مجلة أجسر – مجلة عربية محكمة في مجال العلوم – زورو موقعنا

NULL

ميكروبات صنعت لها مكانا في التاريخ – شلل الأطفال

الكاتب

الكاتب : أ.د. عبدالرؤوف علي المناعمة

الجامعة الإسلامية – غزة / فلسطين

الوقت

04:01 صباحًا

تاريخ النشر

23, مايو 2017

عرف التاريخ أحداثاً مِفصلية غيَّرتْ مجراه، كما شهِدَ معاركَ طاحنة؛ وملاحم بطولية؛ وأفكاراً إبداعية؛ واختراعاتٍ مذهلة؛ وأُناساً عِظاماً غيَّروا مسار العالم. واليومَ؛ سنتحدث عن ميكروبات طُبعتْ في ذاكرة التاريخ، وصَنعتْ لِنفسها مكاناً في صفحاته.

شلل الأطفال (poliomyelitis)

شلل الأطفال (poliomyelitis) هو أحد الأمراض شديدة العدوى التي أثارتْ مخاوف البشر في بداية القرن العشرين. وكان الأطفال الذين قلَّتْ أعمارُهم عن 5 سنوات، الفئة الأكثر عرضة للإصابة به، كما يُصيب الكبار أيضاً. على الرغم من أن مُعظم الناس تعافوا بسعة منه، إلا أن البعض الآخر قد عانى من شلل مؤقت أو دائم وحتى الموت، وانتهى الناجون من المرض بإعاقة لازمتهم مدى الحياة، ليكونوا بذلك شاهدا على حجم الخسائر البشرية التي تسبب فيها هذا المرض عبر السنين. يعود تاريخ شلل الأطفال إلى حوالي 6000 سنة، فقد عُثر على بعض المومياوات المصرية بأطراف مُشَوَّهة، والتي يُحتمل أن تكون بسبب مرض شلل الأطفال. وتم تسجيل أول وصف لشلل الأطفال عام 1789، بينما حدثت أول حالة وبائية موثَّقة عام 1834 في جزيرة سانت هيلينا. ويعد الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت أحد أشهر الأشخاص الذين أصيبوا بشلل الأطفال. في سنة 1951، تم عزل الأنواع الثلاثة لفيروس شلل الأطفال وتحديدها. وخلال عام 1954، تم إجراء أول تجربة واسعة النطاق للقاح الذي وضعه الدكتور "جوناس سالك" (لقاح الفيروس الميت) عن طريق الحقن، وفي عام 1958، تم تجربة لقاح الدكتور "ألبرت سابين" (لقاح الفيروس المضعّف) عن طريق الفم. بعد فترة وجيزة من إدخال اللقاحات، استطاعت الدول الصناعية أن تُسيطر على شلل الأطفال وأن تقوم بإزالتِه من قائمة مشاكل الصحة العامة لديها، أما عن البلدان النامية، فقد استغرقتْ وقتاً أطول للتخلص من هذا المرض الفتاك. في السبعينات من القرن الماضي تم إدخال التحصين (التطعيم/التلقيح) الروتيني في جميع أنحاء العالم؛ كجزء من برامج التحصين الوطنية، مما ساعد على مكافحة المرض في العديد من البلدان النامية.

عندما بدأت المبادرة العالمية للقضاء على شلل الأطفال عام 1988، تم تحصين أكثر من 5 بليون طفل ضد شلل الأطفال؛ بفضل تعاون أكثر من 200 بلدٍ و20 مليونَ متطوع، مدعومين باستثمار دولي يزيد عن 11 مليار دولار. وبحلول عام 1988، اختفى شلل الأطفال من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا وكثيرٍ من دول أوروبا. ولكنه ظل منتشراً في أكثر من 125 بلداً. وفي نفس العام، اعتمدت منظمة الصحة العالمية قرارا للقضاء على المرض تماما بحلول عام 2000. منحت منظمة الصحة العامة القارة الأمريكية شهادة خلوها من شلل الأطفال عام 1994، مع آخر حالة تم تسجيلُها في منطقة غرب المحيط الهادئ، والتي شملت الصين، عام 1997، وأعلن عن المنطقة الأوروبية أنها خالية من شلل الأطفال عام 2002. في عام 2011، تم تسجيل إصابة في الصين التي بقيت خالية من شلل الأطفال لأكثر من عقد من الزمن. وعلى الرغم من هذا التقدم الكبير، ظل شلل الأطفال في عام 2012 مستوطنا رسميا في أربعة بلدان هي أفغانستان ونيجيريا وباكستان والهند. وفي عام 2013 عادت الصين إلى وضعها الخالي من شلل الأطفال، ولم تسجل أية حالة بعد عام 2011. اقتصرت البلدان التي يستوطنها شلل الأطفال في عام 2015 على باكستان وأفغانستان فقط (عدد محدود من الحالات).

فيروس شلل الأطفال

فيروس شلل الأطفال من الفيروسات الصغيرة ذات الحمض النووي الريبوزي (RNA)، وهي من الفيروسات المعوية التي تندرج ضمن عائلة الفيروسات البيكورناوية (Picornavirus). تقوم هذه الفيروسات بتدمير خلايا الحبل الشوكي، تحديداً خلايا القرن الأمامي (anterior horn cells). هناك ثلاثة أنواع من فيروسات شلل الأطفال. ويساهم النوع الأول بما يقارب 85% من حالات العدوى الشللية.  هذه الأنواع هي سلالات فيروسية مختلفة من ناحية الاستضداد (antigenicity)، فالتحصين ضد أحد الأنواع لا يعني الحماية ضد النوعيْن الآخريْن.

