مما لا شك فيه أن هناك العديد من الصعوبات التي تواجه من يعمل في مجال العلوم من الباحثين والأكاديميين لاختيار المطبوعة أو الدورية العلمية المناسبة لنشر نتائج بحوثهم العلمية، ولهذا اجتهد الباحثون والناشرون لأوعية النشر العلمي في البحث عن وسيلة علمية مرجعية لتقييم المجلات والدوريات العلمية.
من هنا نشأت فكرة "معامل التّأثير"، وهو مقياس لأهميّة المجلات العلميّة المحكّمة ضمن مجال تخصّصها البحثي. ويعكس معامل التّأثير مدى اعتماد الأبحاث العلميّة التي تُنشر حديثاً على عدد المرّات التي يُشار فيها إلى البحوث المنشورة سابقاً في تلك المجلات، واعتمادها مصادر لمعلوماتها، وبذلك تُعدّ المجلة التي تملك معامل تأثير مرتفع من المجلات المهمة في مجال تخصصها.
ظهرت أول فهرسة للاقتباس من المجلات العلمية في عام 1960م بواسطة معهد "يوجين جارفيلد" للمعلومات العلمية (ISI). وفي بداية الثمانيات بدأ معهد المعلومات العلمية باستخدام فهرسة الاقتباس لتحديد معامل التأثير للمجلة العلمية (IF)، وتم استخدام هذا المعيار كأساس لترتيب المجلات العلمية. فتوجه اهتمام الباحثين إلى النشر في تلك الأوعية آخذين بعين الاعتبار معامل التأثير لتلك الأوعية على مستوى التخصص. وقد تم ابتكار معامل التأثير (Impact factor) أو (IF) من قبل "يوجين جارفيلد"، ومعامل التأثير للمجلات العلميّة المحكّمة هو مقياس لأهمية المجلات العلمية المحكمة ضمن مجال تخصصها البحثي، ويعكس معامل التأثير مدى إشارة الأبحاث الجديدة للأبحاث التي نشرت سابقاً في تلك المجلة والاستشهاد بها، وبذلك تكون المجلة التي تملك معامل تأثير مرتفع مجلة مهمة، لأنّه يُعتمد عليها ويتم الإشارة إلى أبحاثها المنشورة فيها والاستشهاد بها بشكل أكبر من تلك التي تملك معامل تأثير منخفض.
في بداية التسعينات تم شراء معهد المعلومات العلمية، بواسطة تومسون العلمية (Thomson Scientific)، واعتمد مسمى شبكة العلوم (Web of Science) للنسخة الإلكترونية للفهرس ليضم أكثر من 10000 مجلة علمية من بينها عدد من المجلات المفتوحة أو المجانية (Open Access Journals). وفي المقابل قامت مؤسسة السفير عام 2004 بعمل فهرسة سكوبس (Scopus)، والتي تضم أكثر من 15000 مجلة، كما قامت أيضا شركة جوجل بعمل فهرسة من خلال موقعها جوجل سكولار (Google Scholar) ليوفر فهرسة لكافة المعلومات المتوافرة على الإنترنت لكل منشور، وظهر بعد ذلك عدد من قواعد البيانات الأخرى المتعلقة بالفهرسة. وتقوم بعض المؤسسات حالياً (كمؤسسة تومسون رويترز)، وغيرها، بحساب معاملات التأثير بشكل سنوي للمجلات العلمية المحكمة المسجلة عندها ونشرها فيما يعرف بتقارير استشهاد المجلات، والتي يتم فيها تصنيف المجلات وفق معاملات التأثير. ومع ذلك لا يزال معامل التأثير للمجلة هو أشهر مقياس للفهرسة وهو معدل المرجعيات أو الاستشهاد خلال السنة الحالية إلى عدد العناصر المنشورة خلال السنتين الماضيتين للمجلة، مما جعل مقياس معامل التأثير مقبولاً كمعيار مهم في اختيار وعاء النشر.
طريقة حساب معامل التأثير
معامل التأثير لمجلة ما في سنة معينة هو معدل عدد المرات التي تم الاستشهاد فيها من الأبحاث المنشورة في تلك المجلة خلال السنتين الماضيتين، فإذا كان معامل التأثير لمجلة ما هو 3 في عام 2015 مثلاً تكون الأبحاث التي نشرت في السنوات 2014 و2013 في تلك المجلة قد تم الاستشهاد بأبحاثها بمعدل 3 استشهادات لكل بحث، ويكون معامل التأثير قد حسب بالشكل التالي:
|
مجموع عدد الاستشهادات التي تلقتها جميع الأبحاث
المنشورة في تلك المجلة خلال الأعوام 2013 و2014
|
معامل التأثير =
|
____________________________________
|
|
عدد المواد التي يمكن الاستشهاد بها والتي نشرت
في أبحاث المجلة خلال الأعوام 2013 و2014
|
ولا يمكن حساب معامل التأثير لمجلة ما إلا بعد مرور سنتين على تاريخ صدورها وتسجيلها في أحد الفهارس الإلكترونية. وقد تتأثر بعض المجلات بطريقة الحساب هذه عند عدم إصدارها لأي منشورات خلال سنة معينة، حيث أن طريقة الحساب مرتبطة بشكل مباشر بالفترة الزمنية التي تحسب فيها، لذا فإن تقارير استشهادات المجلات تورد أيضاً قيماً لمعامل التأثير محسوبة على فترة خمس سنوات.
