إذا ضَغَطتَ على الرابط التالي ستنفتح لك باب إلى السماء. و هل غير ذلك بابٌ إلى غزة دخلتها قافلة علماء و أكاديميين جزائريين مختصين بعلوم الفلك ورعاها "الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك"؟
صور "قافلة الجزائر للأخوة والعلم في غزه" التي يراها من يدخل الموقع تتابع مسيرة علماء الجزائر من مطار القاهرة في العاشر من الشهر الماضي، وعبورهم قناة السويس، و جولاتهم على الجامعات و المدارس، و المعارض التي أقاموها، حاملين رسالتهم: «نقول كفلكيين لأطفال غزة إنّه توجد في السماء أشياء أخرى غير طائرات الـ «إف 16» ومروحيات الأباتشي، والطائرات دون طيار، ووسائل الموت الأخرى». يكتب ذلك في الموقع رئيس القافلة جمال الميموني، أستاذ علم الفيزياء و الفلك في جامعة منتوري بقسنطينة. و يحرك القلب مشهد غياب الشمس في البحر مقابل غزة يوم الرحيل، و تموج النفس بكلمات الميموني: «الإنسانية جمعاء تشارك الفلسطينيين و هم في سجنهم المفتوح تحت القبّة السماوية نفسها بالكوكبات نفسها، و العجائب الكونية نفسها، و إنَّ تضحياتهم هي صفحة مجد للعالم أجمع، و إنّنا لن ننسى أراملهم و أيتامهم، و فوق العدالة الإنسانية عدالة إلهية لا يُظلم أحد في ظلها، و يلقى حينها كل ظالم جزاءه».
وإذا كان «المتعلمون وحدهم هم الأحرار»، كما يقول الفيلسوف الإغريقي أبيقور، فَمَنْ في الدنيا أكثر حرية من أهل غزة الذين أشادوا رغم الاحتلال و القصف أربع جامعات تضم 100 ألف طالب، أكثر من نصفهم فتيات؟ وميض الحرية في عيون شباب غزة أضاء قلوب علماء قافلة الجزائر، فَشدّوا طاقيات علم فلسطين على أكتافهم، و قدموا 18 محاضرة في جامعات غزة، و عشرات العروض العلمية لطلاب المدارس و للجمهور العام، بينها عرض عملي للرصد الفلكي، و عرض خاص للأطفال اليتامى. و في الموقع مشاهد تدشين أول مختبر تابع لكرسي اليونيسكو لعلم الفلك و الفيزياء الفلكية و علوم الفضاء في فلسطين، و الذي بُرمج ليوافق وقت زيارة القافلة.
و«فلسطين سندان الروح»، حسب كلوفيس مقصود، سفير الجامعة العربية الأسبق في الأمم المتحدة، و أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الأميركية بواشنطن. و الروح مسعى قافلة العلماء المصريين مطلع الشهر الحالي، و التي ضمّت 57 عالماً، معظمهم علماء دين و مشايخ. الزيارة، حسب مصادر وزارة الأوقاف المصرية التي نظمتها، «هي الأولى ضمن خطة شاملة تستهدف مواجهة الأفكار المتطرفة، و توضيح الموقف الإسلامي الصحيح الرافض للفكر التكفيري و الذي يحترم عقائد الآخرين». مهمة شاقة تُصدّعُ قلوب و ذاكرات أجيال تعرَّشتها جذورُ المأساة التي حذَّر منها الزعيم الهندي غاندي قبل ستين عاماً: «فلسطين تعود للعرب بنفس المعنى الذي تعود به إنجلترا للإنجليز، و فرنسا للفرنسيين. و فَرضُ اليهود على العرب خطأ وغير إنساني. و إنها بالتأكيد جريمة ضد الإنسانية التقليل من شأن العرب الفخورين كي تُمنح فلسطين، جزئياً أو كلياً، كوطن قومي لليهود».
ويوم قصف صاروخ «سرايا القدس» تل أبيب في 16 من الشهر الحالي، دخلت فلسطين قافلة فريدة من نوعها، تتكون من عالمة عراقية واحدة. منى حمدي، دكتورة هندسة السيطرة و النظم، جاءت بخريطة الطريق، ليس إلى فلسطين، بل في فلسطين، و من فلسطين إلى المنطقة و العالم. و الخريطة هي الموضوع الرئيسي في مؤتمر «استخدامات التكنولوجيا الذكية في النقل والمواصلات». نظمت المؤتمر «جامعة القدس المفتوحة» في رام الله بالتعاون مع «مركز أبحاث التنقل الذكي» في بريطانيا الذي أسسته و ترأسه منى حمدي.
