مجلة أجسر – مجلة عربية محكمة في مجال العلوم – زورو موقعنا

المطلوب من الخبراء والباحثين في ليبيا

الكاتب

الكاتب : أ. د. مفتاح محمود الزعيليك

باحث أول بمركز البحوث النووية - تاجوراء- ليبيا

الوقت

12:04 صباحًا

تاريخ النشر

15, يناير 2015

إن إنشاء وتنفيذ بدائل متجددة لموارد الطاقة أمر حاسم بالنسبة لنا نحن الليبيين بسبب توجه الموارد الغير متجددة – النفط والغاز نحو الاستنزاف إلى الحد الذي يكون فيه الاستبدال ممكناً،  وبالتالي على النخبة والخبراء والباحتين في ليبيا الجديدة العمل في هذا الاتجاه ومساعدة  السلطات التنفيذية والسياسية وجهات الاختصاص لوضع إستراتجية مستقبلية للوضع الذي سوف يكون عليه مستقبل ليبيا من ناحية الطاقة ومصادرها والخيارات المتاحة والمطروحة أمامنا قبل نهاية عصر الطاقة الرخيصة البترول والغاز، ولا ننتظر حتى ترتفع أسعار المواد الغير قابلة للتجديد وتنخفض أسعار موارد الطاقة المتجددة بحيث يقوم السوق نفسه بالتحول بشكل تلقائي، وهذا قد يستغرق عقوداً.

إن إعادة بناء البنى التحتية للطاقة الوطنية الليبية أمر تتطلبه مقتضيات المرحلة الداخلية و الخارجية، اقصد العالمية و أيضاً قد  تظهر دلائل تضاؤل أسعار الموارد المتجددة في مرحلة متأخرة جداً لانجاز تحول في مجال الطاقة في ليبيا دون معاناة، بالتالي يجب إعادة التفكير بشكل جذري في استراتيجية الاستثمار في الطاقة والعمل على تخصيص ميزانية لتطوير تكنولوجيات لإنتاج العديد من أنواع الطاقة، و استراتيجية للتوعية العامة بهدف إعادة توجيه المستهلكين وصناع السياسة في ليبيا إلى تبني تغير جذري غير مؤلم بالضرورة في أنماط الاستهلاك.

إن تحولاً سهلاً كان ممكناً لو أننا قد بدأنا في مشروع تعدد مصادر الطاقة في ثمانينيات القرن الماضي وتمت متابعته بشكل جدي وثابت وقوي حتى وقتنا الحاضر، ومع هذا،  الوقت لم يفت بعد وعليه قد ينجح جهد وطني بطولي حقيقي من الخبراء والباحتين والعلماء الليبيين اذا توافرت الارادة السياسية في ايجاد الموارد المتجددة والاهتمام بالصناعات النفطية واستثمار الموارد المالية العائدة منها في تطوير مصادر بديلة. من هذا المنطلق يجب تخصيص ميزانية للطاقات المتجددة تصرف بالأخص على  الطاقة الشمسية من عائدات النفط. كما يجب أن يكون للصيانة أولوية كبرى أيضاً.

إن فشل الهياكل الوهمية التي كانت موجودة في الدولة الليبية و اصدار القوانين التي تأمر بمبادئ لكفاية ذاتية أكبر لاستهلاك الوقود يشكل ارتباكاً و خراباً للصناعات النفطية، و حتى النفط الخام ذاته وتصديره. و عليه في ليبيا الجديدة يجب اتخاذ قرارات صارمة ليس فقط من أجل وقود السيارات بل لمجموعة من الاجهزة والعمليات الصناعية التي لها علاقة مباشرة بالنفط، ويجب علينا أن نضع أهدافاً تتضمن التقليل من الاستخدام الكلي للطاقة بنسبة على الأقل 2% في السنة و تغيير نسبة المصادر غير المتجددة إلى مصادر متجددة تدريجياً. قد تكلف مثل هذه السياسات ثمناً اقتصادياً لكنه قليل بالمقارنة مع التكاليف النهائية لما يجري حالياً من الأمور، وبالتالي لكي يشعر المواطن العادي في المجتمع الليبي أن التضحيات التي يقدمها من خلال خفضه لاستهلاك الطاقة و تحمله لمرحلة تقشف ينظر لها على أنها عادلة، يجب دعمها ومساندتها والمشاركة في عملية صنع مثل هذا القرار، وعليه سوف يضحي من أجل هذه التغييرات الأساسية في الاقتصاد الوطني و البنى التحتية المطروحة الآن على الساحة الليبية و بعد التخلص من النظام السابق وتراكماته.

