تلوث الهواء القاتل الخفي
أ.د / عاصم عبد المنعم أحمد محمد
الكاتب : أ. د. عودة الجيوسي
الجمعية العلمية الملكية - الأردن
03:21 صباحًا
30, ديسمبر 2012
المتأمل للأسس التي قامت عليها الثورات العلمية من نيوتن الذي أسس الفيزياء الكلاسيكية إلى أينشتاين صاحب النظرية النسبية و الذي أضاف البعد الرابع وهو الزمن إلى مرحلة نظريات الفيزياء الكمية التي تعتمد على نماذج رياضية تعتمد على نظريات الإحتمالات و اللاتحديد، نجد في هذه النظريات العلمية أن التحول في نسق التفكير (Paradigm) كان نتيجة عدم قدرة النظريات السائدة على تفسير ظواهر معينة لذا قاد إلى ثورة علمية في رؤية العلاقات البنوية للنظرية السائدة. لذا نجد التحول في فيزياء الثلاث أبعاد (نيوتن) إلى الأربع أبعاد (أينشتاين) إلى اللاتحديد (الفيزياء الكمية). و هناك خصائص أساسية للعلاقات بين المراحل المختلفة للتحولات العلمية والتحولات الإجتماعية- السياسية التي يعيشها العالم العربي يمكن إجمالها على النحو التالي:
إن أدبيات العلماء في الحضارة الإسلامية تؤكد هذه الرحابة في التفكير فمقولة "إن رأيي صواب يحتمل الخطأ و رأي غيري خطأ يحتمل الصواب" يفتح مجالاً للحوار و إثبات الدليل و الميل للتحول عن الموقف و الرأي في ضوء توفر حقائق و معلومات و معطيات جديدة. و هذا هو خُلقُ العالِم الذي من الضروري تمثله في هذه المنعطفات التي تمر بها المنطقة العربية. إن المجتمع العربي يمثل كافة ألوان الطيف و هذه حالة طبيعية لكن من الضروري إختيار "المنشور" (prizm) الذي يوَحد هذه الألوان المختلفة بلون واحد و يحدد البوصلة و الرؤية المشتركة نحو الإصلاح و التنوير المعتمد على العلم و التقنية و الإبداع ضمن منظومة متكاملة عربية. إن قدرتنا على تجاوز حالة الفوضى و النزاع إلى حالة تمكين للمجتمع المدني و الذي عمادهُ "المجتمع العلمي" يمثل حالة حضارية و ضرورة للأمن الإنساني.
والسؤال المطروح هنا هو كيف يمكن للمجتمع العربي تكوين هوية و مرجعية و كتلة حرجة تُصوّب مسار السياسات العامة. و هذا يتطلب التحرك في المسار الذي يسعى إلى نقد المنهجية المعتمدة لبناء المؤشرات العلمية في الوطن العربي في ظل تنامي مؤسسات بحثية جديدة في دول الخليج العربي قادرة على توليد معرفة جديدة متصلة بالسياق المحلي. و هذا يعني مراجعة منظومة الاهداف التنموية بحيث يرفد البحث العلمي هذه الاهداف مثل "توطين تقنيات تحلية المياه و تطوير الطاقة المتجددة و إستصلاح الصحراء والزراعة في المناطق الجافة". إن إعتماد عدد الأبحاث و نسب الدعم المالي على البحث و التطوير من نسب الدخل القومي لا تعطي مؤشراً واضحاً لكيفية توجيه التمويل للأولويات العربية و مدى تحقيقها لنتائج و آثار على حياة المجتمع و هذا ما يسمى "إستراتيجية المحيط الأزرق" “(Blue Ocean Strategy). إن معظم تركيز العالم الصناعي على أبحاث تخدم حاجات هذا المجتمع، لكن ما يلزمنا في العالم العربي هو تطوير أجندة بحثية تلبي إحتياجات دول العالم الثالث و الذي يمثل السوق الأكبر لمستخدمين يزيدوا عن ثلثي سكان الكوكب.
إن إعتماد النسب المئوية مثل أن ما ينفق على البحث في الدول العربية يمثل نسبة تتراوح بين 1,0% و 2,1% من الدخل المحلي الإجمالي مقارنة بدول أوروبية تخصص 2,2% من الدخل المحلي الإجمالي، لا يعطي مؤشراً حقيقياً لمسار البحث و تركيزه و آثاره و ارتباطه بالأولويات التنموية التي تحقق الريادة و التميز للوطن القومي. لأن مسار البحث العلمي و التنمية ليس خطياً بل يمر بثورات علمية إذا توفر لها البيئة الممكنة و الرؤية حتى تؤتي أُكلَها بعد حين. كذلك إن العقول العربية في المهجر قد تمَثل فرصة جديدة لتشكيل فرق بحثية في الفضاء الإفتراضي (Virtual) مع فرق بحثية محلية للتوصل لإبتكارات في مجالات الأولويات العربية من ماء وطاقة وبيئة وغذاء. خلاصة القول، أن المجتمع العلمي العربي يمثل حجر الزاوية للوصول إلى حالة الرشد في الربيع العربي.
البريد الإلكتروني للكاتب: odjayousi@gmail.com
الكلمات المفتاحية