و«هذه هي المرة الأولى التي تقترب فيها أحدث تكنولوجيا المعلومات و الاتصالات لأنظمة التنقل الذكية من المشكلة الفلسطينية المتمثلة بحواجز الاحتلال بين المدن الفلسطينية و داخلها». ذكر ذلك المهندس عماد الهودلي، مساعد رئيس «جامعة القدس المفتوحة» لشؤون التكنولوجيا و الإنتاج، و الذي اعتبر المؤتمر «حدثاً وطنياً هو الأول من نوعه على مستوى الشرق الأوسط، و محاولة لرسم صورة جديدة للأمل الفلسطيني للتنقل الحر داخل أراضي وطنهم، و الربط الذكي مع دول الجوار».
و«التنقل الذكي» iMobility فرع بالغ التعقيد من علوم الكمبيوتر يعالج مسائل التفكير، و الإدراك، و المعرفة، و التخطيط، و التعلم، و الاتصال، و القدرة على تحريك الأشياء و التحكم بها. و هذه وظائف خريطة الطريق في فلسطين التي تُشَخص الواقع القائم، و تعرض استراتيجية تطوير أنظمة خدمات النقل، و الطرق، و تكنولوجيا المعلومات و الاتصالات، و النقل العام، و المطارات، و الشحن، و ميناء غزة. شارك في وضع تقرير «التنقل الذكي في فلسطين» فريق من علماء فلسطين المتخصصين بشؤون النقل و الاتصالات و المرور، بينهم خالد الساحلي، أستاذ الهندسة المدنية في «جامعة النجاح» بنابلس و مدير وحدة بحوث الإنشاءات و النقل، و مؤلف تقارير وكتب عدة عن هندسة النقل و سلامة المرور. و العضو الثاني في الفريق سمير أبوعيشة، أستاذ الهندسة المدنية في «جامعة النجاح»، المعروف بمؤلفاته حول تخطيط و اقتصادات العمران و النقل، و هو وزير سابق للتخطيط، و قائم بأعمال وزارات المالية و التربية و التعليم العالي سابقاً. و العضو الثالث عماد الخطيب، أستاذ زائر حالياً في «جامعة بيرزيت»، و عميد الدراسات العليا و البحث العلمي سابقاً في «الجامعة التكنولوجية»، و الأمين العام لـ«الأكاديمية الفلسطينية للعلوم والتكنولوجيا». و تقرير «التنقل الذكي في فلسطين» جزء من «الرؤية المستقبلية للتنقل الذكي في المنطقة العربية»، و التي تَتَضمنُ أطر «المشروع الاستراتيجي الإقليمي الموحد». و في يونيو الماضي نشرت الحلقة الأولى منه متضمنةً «دراسةَ حالة مستقبل التنقل الذكي في تونس».
ومنى حمدي من جيل طالبات العلم المستحيلات في العراق، نالت البكالوريوس و الماجستير في هندسة السيطرة و النظم من «الجامعة التكنولوجية» ببغداد، و شاركت بتأسيس «مركز بحوث الإلكترونيات و الكمبيوتر» في «مؤسسة البحث العلمي» قُبيل أغلاقها عام 1989، و غادرت إثر ذلك بلدها إلى بريطانيا، حيث نالت الدكتوراه في علوم السيطرة و النظم من جامعة «لوبورو» عام 1999. و طوَّرت خبرةً نظرية و عملية في استخدام أنظمة السيطرة و النظم في مجالات النقل، و صناديق التحوّط المالية، و صناعات الأغذية، و المراقبة، و المصاعد الذكية، و الاتصالات. و ترأس حالياً مجموعة أبحاث «الرؤية المستقبلية للتنقل الذكي» في جامعة هدرسفيلد البريطانية، و التي تضم عدداً من الباحثين الأكاديميين البريطانيين و العرب. و تشارك في أعمال المجموعة «الكلية العليا للاتصالات التونسية»، و «مركز بحوث الطرق و سلامة المرور في جامعة الإمارات» بالعين، و «كلية الخوارزمي الدولية» بالعين.
وإذا كانت المرأة، كما يقال، «تناقش بقلبها و ليس بعقلها»، فالمهندسة منى حمدي تناقش بكل قلبها إمكانات الوطن العربي، و تعمل بكل عقلها على تحقيقها. فهي تعتبر المنطقة حقلاً أخضر لما تسميه «التنقل الموصول». و كما يقول الشاعر الإغريقي يوريبيدس: «نحن ندفع ثمناً غالياً لأننا أذكياء، فالحكمة تؤذي». و قد اعتصرت قلبي سطور شعرية بالإنجليزية أرسلَتها بالإنترنت أول من أمس: «أنا امرأة عراقية أنا، جروحي عميقة. أنظرُ إلى خريطة فلسطين و أفكر كيف يمكن لأيٍّ أن ينام. أنا امرأة عراقية أنا، جروحي عميقة».