وبما إن الطاقة في ليبيا توزع على المدن على هيئة كهرباء وغاز من قبل الشركة العامة للكهرباء و محطات الغاز، و المواطن الليبي أصبح له رأي في السياسات التي تؤثر ليس فقط على الأسعار والخدمات بل أيضاً على الخيارات المتعلقة بموارد الطاقة -لا كما كان في العهد السابق (جميع الخيارات والسياسات يتحكم فيها هو)- و عليه يا جهازنا التنفيذي أي حكومتنا الجديدة أن تضع في أول اجتماع لها بند لسياسة موارد الطاقة في ليبيا الجديدة و الاتجاه نحو الاستثمار في مجال الطاقات المتجددة و استغلال الثروة العائدة من تصدير النفط  لصناعة تكنولوجيا الطاقات المتجددة حيت لا يمكن  الاتكال التام والمستمر على البترول لأن هذا فعل انتحاري في نهاية المطاف يحرم الأجيال القادمة من حقها في العيش في مستوى حياة الأجيال الحاضرة، و الآن أخوتي الوزراء نأتي إلى بعض المحاور التي تخص عمل الوزارة أو القطاعات و هي:

  • النقل: السيارة أصبحت أساسية و ضرورية  في حياة المواطن الليبي، و هي تعتمد على الطاقة المستمدة  من النفط و أسطول السيارات الموجودة و التي يتم استيرادها يومياً لليبيا تستهلك طاقة من النفط تبلغ ضعف ما يحصل عليه المواطن الليبي من طاقة من الطعام الذي يأكله. لو فكرنا جيداً – يا وزارة الموصلات – و قمنا بجولة داخل المدن الكبرى في ليبيا مثل طرابلس – و بنغازي و مصراته، ما هو المشهد العام؟ و كيف تعيش هذه المدن التي أصبح فيها عدد السيارات أكتر من عدد البشر؟! و لماذا يتم ركن السيارات في الشوارع العامة و الرئيسية؟  و لماذا كل شخص يريد ركن سيارته أمام مقر عمله أو منزله أو متجره أو المقهى الذي يريد شرب القهوة فيه، أو المطعم الذي يأكل فيه؟  إنه أمر محير لا يوجد له تفسير، و لماذا الدخول إلى قلب البلد أي إلى ميدان الشهداء؟ في جميع دول العالم ممنوع دخول السيارات الخاصة إلى وسط المدن الكبيرة ما عدا الركوب العام. و لماذا كل فرد في الأسره يريد سيارة خاصة به حتى وصل الأمر ببعض الأسر لديها 6 أو 7سيارات أو أكثر؟ بالتالي يا جهازنا التنفيذي يجب عليك و بأقصى سرعة العمل على توفير الركوب العامة أي الموصلات العامة و ترشيد المواطن على استخدامها لتخفيف الازدحام.
    كما يجب تحديد موديلات محددة يسمح باستيرادها ولا يسمح بدخول أي موديل إلى ليبيا، ورفع الدعم عن البنزين، وعلى هذا الأساس المواطن يفكر كثيراً عند ما يحين وقت استبدال وحشه الحديدي و يفكر في البدائل شراء طراز مقتصد للبنزين يوفر الوقود و المال معاً. وتعتبر السيارة أحد أشكال النقل المعتمدة على استهلاك الطاقة الأكثر قوة في المجتمع الليبي، هذه الحقيقة لم تأتي نتيجة استخدامها المباشر للوقود فقط، ففي الحقيقة تستهلك الباصات ذات الحمل الخفيف و الطائرات كميات أكبر من الوقود، إلا إن معدل مالكي السيارات في ليبيا حوالي  700سيارة لكل 1000 شخص وهذا معدل عالي بالنسبة لشبكة الطرق الليبية وعدد السكان، ومن هذا المنطلق تتطلب أنظمة المواصلات في ليبيا إعادة هيكلتها من جديد بالكامل لأن الآن يتم الاعتماد على استيراد السيارات الخاصة على حساب وسائل النقل الجماعي.                                                                                         

