نبات الغاف؛ عسيليّ الأزهار أو (المسكيت (The mesquite، الاسم العلمي (Prosopis juliflora). نوعٌ من النباتات؛ يتبع جنس الغاف من الفصيلة البقولية، وينتمي نبات الغاف عسيلي الأزهار إلى عائلة الأكاسيا، ويُصنّفه بعض العلماء أنّه من البقوليات، بسبب شكل قرونِه التي تحوي البذور، إضافة إلى امتلاكه ميزة العقد النيتروجينية.
ينمو هذا النبات حتى ارتفاع 12م، بجذعٍ يصل عرضُه إلى مترٍ وعشرين سنتيمتر، ويزهر النبات سريعًا بعد نمو أوراقه، وتتميز زهورُه باجتماعِها في نَوْرة كروية قُطرها 1سم، وقرُونٍ طويلة تصل إلى 18 سم، كما أن ثمارهُ الحاوية للبذور؛ تكون على هيئة قرونٍ صفراءَ قد يصل طولُها لثلاثين سنتيمترا. ويُعدُّ نبات الغاف عسيليُّ الأزهار؛ نباتًا عدوانيًا سريع الامتداد، ويرجع موطنُه الأصلي إلى أمريكا اللاتينية (بيرو). ويتميز هذا النبات بطول جذوره التي تمتد عميقا وصولا إلى الفرشة المائية، حيث اكتُشفَتْ على عُمق 53 مترًا في أحد المناجم في ولاية أريزونا الأمريكية، ولهذا تعتبر تلك الجذور من أعمق الجذور توغلَا في التربة على الإطلاق.
نباتٌ مجتاح من الطِّراز الأول
يُعتبَر نبات الغاف عسيلي الأزهار؛ نباتًا مجتاحًا أو غازيًا، والنوع المجتاح أو النوع الغازي (Invasive species) مصطلحٌ يُستخدم في عِلم الأحياء لتصنيف نباتٍ أو حيوانٍ ينشر في بيئات مختلفة بطريقة مفرطة وغير طبيعية ويهدد الكائنات الأخرى التي تسترك معه المحيط والبيئة التي يتمدد فيها.
- التعريف الأول: هو الأكثر استخداماً، ينطبق على الأنواع غير الأصلية، أو "غير الواطنة (non-native) من النباتات أو الحيوانات التي تؤثر سلبا على الموائل والمناطق البيئية التي تغزوها، تأثيراً اقتصادياً أو بيئيا أو إيكولوجياً. وتؤثر هذه الأنواع عن طريق الهيمنة على منطقة، أو عدَّة مناطق، ويشمل الأنواع الغازية غير الواطنة، الموصوفة بأنها آفات نباتية غازية تنمو ضمن نباتات واطنة.
- التعريف الثاني: يشمل الأنواع المحلية أو الواطنة، إضافة إلى تلك الكائنات الوافدة على بيئة غير بيئتها، والتي تهيمن على البيئة وتؤثر على كائناتها الأصلية بل وتهدّد وجودَها. ونجح نبات الغاف عسيلي الأزهار في الانتشار بشراسة ضمن معظم قارات العالم، بدءاً من موطنِه الأصلي في القارة الأمريكية الجنوبية (بيرو)، ليوصَفَ بأنه عشبة ضارة شديدة الضراوة، في البلدان التي تم إدخالُه إليها بفعل بشري؛ بُغية مكافحة التصحّر أو بصورة عفوية عبر نقل المواشي والطرائد لبذوره ونشرها، تلك البذور التي تحتفظ بقدرتها على الإنبات لمدة عشر سنوات؛ في انتظار الظروف الملائمة لذلك، فيستمر في التقدم بصورة قل نظيرُها؛ نتيجة لخصائصه التي تجعلُه أشد استعدادًا للانتشار في الظروف البيئية الصعبة والقاحلة، وتحمُّلِه الاستثنائي للجفاف ورداءة التربة والملوحة، ومما يجعله يزداد انتشارًا؛ صعوبة مكافحتِه بيولوجيًا، والارتفاع الشديد لكلفة مكافحته، نظرًا لقدرة النبات على العودة للنمو من مستوى الجذور.
