طور سادس للمادة
الكاتب : م. عبدالحفيظ أحمد العمري
الكاتب : م. عبدالحفيظ أحمد العمري
11:41 مساءً
27, أبريل 2016
المتعلق في الذهنية العربية أن (لو) تفتح عمل الشيطان، وذلك استنادا على الحديث النبوي الشريف القائل: "المؤمن القويُّ خير وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، فإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا و كذا، ولكن قل: قدَّر الله، وما شاء فعل، فإنَّ لو تفتح عمل الشيطان". الملاحَظ أن (لو) هنا تتحدث عن أمر ماضي، وكأن الحديث يدعو إلى عدم التحسّر على ما جرى، لأن تغييره مستحيل، وهذا متسق مع قوله تعالى(مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) (الحديد: 22-23).
إلى جانب أن (لو) عن الماضي تفتح الباب للسؤال المزيف أو الاسئلة المزيفة، التي يقول عنها الدكتور محمد عابد الجابري "إن الاسئلة المزيفة هي في الغالب أسئلة لا تستمد إشكاليتها من الواقع، بل هي تعبّر عن إشكالية فكر حالم أو فكر مجرد ميتافيزيقي أو تطرح في مجال معين مشكلة تستقي مضمونها وتحديداتها من مجال آخر". لكن لو نقلنا (لو) إلى حيز المستقبل، فإنها ستقابل ؟ what if وكأننا نسأل عن شيء لم يحدث، ثم نخمّن ماذا يجري لو حدث ! فإن (لو) المستقبلية هذه ليس لها علاقة بـ ( لو) التي تفتح عمل الشيطان؛ فقد نقل ابن حجر في الفتح عن القرطبي أنه قال: "محل النهي عن إطلاقهاـ يعني لوـ إنما هو فيما إذا أطلقت معارضة للقدر مع اعتقاد أن ذلك المانع لو ارتفع لوقع خلاف المقدور؛ لا ما إذا أخبر بالمانع على جهة أن يتعلق به فائدة في المستقبل، فإن مثل هذا لا يختلف في جواز إطلاقه، وليس فيه فتح لعمل الشيطان، ولا ما يفضي إلى تحريم".
وهناك أحاديث نبوية جاءت فيها (لو) المستقبلية كثيراً؛ من ذلك هذا الحديث
"أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ ؟ قَالُوا: لَا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ، قَالَ: فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا ". وغيرها كثير جاءت بصيغة (لو) أو (لولا) .. إن (لو) المستقبلية تفتح الباب للتفكير المستقبلي، الذي سيكون ذا فائدة لو بنيناه – أي التفكير- على أسس علمية، لأنه سيكون فتحاً لتوسيع قاعدة التفكير لتستوعب أفكاراً جديدة في مجالات عديدة.
أفكار ماذا لو
وفكرة (ماذا لو) قدّم حولها الكاتب راندال باتريك مونرو Randall Patrick Munroe كتاباً بعنوان:
ماذا لو: إجابات علمية جادة لأسئلة افتراضية غريبة What If?: Serious Scientific Answers to Absurd Hypothetical Questions. وهو مجموعة مقالات تدور حول افتراضات على طريقة (ماذا لو)، وفي مدونته تجدون عددا منها هنا ومشابه لذلك حوالي 22 تساؤل في موقع لايف ساينس، تجدونه من هذا الرابط. وعلى الجانب العربي قدّم الكاتب السعودي/ أشرف فقيه، مقالات عديدة حول نفس الفكرة بعنوان "تخيّل" في مجلة موهبة، وقد حاد المؤلف عن "ماذا لو" بسبب العقلية العربية وارتباطها السيء بــ (لو)!
ومن هذه التساؤلات
وغيرها، تجدونها على الرابط
ومجلة (آفاق العلم) الإلكترونية – التي يصدرها الكاتب إياد أبو عوض- قدمت عدداً من التساؤلات على طريقة ماذا لو، وإن جاء بعضها ليس على الصورة المباشرة لماذا لو، لكنه يصب في نفس المفهوم؛ تساؤلات مستقبلية حول إمكانيات علمية من ذلك:
وغيرها، تجدونها على رابط المجلة.
ولا يظن الشخص أن كتابة مثل هذه التساؤلات أمراً سهلاً، بل على العكس هو أمرٌ غاية في الصعوبة، لأنه يحتاج عقل متفهِّم للموضوع الذي سيكتب عنه، وإلمام بأسس منطقية لتقدير نتائج غير موجودة حول الفرضية التي يفرضها.
ماذا سيحدث لو أن عاملاً أو عاملين أو عدة عوامل تغيرّت في منظومة معروفة؟
لو أن هذه الأفكار شاعت بين طلبة العلوك الطبيعية حول مواضيع دروسهم، أظنها أفضل من القوالب الجاهزة والمسائل التي يحلونها، لأن هذه الأفكار الافتراضية تعلّم الطالب التفكير في الموضوع من جوانب شتى ملما بأبعاده، وليس مجرد (حفظ) مبهم لحقائق علمية ! جرّبوا هذه الأفكار، ستجدونها مفيدة وممتعة في الوقت نفسه. ويكفي أنها ستصنع – أو لنقل ستشارك في صناعة – جيل يفكر فيما يتلقاه، وليس مجرد آلة تسجيل أو كاميرا فوتوغرافية لاحول لها ولا قوة !
الهوامش:
رابط بالأعداد الأخيرة ليصبح لديك 50 عدداً كاملاً.
بريد الكاتب الالكتروني: abdualamri.75@gmail.com
الكلمات المفتاحية