  • علاقة الغداء و الزراعة بالطاقة في ليبيا: ازداد استهلاك الغذاء من قبل المواطن الليبي زيادة كبيرة، و هي تسهم بشكل مباشر وغير مباشر في استهلاك الطاقة ولم تزداد القدرة الإنتاجية للمزارع في ليبيا بنفس النسبة التي تزداد بها الاستهلاك في النفط حيت أصبحت الزراعة الحديثة زراعة صناعية تستهلك طاقة بكل المضامين، إذ تحرق الجرارات والآلات الزراعية الأخرى المازوت أو الغازولين، و تصنع المبيدات الحشرية المستخدمة ضد القوارض والمبيدات العشبية من النفط و تنقل الحبوب والكيماويات والمحاصيل لمسافات طويلة بواسطة الشاحنات ويطهى الطعام عادة باستخدام الغاز الطبيعي ويغلف بالبلاستيك المصنع من مواد البترول قبل الوصول إلى المستهلك. و اليوم، أصبح الغذاء غالي بالنسبة للمستهلك لأن المزارعين يجدون أنفسهم ينفقون الكثير لإنتاج المحاصيل أكثر مما يحصلون عليه نتيجة بيعها.  نتج عن ذلك توقف الكثير من المزارعين عن ممارسة مهنة الزراعة وانتقلوا للعمل في وظائف أخرى و بالتالي انخفض عدد العاملين في الزراعة انخفاضا ًكبيراً مما ترتب عنه زيادة أسعار الخضرة و الغذاء.                          

  • التدفئة والتبريد: التكيف والتبريد و التدفئة أصبحت حاجة ضرورية للفرد و الأسرة في ليبيا، فمصدر الحرارة يمكن أن يعني الفرق بين الحياة و الموت. ليس لديّ احصائيات عن مقدار الطاقة المستهلكة لتسخين الماء و لتبريد الهواء و الكمية التي تصرف للإنارة وإدارة التجهيزات بما فيها البرادات، على أية حال التدفئة و التبريد وصلت إلى البيوت و المكاتب في ليبيا بواسطة الأنابيب و الأسلاك و تؤدي واجبها بصمت و بكبسة زر. إن عملية تسخين المياه و الطاقة الكهربائية لتبريد الأغذية أصبحت مكلفة و تستهلك طاقة تقدر بكمية كبيرة جداً، و إن عملية تقنين الاستهلاك في هذا المجال تحتاج إلى دراسة ذات جدوى اقتصادية من قبل خبراء مختصين يأخذوا في الاعتبار تكاليف انتاج الغاز والبترول.                                             

  • البيئة: ندرة الوقود الاحفوري والغاز مستقبلاً ستؤثر مباشرة على المجتمع في ليبيا بشكل مباشر وغير مباشر على البيئة الطبيعية، و من ضمن هذه التأثيرات اختفاء الغابات في ليبيا بالإضافة إلى الآثار المتعلقة بتسخين كوكب الأرض، و بما أن أنظمة المراقبة و التحكم و التقليل من نسبة التلوث تحتاج إلى طاقة بما فيها جمع القمامة و اعادة تصنيعها و حتى إذا انخفض إنتاج المواد الكيميائيه الجديدة فإن هناك مشكله في احتواء مصادر التلوث الموجودة حالياً في ليبيا.  بالعمل على الحد من تراكم القمامة ومياه الصرف الصحي و اعادة تقنين استهلاك البنزين وتقليص عدد السيارات و الآلات والشاحنات سوف تتناقص نسبة التلوث في ليبيا إلى حد ما.

