مجلة أجسر – مجلة عربية محكمة في مجال العلوم – زورو موقعنا

فيروس التهاب الكبد سي صعب المِراس

الكاتب

الكاتب : د. رضا محمد طه

أستاذ الميكروبيولوجيا - كلية العلوم - جامعة الفيوم

الوقت

02:13 صباحًا

تاريخ النشر

25, فبراير 2016

لا شك في أن فيروس التهاب الكبد سي "HCV" يمثل لنا أهمية كبيرة، خاصة في مصر. حيث أنه يمثل أكبر نسبة إصابة فيروسية تقدر نسبتها بأكثر من 10% من عدد السكان، أي أكثر من عشرة ملايين، لكن الأمل في هبوط هذه النسبة الآن أصبح كبيراً بعد ظهور بعض الأدوية "مثل سوفالدي" والذي يعطي نسبة شفاء تفوق 90%.

هو الفيروس كروي الشكل، صغير الحجم (55-65 نانوميتر) محاط بغلاف مكون من طبقتين من الدهون ذات أصل خلوي "أي مأخوذة من غشاء الخلية التي خرج منها" مغروس فيها جليكوبروتينات من مكونات الفيروس الأصلية تسمى E1 وE2 يحمل شفرتها منطقة على جينوم الفيروس-آر إن إيه-تُسمى المنطقة الفائقة التغير والمسئولة عن سرعة التطفر في الفيروس وظهور طفرات جديدة.

من المعروف أن معدل التطفر عموماً في الفيروسات التي تحتوي "آر إن إيه" أعلى بكثير منه في الفيروسات التي تحتوي "دي إن إيه"، حيث تحتوي الأخيرة على نظام إنزيمي يصحح الأخطاء الناجمة عن بلمرة النيوكليوتيدات عند تكوين الحمض النووي الفيروسي الجديد، وتلك النظم تغيب في الفيروسات التي جينومها آر إن إيه، وهذا يفسر وجود مدى واسع لسلالات أو أنواع جينية من فيروس سي. هناك سبعة أنواع جينية معروفة-1-7-حتى الآن لفيروس التهاب الكبد سي، وينتشر في مصر النوع الجيني 4. وتختلف الأنواع الجينية عموماً في حوالي من 30-35% من ترتيب القواعد النيتروجينية على طول الجينوم الفيروسي، وهذه الأنواع الجينية لها أهمية من الناحية العلاجية حيث-غالباً-تعتمد كفاءة معظم العلاجات الحديثة على النوع الجيني للفيروس.

إن الإصابة بأي من الأنواع الجينية المختلفة لا يمنح الجسم مناعة ضد الأنواع الجينية الأخرى، هذا بالإضافة إلى أنه قد يصاب الشخص بسلالتين أو نوعين من الفيروس في آن واحد، إلا أنه في أغلب تلك الحالات فإن إحدى هذه السلالتين تقضي وتمحو السلالة الأخرى "في وقت وجيز" مما يدعو الباحثين للتفاؤل حيث أن تلك النتيجة قد تفتح الطريق لعمليات إستبدال تتم داخل الخلية بإدخال سلالة تستجيب للعلاج وقادرة على إبعاد والتخلص من السلالة الشرسة والعصية على العلاج. شدة مِراس فيروس سي وصعوبة التعامل معه تكمن في أن جينومه "حمضه النووي" يحتوي على شفرة إضافية لتكوين نوع دقيق من الحمض النووي نادر يسمى "ميكرو آر إن إيه miRNA "، وبالمناسبة، يوجد مثيله في خلايا الكبد المصابة بالفيروس وهذا الحمض النووي يقوم بدور هام في تأصيل وتثبيت عملية الإصابة المزمنة بالفيروس، كما يعوق عملية القتل الذاتي والتي تقوم بها الخلية المصابة بالفيروس متطوعة بقتل نفسها لتنقذ باقي الخلايا السليمة من تسرب جزيئات الفيروس إليها، كما أنه يُسهل تخفي الفيروس وإفلاته من قبضة خلايا الجهاز المناعي وفشلها في التعرف عليه وبالتالي صعوبة التخلص من الفيروس، هذا بالإضافة إلى أنه يحفز كمون الفيروس بخلايا الكبد لتتحول لإصابة مزمنة.

تُعد سرعة التطفر في الفيروس-تغير طفيف في غلاف الفيروس- أحد موانع وجود لقاح له حتى الآن، سبب آخر هو صعوبة استزراع كل الأنواع الجينية للفيروس على مزارع أنسجة مأخوذة من أنسجة ثدييات، وبالتالي صعوبة تركيز جزيئات الفيروس لتسهيل عمل لقاح له، إلا أن الأبحاث الحديثة نجحت في إستحداث ريبليكونات للأنواع الجينية -الريبليكون جزء من المادة الجينية قادر على التضاعف الذاتي- قادرة على التضاعف داخل بعض خطوط لخلايا الكبد البشرية والتي يتم فيها تكوين جينوم كامل للنوع الجيني رقم 1 "”HCV-1 ولم يقتصر العلماء على خلايا الكبد فقط وإنما نجحت بعض المحاولات لزراعة الفيروس على أنواع أخرى من الخلايا.