وقد يكون الضررُ الذي يُسببه النبات في سرعة انتشاره واستعصائه على المكافحة، ناشئَا عن قدرته الكبيرة على الاستئثار بالمياه في التربة بصورة تفوق معظم أنواع النباتات الأخرى، كما يقوم بحجب ضوء الشمس عن النباتات الأخرى بحيث تفتقد للمياه والضوء مؤديًا ذلك لضعفِها وموتها، وهناك اعتقاد بأن النبات يطلق من جذوره موادًا كيميائية تؤدي إلى إيذاء النباتات الأخرى، وهذه الظاهرة معروفة باسم (التضاد البيوكيميائي) أو التضاد الإحيائي الكيماوي (ظاهرة الأليلوباثي Allelopathy)، وهي تتضمن إفراز النباتات لمركبات أيضية ثانوية تُعرف بالأليلوكيميائيات؛ إلى الوسط المحيط لتثبيط نمو وتطور النباتات الأخرى. وتقوم النباتات بهذا الإجراء للتخلص من نباتات تنافسُها أو قد تنافسها على الغذاء والحيز والماء؛ مؤديًا في النهاية إلى إضعافها وجعلها عاجزة عن المنافسة في النمو الطولي والجذري؛ وبالتالي احصار نموّها أو موتِها في أسوء الحالات.
هذا النبات منافس، قاتلٌ لكل أنواع الغطاء النباتي، بدءًا بالأشجار وصولًا للأعشاب التي ترعى عليها المواشي والطرائد، كما أن طريقة نموه في تجمُّعات كبيرة، تجعل البقاع الظليلة أسفله موطنا مناسبا لكثير من الكائنات الضارة من الزواحف والحشرات والحيوانات البرية كابن عرس والقطط البرية والخنازير.
يَغزوُ ويَنتشر على مساحات شاسعة.
أُدخل نبات الغاف عسيلي الأزهار أول الأمر إلى جزيرة سريلانكا في القرن التاسع عشر، وغدا من حينها أحد أسرع نباتات الأحراش تكاثرًا، كما أنّه يعدّ نباتَا حرشيًا ضاراً منتشرًا بشدّة في الشرق الأوسط، والقِرن الإفريقي وغرب إفريقيا وجنوب إفريقيا وشبه القارة الهندية وقارة أستراليا، وجنوب غرب الولايات المتحدة.
ضرب هذا النبات إقليم العفر في جمهورية إثيوبية الفيدرالية، إثر إدخاله إلى البلاد في نهاية السبعينيات بغرض مكافحة التصحّر، إلّا أن ذلك كان سببًا في تغيير بيئي خطير، أدى إلى استئثار هذا النبات بمساحات شاسعة، وأدى إلى هلاك النباتات الطبيعية التي كانت متوطنة في الإقليم، ومحدثًا تغييرات جذرية مُدمرة في تلك المنطقة ذات الموارد البيئية المحدودة والدقيقة في تنوعها، مما أضر بمواطن وجود سلالات حيوانية متوطّنة، كما أدّى إلى ضرب المراعي مخلّفًا خسائر اقتصادية وبيئية للسكان المحليين، مع تسبب بذوره في تسمم المواشي في حال تناولت كميات كبيرة منها، مع عدم صلاحية أوراقه كعلف، مما جعل النبات يستحق التسمية التي عرَّفَه بها السّكان في الإقليم "نبات الشيطان"، ويزيد في صعوبات التعامل معه؛ عدم وجود خبرة سابقة وجهل الناس بأضرار هذا النبات، حيث يعمد السكان إلى إنشاء الحواجز والحدود للحظائر والأراضي المراد تقسيمها بغرس هذا النبات. غزتْ شجرة المسكيت بلاد الصومال منذ عقود قليلة، وحاليًا لا تخلو اليوم مدينة أو قرية أو بادية، وحتى ضفاف الوديان في ربوع الصومال من هذا النبات، الذي اكتسحَ كل النباتات التي يصادفُها في طريقِه، مؤديًا إلى تراجع المساحات الصالحة للزراعة بسبب الملوحة التي يخلّفها في التربة رغم منظره الأخضر الجميل، والظلال التي يخلقها في مناطق انتشاره.
مكافحة نبات الغاف العسلي
من الطرق المعتمدة في التخلّص من هذا النبات بعد قص جذعه، إحراق أسفل الجذع لدرجة تقتل فيه أي حياة، ويعتمد البعض وضع الزفت/الأسفلت على وجه الجذع المقطوع لخنق النبات، أو صباغة تلك المنطقة بزيت المحركات المحترق، والذي يعتقد الكثيرون بأنها أفضل وسيلة بديلة عن الزفت/الاسفلت. ولا يصمد أمام هذا النبات سوى نبات البرشومي (التين الشوكي).