إن أنظمة الصحة في ليبيا التي تقي الإنسان من الأمراض والطفيليات ما زالت حتى الآن عند مستوى متدني، فعمليات تكرير المياه و مياه الصرف الصحي و البحوث الطبية و استيراد الأدوية و توزيعها بطرق غير قانونية و غير صالحة للمواطن مستمرة، و هي بحاجة إلى طاقة و ما لم ترتفع كمية الطاقة المخصصة للمؤسسات الصحية الليبية في السنين القادمة فإن ليبيا ستواجه مشكلة ترتفع على أُثرها معدلات الأمراض بمختلف أنواعها. بالتالي، يجب على الجهاز التنفيذي و وزارة الصحة في ليبيا الجديدة العمل على الاهتمام بالمستشفيات العامة و تجهيزها بالكامل و هذا يحتاج إلى الطاقة الكهربائية لتشغيل كافة الأجهزة و المعدات و غرف العمليات و العناية المركزة و غيرها من المستلزمات الطبية التي تحتاج إلى طاقة. وأيضاً، مراقبة العيادات الخاصة التي تستنزف طاقة من الكهرباء دون أن تلعب دور في حل مشاكل المواطن الصحية، بل أصبحت كابوساً ثقيل مادياً على كاهل الموطن، و هي كالسرطان ينخر في جسم الإنسان.

وبخصوص القوة البشرية العاملة يجب على وزارة العمل و التدريب إعادة النظر في الكادر الوظيفي لكافة القطاعات عن طريق الرقم الوطني و الاعتماد على شروط العمل من ناحية المعيار الوظيفي، كما في دول العالم، و هي ما يقدمه الموظف من إنتاج أو خدمات حتى يتم توظيفه . وأخيرا نأمل إن يساعد هذا المقال على توضيح الوضع الذي نحن عليه الآن، و الإجراءات البديلة المتاحة أمامنا أيضاً، و أن يكون عوناً لحكومتنا لمعالجة ما تعانيه من مشاكل مزمنة من تراكمات النظام السابق، و البدء بإعادة بناء البنية التحتية لمؤسسات دولة عصرية تعتمد على الاكتفاء الذاتي بما هو متاح محلياً من غذاء وطاقة،  و هو المطلوب اليوم من الخبراء والباحثين في كافة مؤسساتنا البحثية .

كما أتمنى على من يطلّع أو يقرأ هذا المقال أن يتخذ سبل النجاة في خياراته الحياتية الشخصية و أن يضع نفسه في خدمة الآخرين خلال فترة التحول هذه. أود أن أختم حديثي ببعض الملاحظات الشخصية، حيث أن ما تطرقت له في هذا المقال ليس ساراً، و قد يجلب لمن يطلع عليه قلقاً فكرياً نوعاً ما، فعلى الليبيين استغلال ثروة البترول بطريقة أكثر كفاءة و بتمعن و مسؤولية و إدراكا للخيار. علينا اتخاذ القرار الذي نريد، هل نستمر في إهدار هذه الطاقة التي منّ الله علينا بها دون مبالاة، إلى إن نصل إلى النهاية المريرة و نحرم الأجيال القادمة من خير هذه النعمة؟ أم أننا سنقرر استغلال هذه الثروة الاستغلال الأمثل لتطوير ليبيا، و نرتب أمورنا ونهيئ الطريق أمام أولئك القادمين بعدنا من الأجيال ليعشوا في عز و رخاء؟

 

البريد الالكتروني للكاتب: muftahmahmoud4455@gmail.com

الزوار الكرام: يسعدنا مشاركتكم وتواصلكم حول هذا المقال

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

license
0 التعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
guest

شبكاتنا الاجتماعية

  • facebok
  • twitter
  • Instagram
  • Telegram
  • Youtube
  • Sound Cloud

يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

icons
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x