المحميات الطبيعية صيانة للتراث البيئي السياحي
الكاتب : صليحة عشي
الكاتب : أ.د. محمد لبيب سالم
مدير مركز المشروعات والابتكارات ونقل التكنولوجيا
02:55 صباحًا
05, يناير 2016
من السهولة و بإمكان أي إنسان متعلم أو جاهل أن يهاجم ويسب ويجادل في موضوع ما، ولكن من الصعوبة بمكان وزمان أن يمتلك القدرة على نقد الموضوع. فمن ينقد هو عالم باحث عن الحقيقة. وإثبات الحقيقة يحتاج إلى معطيات وأدوات للوصول إلى برهان بدلائل قاطعة. ولذلك نرى العديد من الأبواق المفتوحة على مصراعيها لكثير ممن تحولوا إلى نقاد دون أن يدركوا أن للنقد وسائل وأدوات ورؤية ورسالة يجب أن يحملها الناقد ولو نقد مرة واحدة في العمر.
النقد عامة والعلمي خاصة هو الأرقى لأنه يعتمد على مناقشات علمية تماماً كما يحدث في كتابة البحوث العلمية قبل نشرها. فما جزء المناقشة "DISCUSSION" في أي بحث علمي سوى مثال واضح من حوار تبادل الآراء dialogue النقد العلمي البناء الذي تُعرض فيه نتائج البحث وتناقش من ناحية، بناءً على المتاح من معلومات سابقة، سواءً اتفقت أو اختلفت مع نتائج الباحث، ومن ناحية أخرى من وجهة نظر الباحث، ثم إعطاء الخلاصة والتوصيات. وما تحكيم المشروعات والأبحاث إلا نقد علمي رفيع المستوى لا يمكن أن يقوم به أحد إلا إذا كان صاحب خبرات، و إلا قد يؤذي صاحب العمل العلمي بسبب عدم درايته بهموم ومصاعب وتحديات إجراء البحوث، والفارق بين الكلام النظري والتجربة العملية.
إذاً، كل من يشتغل بالبحث العلمي يجب أن يكون ناقداً علمياً متبعاً الأصول العلمية، وإلا أصبح مثله مثل المجادل بالشارع الذي يتبع هواه المبني على الهجوم المبرر والغير مبرر على الآخر. فالنقد العلمي هو نوع من التفكير المنطقي CRITICAL THINKING الذي لا يتأتى ولا يُكتسب إلا بالدراسة والممارسة العملية والمهنية. والقدرة على التفكير المنطقي لا تولد بين يوم وليلة بل هي خبرة تراكمية تعتمد على التعلم في المراحل المدرسية المختلفة حتى الجامعية. وقد يفسر انتشار النقد الهجومي العشوائي والجدلي الذي ينتمي إلى رؤية صاحبه "كطرف أول" وإهمال صاحب موضوع النقد "كطرف ثاني" إلى غياب هذا النهج العلمي في مناهج التعليم في مصر والذي يعتمد فقط على التلقين والحفظ، فينموا العقل ويتربى ويتعود على الرأي الواحد في حالة التحدث عن النفس وعن الهجوم المبرمج في حالة نقد الآخر دون البحث والتفكير في المعطيات والدلائل.
والفرق بين العالم والجاهل هو الفارق بين العلم والجهل. وأرقى العلماء درجة هو القادر على النقد العلمي باستخدام الأسس العلمية الرصينة المتعارف عليها والثابتة لدى المجتمع العلمي. فكما للعلوم الدينية شيوخها وطلابها ومريديها والباحثين فيها، فكذلك العلوم الطبيعية والطبية والهندسية بالإضافة إلى علوم التكنولوجيا. وفي أي علم من العلوم يجب أن يكون النقد العلمي مستوفي للشروط المتفق عليها وإلا تحول الأمر إلى جدل وشعوذة نقدية تتأثر بالعلاقات والطموحات والنفوذ. ومع أن هناك الكثير من القواعد المعمول بها في أصول النقد العلمي، إلا أنني سوف أسوق هنا عشرة نقاط أساسية أراها ضرورية لأن يتحلى ويتسلح بها الناقد العلمي ليكون حيادياً ومنطقياً في تناول الأمور العلمية بمنطق يتناسب مع شرف النقد وهيبة العلم.
النقد العلمي قد يتحول إلى نقمة وفتنة أو نعمة ومنة، وعلى الناقد أن يختار أن يكون صاحب نعمة أو فتنة. وكما أنه لا يمكن أن يكون هناك أب من غير مولود منه أو له، فكذلك لا يمكن أن يكون هناك ناقد أدبي دون أن يمارس الكتابة، ولا يمكن أن يكون هناك ناقد رياضي دون أن يمارس الرياضة، ولا يمكن أن يكون هناك ناقد سينمائي دون أن يكون قد مارس الفن، ولا يمكن أن يكون هناك ناقد علمي دون أن يكون قد مارس إجراء التجارب في المختبر، فكيف للناقد أن يتفهم عقلية من ينقده دون أن يعيش همومه و تجربته؟
بريد الكاتب الإلكتروني: Mohamed.labib@science.tanta.edu.eg
الكلمات المفتاحية