انتقال فيروس شلل الأطفال

يعيش فيروس شلل الأطفال في الحلق والأمعاء، ويصيب البشر فقط، وهو بذلك ينتقل بين الأشخاص عند الاتصال مع براز المريض أو عن طريق رذاذ السعال والعطس، كما ويمكن أن ينتقل عن طريق الطعام والماء الملوثين.

أعراض الإصابة بشلل الأطفال

على الرغم من أن شَلل الأطفال؛ يمكن أن يسبب الشلل والموت، فإن الغالبية العظمى من الأشخاص المصابين بفيروس شلل الأطفال، لا يشعرون بأي شيء ولا يدركون أنهم مصابون بالمرض. هناك شلل الأطفال الشللي (paralytic polio)، وشلل الأطفال غير الشللي (non-paralytic polio).

أعراض شَلل الأطفال غير الشللي

الحمى، التهاب الحلق، الصداع، الإعياء، التقيؤ، آلام الظهر والرقبة، آلام أو تصلب الذراعين والساقين، ضعف العضلات، والتهاب السحايا.

أعراض شلل الأطفال الشَّلَلي

فقدان الـمُنعَكَسات (reflexes)، وملاحظة الشلل الارتخائي (flaccid paralysis) المتمثل في الأطراف المرنة والمرتخية، إضافة إلى آلام حادة؛ وضعف في العضلات.

المضاعفات
في بعض حالات شلل الأطفال الشللي الشديدة، قد يحدث شلل في الحلق والصدر، كما وتزيد احتمالية وفاة المريض في حالِ عدم حصولِه على دعم التنفس الاصطناعي. يموت حوالي 2% -5% من الأطفال المصابين بشلل الأطفال، بينما تبلغ نسبة الوفيات بسبب المرض في البالغين 15% -30%.

عوامل الخطر التي ترفع فُرص الإصابة بشلل الأطفال

  • عدم الحصول على اللِّقاح ضد الفيروس.
  • الأشخاص في مناطق الحروب وذلك لانقطاع وصول اللقاحات لهم.
  • الأشخاص في سنٍّ صغيرٍ جدا..
  • النساء الحوامل.
  • الأشخاص ذووا المناعة الضعيفة (مرضى الإيدز والسرطان).
  • .السفر إلى المناطق التي يتواجد فيها الفيروس.
  • المخبريون الذين يتعاملون مع الفيروس.
  • مُقدِّمُوا الرعاية الصحية لمرضى شلل الأطفال.

 

التشخيص والفحوصات المختبرية لِشلل الأطفال.

يكون التشخيص الأولي للمرض في معظم الأحيان؛ من خلال الأعراض التي تصيب المريض، مثل تصلب الرقبة والظهر، وردود الفعل غير الطبيعية، وصعوبة البلع والتنفس. أما التشخيص النهائي فيكون من خلال فحص عينات المريض سواء مخاط، براز أو السائل النخاعي (cerebrospinal fluid).

علاجُ مرضِ شَلل الأطفال

 العديد من الحالات تشفى دون مضاعفات تُذكر؛ وبدون تدخل طبي. ولا يوجد علاج من شأنه أن يشفي شلل الأطفال، إلا أن التشخيص المبكر والعلاجات الداعمة مثل الراحة في الفراش، ومراقبة الألم، والتغذية الجيدة، والعلاج الطبيعي لمنع حدوث التشوهات مع مرور الوقت، يمكن أن تساعد في الحد من الأعراض على المدى الطويل بسبب فقدان العضلات.

 

الوقاية

لِقطع الطريق على الفيروس لابد من إتباع قواعد النظافة العامة والشخصية، بالإضافة إلى الجهود في توفير مياه صحية نظيفة وآمنة، والتخلص الآمن من المياه العادمة. وربما أفضل طريقة لمنع شلل الأطفال؛ هي الحصول على التطعيم الذي يجب على الأطفال الحصول عليه وفقا لجدول التطعيم الذي تقدمه مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC). قد تتسبب جرعات التطعيم في بعض الحالات النادرة؛ حساسيةً خفيفة أو شديدة مثل: مشاكل في التنفس، ارتفاع في درجة الحرارة، دوخة، قشعريرة، تورم الحلق، ومعدل ضربات القلب السريع. يجب التأكيد أن التطعيم ضد فيروس شلل الأطفال ساهم في خفض حالات الإصابة بنسبة تفوق 99%، وتم الإبلاغ عالمياً عن 74 حالة فقط في عام 2015. وتستعد الكثير من البلدان؛ للحصول على شهادة من منظمة الصحة العالمية، تُفيد بخلوها من مرض شلل الأطفال. ومن هذه الدول نجد؛ فلسطين التي لم تُسجل فيها أي حالة شلل أطفال منذ عدة سنوات، ويتوقع أن تحصل على الشهادة في بحر هذا العام (2017).

 

بريد الكاتب الالكتروني: elmanama_144@yahoo.com

الزوار الكرام: يسعدنا مشاركتكم وتواصلكم حول هذا المقال

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

license
0 التعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
guest

شبكاتنا الاجتماعية

  • facebok
  • twitter
  • Instagram
  • Telegram
  • Youtube
  • Sound Cloud

يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

icons
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x