إدخال نظام الريبليكون الفيروسي في عملية إكثار الفيروس أعطى صورة واضحة ومفصلة عن التركيب الجزيئي لجينوم الفيروس-كان سابقاً معقد ويكتنفه بعض الغموض- وكذلك التفاعلات التي تتم بين خلايا العائل والفيروس مما حفز الباحثين على تخليق مثبطات جديدة توقف تضاعف -تكاثر- الفيروس، كما أنه ساهم في وجود أنظمة جديدة ساعدت في عملية إكمال دورة تضاعف كاملة للفيروس. أوضحت الدراسات الحديثة أنه تم عمل لقاح ناجح للفيروس النوع الجيني 1، شمل اللقاح على نوعي البروتينات التي توجد في غلاف الفيروس وهي E1 وE2 وقد تم إختباره على الشمبانزي فأعطى مناعة لخمسة حيوانات لكل سبعة تم حقنهم باللقاح الجديد.

يحدث في بعض حالات تشخيص فيروس سي أثناء مراحل العلاج أو بعد الإنتهاء منه باستخدام تقنية "بي سي آر PCR" قد تكون النتيجة خادعة أي تكون سالبة للفيروس وهي في الحقيقة غير ذلك حيث مازال بعض جزيئات الفيروس مختبأة بالخلايا، ويفسر الباحثون ذلك بأن كل خلية في الكبد مصابة بالفيروس يتحرر منها على الأقل 50 جزيء فيروسي جديد، أي بما يعادل تريليونات من تلك الجزيئات تخرج من كل الخلايا المصابة في الكبد، تتعامل معها مشتركة خلايا الجهاز المناعي بالجسم مع المادة العلاجية الفعالة فتقضي على غالبية جزيئات الفيروس وقد تبقى بعضها كامنة، ولكي نقطع الشك باليقين في وجود فيروس من عدمه، ينصح بأخذ عينة من الكبد المصاب "فيروس سكان" لفحصها للتأكد من خلوها من الفيروس وكذلك كفاءة العلاج المستخدم. تعتمد العلاجات الحديثة على سد الطريق على الفيروس من إتمام دورة تضاعفه وذلك بإستهداف إما أجزاء على الخلية المستقبلة للفيروس أو وقف نشاط إنزيمات تقوم بأدوار هامة في العملية. تتبارى شركات الأدوية والعلماء المتخصصين لإنتاج علاج قادرعلى وقف ثلاث إنزيمات تخص الفيروس وهامة في تكاثره وهي "إنزيم البوليميراز وإنزيم البروتييز وإنزيم الهليكاز" في ضربة واحدة، يُذكر أن العلاج الجديد والمستخدم الآن "سوفالدي" يعمل فقط على وقف نشاط إنزيم البوليميراز.

مثل بقية الفيروسات المغلفة فإن فيروس سي ضعيف جداً خارج الجسم -الخلايا الحية- حيث قدرته على البقاء لا تتجاوز (تقدر بمده زمنية لا تزيد عن) 16 يوم عند درجة حرارة 25 درجة مئوية، ويتأثر بإرتفاع درجات الحرارة سلباً فيفقد نشاطه مع إرتفاع درجة الحرارة في الجو الخارجي -البيئة-  ويموت بعد يومين إذا وجد في درجة حرارة 37 درجة مئوية، ويظل محتفظاً بنشاطه لأكثر من 6 أسابيع عند درجة 4 درجة مئوية أو أقل. وبسهولة يمكن قتل الفيروس في الأشياء الملوثة به بعد تسخينها عند درجة حرارة 60 درجة مئوية لمدة 8 دقائق أو خلال 4 دقائق عند درجة حرارة 65 درجة مئوية، الأمر الذي يعكس ضعف الفيروس خارج الجسم وشراسته وإمساكه لزمام الأمور -يصبح المايسترو- داخل الخلايا المصابة وكذلك صعوبة التخلص منه.

وللحفاظ على سلامة الكبد، فإن بعض التوصيات من قبل المتخصصين في إدارة السياسات الرشيدة في التعامل مع حالات الإصابة بالفيروس مع العلاج أو بعده نوجزها في الاتي:

  • أولاً: يجب الإمتناع الكامل عن تناول أدوية دون إشراف طبي، وعدم التعرض للمبيدات، والكف عن تناول الوجبات السريعة "فاست فودز"، وعدم تناول الاغذية المحفوظة أو الجبن المطبوخ، أو تناول مكملات غذائية صناعية، وعدم تناول الاغذية الملوثة بالأفلاتوكسين -سموم تفرزها بعض الفطريات- مثل الفول السوداني، والإبتعاد عن تناول الأعشاب والخلطات من الفيتامينات التي تحتوي على دهون تزيد عن المعدل اليومي المقرر، وأخيراً الإبتعاد عن الزيوت المهدرجة.
  • ثانياً: الإلتزام بنظام غذائي متوازن يحتوي على بروتينات ونشويات وكذلك دهون مسموح بها في حدود السعرات المناسبة حسب السن والطول والوزن تحت رعاية طبية.
  • ثالثاً: ممارسة الرياضة المناسبة يومياً بشكل منتظم، تحت قواعد وشروط محددة، وينصح بالمشي يومياً على الأقل عشرون دقيقة حيث أن ذلك مفيد جداً للجسم.

 

المراجع:

 

بريد الكاتب الالكتروني: redataha962@gmail.com

الكلمات المفتاحية

الزوار الكرام: يسعدنا مشاركتكم وتواصلكم حول هذا المقال

الكلمات المفتاحية

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

license
0 التعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
guest

شبكاتنا الاجتماعية

  • facebok
  • twitter
  • Instagram
  • Telegram
  • Youtube
  • Sound Cloud

يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

icons
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x