الاستفادة من نبات الغاف العسلي
بعد أن تأخرت الحلول عقودا في مكافحة انتشار شجرة المسكيت، والتي تحولتْ من نعمة لمكافحة التصحر إلى نقمة تُدمر أخصب الأراضي الزراعية في السودان على مساحات تقدر بـ 700 ألف فدان؛ حيث تنتشر هذه الأشجار على مدِّ البصر بولاية كسلا، لتخرج تلك الأراضي التي كانت تفيض بالخيرات من دائرة الإنتاج. قامت وزارة الزراعة بولاية كسلا بمحاولة تبدو أشبه بمحاولات الفرصة الأخيرة للقضاء على هذه الآفة؛ باستخدام الآليات الثقيلة لاقتلاعها من جذورها والاستفادة منها اقتصاديا، وتمكنت الوزارة من استصلاح أكثر من 800 فدان وإزالة النبات منها، وأصبحت جاهزة تماما للزراعة من قبل المواطنين في المنطقة. وأكتشف الباحثون السودانيون أن فحم شجرة المسكيت من المنتجات الاقتصادية الحيوية التي تشجع على الاستمرار في مكافحتها، فالفدان الذي نمت فيه هذه الشجرة ينتج طنا من الفحم القابل للتصدير لكثير من دول العالم، وأكثر من ذلك فإن عمليات الإزالة شجعت المزارعين على استئناف الزراعة بعد توقف دام أكثر من ثلاثة عقود. ومن جهتِها تستعد وزارة الزراعة بولاية كسلا؛ لوضع ضوابط جديدة تمنع انتشار الشجرة في المناطق التي أزيلت منها؛ ورغم هذه الجهود فإن الشجرة التي تصل جذورها إلى أكثر من مائة قدم في باطن الأرض بحثا عن الماء، فإنها في أغلب الأحيان تعاود نموَّها. من خلال الدراسات الحديثة التي اهتمت بدراسة هذا النبات حول العالم، تبينَ أن هناك العديدَ مِن الأفكار المتاحة لاستغلال هذه الشجرة العنيدة، وتحويلها مِن نقمة إلى نعمة، وذلك من خلال العناصر التالية:
1- الغذاء:
- يمكن أن يتم تحضير طحين غني ولذيذٍ من القرون المسحوقة التي يتم إزالة البذور منها.
- يمكن طحن الفلقات والأجنة؛ واستخدامُها كمسحوق طحين غني بالبروتين مناسب لمرضى السكري.
- تستخدم القرون المصنعة في إنتاج السكريات والمحليات، التي تستخدم لإعداد الخبز والحلويات والشراب والقهوة.
2- العلف:
- القرون الناضجة تحتوي على 12-14% من البروتين الخام. ويستخدم طحينها كأعلاف للماشية.
- في جنوب أفريقيا، يتم استخدامها في تغذية الأغنام، ويتم تقديم الأجزاء القصيرة من الألياف إلى الخنازير والدواجن.
3- تربية النحل: هذا النوع؛ هو مصدر رئيسي للعسل في بوليفيا وجامايكا وباكستان وسريلانكا وأستراليا.
4- الوقود:
- يمكن استخدام السيقان والفروع كحطب جيد لتوفير فحم ذو جودة عالية.
- يتم استخدام فحم الشجرة للشواء في الولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك.
5- الألياف: يمكن استخدام هذا النبات كمصدر جيد للألياف لإنتاج الورق والورق المقوى.
6- الأخشاب: يتم استخدام الخشب في صناعة الأثاث المنزلية.
7- الصمغ أو الراتنج: يحتوي خشب القلب الصلب لنبات الغاف عسيلي الأزهار؛ على كميات كبيرة من المركبات البوليفينول القابلة للاستخراج، والتي يمكن عزلُها، ومركبات فلافينول الفريدة من نوعها المستخدمة في تشكيل راتنجات بوليمر فينول الفورمالديهايد جديدة.
8- التانين أو الصبغ: التانين أو الصبغ يمكن استخراجها من النبات.
9- الكحول: تستخدم القرون في الأرجنتين وشيلي وبيرو كعنصر هام لصناعة المشروبات الكحولية والكوكتيلات.
10- الطب:
- الشراب المحضر من قرون شجرة المسكيت، لديه تأثيرات طبية مختلفة، يُعطى للأطفال الذين يعانون من نقص الوزن أو التخلف في التطور الحركي.
- يعتقد أن هذا الشراب يساعد على زيادة الرضاعة.
- كما أنه يستخدم لإعداد شراب طبي لعلاج البلغم. ويعتقد كذلك أن الشاي المصنوع من ورق النبات؛ له خاصية علاجية للاضطرابات الهضمية والآفات الجلدية.
المصادر:
بريد الكاتب الالكتروني: tkapiel@sci.cu.edu.eg