عُرفت اليمن عبر التاريخ بإسم العربية السعيدة. و تذكر كتب التاريخ أنّ تسمية اليمن بالعربية السعيدة أو اليمن السعيد يعود إلى كثرة الخضرة و الزرع المنتشر على أراضيها. و يعود السبب في ذلك إلى قدرة اليمنيين القدماء على التصرف في خزن و إدارة مياه الأمطار الموسمية من خلال بناء السدود والخزانات و الحواجز و القنوات، و عرف في ذلك سد مأرب الشهير الذي يقف وراء تاريخ الحضارة اليمنية القديمة، و كذا صهاريج الطويلة في عدن.
وإلى جانب الأساليب التاريخية التي اتبعها اليمنيين في إدارة المياه، فقد أبدع اليمنيون أيضاً في استصلاح الأراضي الزراعية، و ذلك عن طريق المدرّجات الزراعية التي كانت هي الأخرى تعمل على إدارة المياه من ناحية و استصلاح الأراضي الوعرة في الجبال، و هي تأخذ عادة الشكل الهرمي في استصلاح الأرض و التي تسمح أيضاً بتوزيع المياه و حسن التصرف فيها.
إذن، إدارة المياه عن طريق بناء السدود و الحواجز و كذا استصلاح الأراضي من خلال المدرجات الزراعية هما من دلائل و شواهد التاريخ على جهود اليمنيين في مقاومة قسوة الطبيعة و ندرة المياه.لقد سجل تاريخ اليمن العديد من الدلائل التي تبين مدى تعامل اليمنيين العقلاني مع الموارد الطبيعية و إدارتها بطريقة سليمة حيث كانت معظم المناطق اليمنية تتمتع بالاكتفاء الذاتي من المنتجات الزراعية المختلفة و توزع الفائض إلى المناطق المجاورة.
لكن اليمن السعيد لم يعد سعيداً في انتشار الرقعة الزراعية على أراضيه، فقد أثّرت ظروف الحياة الجديدة و أنماطها في العقود الوسطى من القرن العشرين على حياة الإنسان اليمني، فأربكت الأساليب التقليدية في التعامل مع الموارد الطبيعية و إدارتها بطريقة سليمة، و بالتالي بدأت الرقعة الزراعية في التقلص و أصبح التصحر و الجفاف السمة البارزة و الخطيرة التي تهدد الأمن الغذائي في اليمن.
اليمن الجغرافية و التضاريس و المناخ
تقع اليمن في الركن الجنوبي الغربي لشبة الجزيرة العربية و تبلغ مساحتها نحو 555 ألف كيلومتر مربع و تطل على البحر الأحمر من الغرب و على خليج عدن و البحر العربي من الجنوب. يعتبر القطاع الغربي في اليمن كتلة جبلية ضخمة ذات قمم عالية بارتفاع يُقدّر بنحو 3 آلاف متر فوق سطح البحر، و فيها أعلى قمة في شبة الجزيرة العربية و هي قمة جبل النبي شعيب التي تبلغ 3700 متر و تنحدر إلى الهضبة و السهل الساحلي في الغرب، و إلى القمة و السهل الصحراوي في الشرق. أما القطاع الجنوبي ففيه جبال حضرموت التي تمثل خط تقسيم المياه بين الوديان المتجهة جنوباً إلى بحر العرب و تلك المتجهة شمالاً نحو الصحراء.
بالنسبة للأمطار فهي عالية في المناطق الجبلية الغربية (أكثر من ألف مليمتر في السنة ) و لكنها منخفضة فيما عداها. ليس في اليمن أنهار دائمة، و المياه السطحية عبارة عن سيول موسمية تتجمع في الوديان. و تُقدر موارد السيول بحوالي 2700 مليون متر مكعب في السنة، و بالتالي فإنّ المياه الجوفية تعتبر مصدر مهم يتم استغلاله عن طريق الأحواض الجوفية المائية حيث يوجد عدد من الأحواض بعضها قريب (30-40متر) و بعضها عميق، و تُقدر الأراضي المرويّة بحوالي 300 ألف هكتار تعتمد معظمها على مياه الآبار.