ويرتبط معامل التأثير ارتباطاً وثيقاً بالمجال العلمي للمجلة التي يعبر عنها، فمثلاً تتراوح نسبة الاستشهاد في أول سنتين من تاريخ نشر البحث بين 1-3 بالمئة في المجلات المتخصصة في الرياضيات والفيزياء، بينما تتراوح بين 5-8 بالمئة في المجلات المتخصصة في علوم الأحياء.
معامل التأثير العربي
تم الإعلان مؤخراً عن البدء في تحديد معامل التأثير العربي، وهو معامل خاص بالمجلات التي تصدر باللغة العربية فقط. ويوفر معامل التأثير العربي تقيم كمي ونوعي لترتيب وتقييم وتصنيف المجلات التي تصدر باللغة العربية للتقييم الأكاديمي وللتميز. ويستخدم هذا المعامل لتقييم جودة صدور هذه المجلات. ويتم إجراء التقييم من خلال النظر في عوامل مثل استعراض عدد الاستشهادات بالبحوث المنشورة في هذه المجلات من قبل المجلات الأخرى، والأصالة والجودة العلمية، والجودة التقنية لهيئة التحرير، ونوعية التحرير وانتظام صدور المجلات، ونظام تحكيم البحوث بها، وأيضاً الالتزام بأخلاقيات النشر العلمي. ويتبع موقع حساب معامل التأثير العربي أسلوب التحليل المتعمق ومعدلات القبول والرفض لإدراج المجلات في هذا التصنيف. ويَعد القائمون على الموقع بأن يتم كل ذلك من خلال نخبة من العلماء المتخصصين في المجالات العلمية المختلفة.
أما عن قواعد التصنيف المعتمدة على موقع حساب معامل التأثير العربي فهي أن يكون للمجلة رقم تصنيف دولي للنسخة الورقية وآخر للنسخة الإلكترونية، وأن يكون للمجلة موقع إليكتروني يحتوي على جميع المعلومات الخاصة بها، ويحتوي الموقع على قواعد النشر وأخلاقيات النشر وقواعد الملكية الفكرية، وأن تصدر المجلة بشكل دوري، وتكون هيئة التحرير بها من الأساتذة المشهود لهم علمياً، وأن تكون البحوث موزعة جغرافياً، مع الالتزام بمواعيد النشر المعلنة لكل عدد، والالتزام بقواعد تعين أعضاء هيئة التحرير.
مستقبل عامل التأثير
يعبر معامل التأثير عن معدل الاستشهادات التي يتلقاها البحث الواحد، لذا فإنه لا يتبع توزيعاً احتمالياً طبيعياً وإنما يتبع توزيع برادفورد كما هو متوقع نظرياً، لذا فإن استخدام المتوسط الحسابي لا يعبر بشكل صحيح عن هذا التوزيع الاحتمالي. ولهذا يواجه معيار معامل التأثير العديد من الانتقادات، فعلاوة على الجدل القائم حول جدوى وجود مقاييس معيارية للاستشهادات أصلاً فإن الانتقادات لمعامل التأثير تتمحور بشكل أساسي حول صحة مدلول هذا المقياس وإمكانية سوء استغلاله ثم الأخطاء التي يمكن أن تتم عند استخدامه.
