مجلة أجسر – مجلة عربية محكمة في مجال العلوم – زورو موقعنا

NULL

ميكروبات صنعت لها مكاناً في التاريخ – الطاعون

الكاتب

الكاتب : أ. د. عبدالرؤوف علي المناعمة

الجامعة الإسلامية – غزة / فلسطين

الوقت

04:49 صباحًا

تاريخ النشر

21, سبتمبر 2015

عرف التاريخ أحداثاً مفصلية غيرت مجراه، معارك طاحنة، ملاحم بطولية، أفكار إبداعية، اختراعات مذهلة وأناس عظام… لكننا اليوم سنتحدث عن ميكروبات طُبعت في ذاكرة التاريخ وصنعت لنفسها مكاناً في صفحات كتب التاريخ والطب على حدٍ سواء. حولت النصر إلى هزيمة، الغنى والرفاهية إلى فقر وعنت وفي أوقات أخرى إلى العكس تماماً.. ومن انتاج وازدهار إلى عجز واندثار. في هذه السلسلة من المقالات سنتناول أهم هذه الميكروبات، نعرض تاريخاً موجزاً عنها ونعرض أهم ما يميزها من خصائص أهلتها لتتبوأ مكانتها وكيف تعامل الطب أو العلم معها.

اليرسينية الطاعونية Yersinia pestis  

يحتل الطاعون مكانة مميزة في التاريخ القديم والحديث فقد ذكر في الإنجيل وذكره رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، ويعتقد بعض الباحثين أن انهيار الحضارة الرومانية بسبب انتشار مرض الطاعون من خلال الجنود العائدين من الحرب. و كان أيضاً من أهم أسباب فشل القائد الفرنسي نابليون في فتح عكا إبان الحملة الفرنسية هو تفشي الطاعون في جنوده.  القارات الثلاث أوروبا، أفريقيا وآسيا تفشّى فيها الطاعون في أوقات متعددة.

سُمي المرض بالطاعون أو بالموت الأسود و تميز بنسبة الوفيات العالية التي قد تصل إلى 50% و التاريخ العلمي سجل انتشاراً شهيراً للطاعون عُرف باسم طاعون جوستينيان "باسم الامبراطور البيزنطي جوستين" سنة 451 بعد الميلاد واستمر حدوث أوبئة متقطعة لمدة 200 سنة قتلت حوالي 25 مليون انسان و امتد الوباء إلى معظم دول حوض المتوسط.

 

أما في العام 1334 فقد بدأ انتشار ما عرف "بالموت الأسود" أو الطاعون العظيم في الصين و منها إلى القسطنطينية و سائر أوروبا حيث حصد حوالي 60% من مجموع سكان أوروبا. بعض المؤرخين جعل حدوث هذا الوباء سبباً من أسباب النهضة في القرن الرابع عشر حيث سبب الطاعون نقصاً كبيراً في الأيدي العاملة الأمر الذي أجبر الناجين على الحداثة والنهضة.

الطاعون في عصرنا الحديث

أيضاً كانت نقطة انطلاقه من الصين في ستينيات القرن التاسع عشر وبعدها إلى هونج كونج في أواخر القرن و حتى بداية القرن العشرين. وكان قد انتشر عبر الجرذان في السفن البخارية. هذه المرة حصدت الجائحة حوالي 10 ملايين شخص.

 

وفي هذا الوباء تم معرفة أن مسبب الطاعون هو بكتيريا و أن المرض ينتقل عبر براغيث الجرذان. هذه المعلومات ساعدت في إيقاف الطاعون من خلال مكافحة البراغيث والجرذان خاصة في المدن، بينما يعتقد أن المرض ما زال متوطنا في المناطق الريفية من خلال حمل الميكروب من قبل بعض أنواع السناجب والثدييات الصغيرة. هناك حالات نادرة من الإصابات تسجل في مختلف انحاء العالم لتبقي العالم بأسره متيقظاً، حذرا وخائفاً من هذا المرض المرعب.

طاعون عمواس

طاعون عمواس الشهير في التاريخ الإسلامي سمي بطاعون عمواس نسبة إلى بلدة صغيرة في فلسطين بين الرملة وبيت المقدس، و ذلك لأن الطاعون بدأ منها قبل أن ينتشر في بلاد الشام. و من أبرز من قضوا فيه من الصحابة أبو عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل ويزيد بن أبي سفيان وسهيل بن عمرو وغيرهم من أشراف الصحابة. بعض المؤرخين قدّر أن هذا الطاعون قد حصد أرواح قرابة 25,000 إنسان.

أما رسولنا الكريم صلوات ربي وسلامه عليه فقد قال (إِذَا سَمِعْتُمْ بِالطَّاعُونِ بِأَرْضٍ فَلَا تَدْخُلُوهَا، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا مِنْهَا) رواه البخاري (5728) ومسلم (2218). و من أجمل المعاني في هذا الحديث تفسير كلمة إذا سمعتم وهي كلمة تستخدم للتعبير عن عدم رؤية الحدث معاينة أي إذا اخبرتم أو وصل إلى مسامعكم بأي شكل من الاشكال بأن الطاعون قد نزل بأرض فلا تذهبوا إليها "تقليلاً من الخسائر" و "منعاً لانتشار المرض".

ولعل هذا الحديث يكون أول قواعد الحجر الصحي الذاتي في العالم و أوكد على مفهوم الحجر الصحي الذاتي دون قيود من الحاكم أو سلطته سواء العسكرية أو الصحية، و لتعزيز هذا المفهوم عند المسلمين روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الشهداء خمسة، المطعون، المبطون، والغريق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله) وبجعل الموت بالطاعون درجة الشهادة تجعل من المسلم أكثر التزاماً باتباع القاعدة بشكل تلقائي و ذاتي و هذا من شأنه أن يحصر المرض في بؤرته.

سجل في القرن العشرين بعض الأوبئة المحدودة في الهند و في فيتنام و لم يشهد العالم منذ ذلك الوقت أوبئة واسعة و بقي الأمر محصوراً في بعض المناطق في أفريقيا و تسجل حالات متفرقة. و لابد أن نذكر هنا أن التطور في مكافحة القوارض و الحشرات و اكتشاف المضادات الحيوية كان له الأثر الأكبر في تضاؤل قدرة الطاعون على الانتشار والقتل.

 

بكتيريا اليرسينية الطاعونية أو ""Yersinia pestis هي بكتيريا سالبة الجرام تنتمي لعائلة المعويات Enterobacteriacae"" شكلها عصوي 

 

مائل إلى الكروي "Cocco-Bacilli" و يمكن التعامل معها و تشخيصها مخبرياً بسهولة خصوصاً مع تطور تقنيات الوراثة الجزيئية و تستجيب لعدد من المضادات الحيوية التقليدية وأهمها التتراسيكلينات.

 

بقى الخشية من تفشي الطاعون متمثلة في الاستخدام العسكري لهذا الميكروب من خلال الحرب البيولوجية أو ما يعرف بالإرهاب البيولوجي. و هناك أيضاً خشية من انشار سلالات من اليرسينية الطاعونية ذات قدرة على مقاومة المضادات الحيوية الامر الذي سيعقد عملية السيطرة على الأوبئة حال انتشارها.

 

البريد الإلكتروني للكاتب : elmanama_144@yahoo.com

الزوار الكرام: يسعدنا مشاركتكم وتواصلكم حول هذا المقال

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

license
0 التعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
guest

شبكاتنا الاجتماعية

  • facebok
  • twitter
  • Instagram
  • Telegram
  • Youtube
  • Sound Cloud

يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

icons
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x