هذا، و تعتبر اليمن من المناطق الجافة و شبه الجافة ذات الموارد الطبيعية المحدودة و يعاني من جفاف مناخه و تضاريسه الجبلية و السهلية و الصحراوية المتنوعة و الوعرة و التي تعاني من محدودية المياه فيها و كل ذلك يؤدي إلى نشؤ بيئة قاسية و متقلبة. في وقت يشكل القطاع الزراعي مورداً هاماً في بنية الاقتصاد اليمني إذ يعتمد نحو ثلاثة أرباع السكان في معيشتهم على الزراعة و الرعي و تستهلك الزراعة نحو 90 في المئة من المياه مما أدى إلى استنزاف المياه الجوفية و هذا أدى إلى بروز مؤشرات مشكلة التصحر الذي يعاني منه القطاع الزراعي المورد الأساس لحياة الناس في اليمن.
حجم مشكلة التصحر في اليمن
في الفترة من 29 أغسطس حتى 9 سبتمبر1977 عقد في العاصمة الكينية نيروبي مؤتمر للأمم المتحدة عُرف حينها لمناقشة قضية (زحف الصحراء) كأول مؤتمر يناقش هذه المشكلة التي يعاني منها أهم مورد طبيعي للانتاج الغذائي. و في هذا المؤتمر ظهرت كلمة التصحر لأول مرة كبديل لمفهوم (زحف الصحراء) و عرف التصحر حينها بأنه ( انخفاض أو تدهور قدرة الإنتاج البيولوجي للأرض مما قد يؤدي في النهاية إلى خلق ظروف شبة صحراوية).
أما الاتفاقية الدولية لمكافحة التصحر التي أصدرتها الأمم المتحدة في العام 1994 فإنها تعرّف التصحر بأنه ( تدهور الأرض في المناطق الجافة و شبة الجافة و تحت الرطبة و ينتج عن عوامل عدة منها تغير المناخ و نشاط الانسان) بالنسبة لمشكلة التصحر في اليمن فإن التقارير البيئية التي تناولتها تشير إلى انتشار التصحر بأشكال متعددة، و بات ما يقارب من 97 في المائة من أراضي البلاد تعاني من التصحر بدرجات متفاوتة، و يتمثل ذلك في (تدهور الأراضي الزراعية و المراعي و تدمير النمو الشجري) و تزيد عليها ظواهر الإنجراف البالغ الذي يرجع إلى التضاريس الجبلية إضافة إلى تدهور الموارد الطبيعية المختلفة من مياه و نبات إضافة إلى التعرية الهوائية و المائية و تملّح التربة و زحف الرمال و التوسع العمراني.
وتظهر الآثار السلبية لظاهرة التصحر في اليمن على الغطاء النباتي و انتاجية الأرض و المياه السطحية و الجوفية و الحياة الفطرية و الانتاج الحيواني … الخ ، و ينعكس ذلك أيضاً سلباً على تدهور معيشة السكان و عائقاً أمام خطط التنمية الريفية المستديمة و المتكاملة. و يمكن القول أنّ من أبرز العوامل و الأسباب التي أدّت إلى بروز مشكلة التصحر، هي عوامل و أسباب عدة، أبرزها العوامل الطبيعية منها أسباب مناخية كندرة الأمطار الموسمية و تعاقب سنوات الجفاف، و منها الأسباب الطبوغرافية و المتمثلة بطبيعة الأرض و الصخور التي كونتها.
أيضاً يعتبر أسلوب التعامل السيئ مع الموارد الطبيعية و سوء استغلالها من العوامل المؤثرة و المسببة لبروز مشكلة التصحر و يتمثل ذلك في العمليات الزراعية الخاطئة و كذا في سوء استغلال المياه الجوفية .إضافة إلى ما تقدم من عوامل و أسباب التصحر في اليمن فإنه لابد من الإشارة إلى المشاكل الناتجة عن النمو السكاني و ازدياد الطلب على الأعلاف و حطب الوقود و خشب البناء أيضاً من العوامل و الأسباب المؤدية لبروز مشكلة التصحر في اليمن.
المراجع
- التصحر – تأليف الدكتور محمد عبدالفتاح القصاص.
- الندوة الوطنية لمكافحة التصحر – الهيئة العامة لحماية البيئة – اليمن.
- التقرير الوطني لمكافحة التصحر في الجمهورية اليمنية – وزارة الزراعة و الري – اليمن.
بريد الكاتب الالكتروني: abualihakim@gmail.com