ويمكن للعديد من الأبحاث، خاصة ذات معامل التأثير المنخفض، أن تكون الكثير من استشهاداتها لأبحاث كتبت من قبل نفس مؤلف البحث (وهو ما يعرف بالاستشهاد الذاتي)، ويدور جدل حول مدى تأثير ذلك على صحة مدلول معامل التأثير بشكل عام. ويمكن للمجلات أن تتبنى بعض السياسات التي ترفع من قيمة معامل التأثير دون رفع المستوى العلمي للمجلة بشكل فعلي. كما يمكن للمجلة أن تقوم بنشر عدد أكبر من الأبحاث ذات الطابع المسحي، والتي تقوم بتصنيف الأبحاث في مجال معين دون تقديم إضافة علمية جديدة، وعادة ما يتم الاستشهاد بهذا النوع من الأبحاث بشكل أكبر بكثير من غيرها من الأبحاث التي تقدم إضافة علمية جديدة مما يرفع من معامل التأثير لهذه المجلة ويرفع ترتيبها ضمن المجلات في مجالها العلمي. عند حساب معامل التأثير تتم قسمة مجموع الاستشهادات على عدد المواد القابلة للاستشهاد بها، ويمكن لبعض المجلات أن تقلل من عدد المواد التي تعتبرها قابلة للاستشهاد من أجل تضخيم معامل التأثير، فهناك جدل حول ما يمكن اعتباره قابلاً للاستشهاد وما لا يمكن اعتباره كذلك، كافتتاحية المجلات التي تقوم بعض البحوث بالاستشهاد بها مع أنها قد لا تعتبر مادة قابلة للاستشهاد عند حساب معامل التأثير.
ويمكن للمجلة أن ترفع من نسبة استشهاد الأبحاث التي تنشرها من الأبحاث التي نشرت فيها سابقاً مما يزيد من معامل التأثير. فعلى سبيل المثال، قامت إحدى المجلات العلمية المحكمة في عام 2007 بنشر افتتاحية استشهدت فيها بجميع الأبحاث التي نشرت في المجلة في أعوام 2006 و2005 كنوع من الاحتجاج على طريقة حساب معامل التأثير، فارتفعت بذلك قيمة معامل التأثير لهذه المجلة من 0.66 إلى 1.44، وبسبب هذا الارتفاع تم استبعاد هذه المجلة من تقارير استشهادات المجلات لعام 2008.
وتضمن أحد البحوث في عام 2008 عبارة تدعو القراء للاستشهاد به عند ذكر معلومة معينة، مما أدى إلى تلقي هذا البحث أكثر من 6600 استشهاد وارتفاع معامل التأثير للمجلة التي نشرته من 2.051 في عام 2008 إلى 49.962 في عام 2009.
وفي عام 2007 أصدرت الجمعية الأوروبية للمحررين العلميين EASE بياناً تنصح فيه باستخدام معامل التأثير (وبحذر) لقياس ومقارنة المجلات العلمية المحكمة فقط، وليس لتقييم أبحاث أو باحثين معينين. وفي الحقيقة أنه لا يمكن الاعتماد في المستقبل على مقياس معامل التأثير كمقياس لجودة المجلة العلمية مع التوجه الحديث لأوعية النشر المجانية خاصة للباحثين عن التميز البحثي. وأن عدم وجود معايير لجودة المجلات العلمية غير معامل التأثير سوف يؤدي إلى الضغط في المستقبل القريب على المجلات العلمية غير المجانية ويجبرها على التحول إلى مجلات مجانية، وهذا يعطي الفرصة للمجلات الناشئة التي تبدأ كمجلات مجانية لتختصر المسافة بينها وبين المجلات ذات التاريخ العريق، مما سيؤدي إلى وضع أسس أخرى من قبل دور النشر في إعادة النظر في كيفية الحصول على المردود الاقتصادي للمجلات العلمية.
وتجتهد العديد من الهيئات العليا لتحديد مؤشر جديد فعال لجودة البحوث يتفق عليه الجميع، وهناك محاولات جادة لإيجاد مقاييس لجودة المقالات العلمية لتخفيف وزن معامل التأثير الذي قد يكون عديم الجدوى مع المجلات المجانية، إلا أن هذه المحاولات لا تزال في نطاق عمر البحث وعدد مرات الإشارة إليه وعدد الباحثين المشاركين وتخصصاتهم ولغة البحث ونمطه وغيرها. وربما يكون البدء في محاولة تحديد معامل التأثير للمجلات العربية فرصة للحاق بهذا التطور المتسارع في عالم النشر العلمي، وفرصة للاستفادة من التجارب الحالية الناجحة للمجلات العلمية المجانية الإلكترونية، وبداية لتأسيس العديد من المجلات العلمية الإليكترونية المجانية في الجامعات والمراكز البحثية العربية. وقد تخلق مثل هذه المجلات والدوريات منافسة قوية، ويحقق لها انتشاراً كبيراً في عالم أوعية النشر العلمية العالمية.
- الموقع الإلكتروني للمجلة.
- معلومات عن رئيس التحرير وهيئة التحرير.
- معلومات التحكيم.
- تاريخ صدور أي عدد جديد، إلى البريد الإليكتروني التالي: aindex@naturalspublishing.com
التقرير السنوي لمؤسسة (ISI Thomson) لعام 2013:
بريد الكاتب الإلكتروني: tarekkapiel@hotmail.com