما يظهر لنا على الشاشة وما نسمعه من مكبرات صوت صغيرة في الحواسيب. وهذا شبيه على مايبدو بالعالم الخارجي ولكن بشكل خادع. فبالرغم من ثقتنا بما نقوم به على النيت من تسوق وتصفح وبريد واستعمال مواقع التواصل الإجتماعي إلا اننا في الحقيقة بلا حماية وغير متهيئين ومعرضين للصوص النيت والمستغلين والأعداء. لأننا لا نرى من نتعامل معهم، لا نستطيع الحكم عليهم من خلال أصواتهم ونبراتهم ولغة سلوكهم وتعابير وجوههم. ولا نستطيع شمهم أو لمسهم. كل هذا ولكن علينا التعامل معهم. وباستعمال تكنولوجيا لا نفهمها حقيقة. لذلك فإن استعمالنا للحواسيب في تزايد وبنفس الوقت امكانية صد المهاجمين لا يتحسن. فإذا لم يتحسن سلوكنا الحاسوبي وطريقة تفكيرنا سنكون أكثر عرضة للإختراق وفقدان الحرية والصحة والسعادة.

من أهم ما يجب أن ينحو اليه تفكيرنا أن الأمن السايبري ليس بمشكلة فنية. شأنه في ذلك شأن سلامة الطريق فهي ليست مشكلة هندسية. كما أن السلامة البدنية لا تعني بالضرورة إلماما بالطب. المهم أن علينا اعادة النظر في سلوكنا في التعامل مع مخاطر العمل السايبري الحي، سواء كنا أفرادا أو كمؤسسات أو كمجتمعات. هذه مشكلتنا كبشر لا كمكائن.

 

البريد الإلكتروني للكاتب: rafidian@gmail.com

الزوار الكرام: يسعدنا مشاركتكم وتواصلكم حول هذا المقال

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

license
0 التعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
guest

شبكاتنا الاجتماعية

  • facebok
  • twitter
  • Instagram
  • Telegram
  • Youtube
  • Sound Cloud

يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

icons
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x