مجلة أجسر – مجلة عربية محكمة في مجال العلوم – زورو موقعنا

زها حديد تضع أسس العمارة الجديدة وترحل

الكاتب

الكاتب : الصغير الغربي

صحفي علمي تونسي

الوقت

08:14 مساءً

تاريخ النشر

03, أبريل 2016

بلغت من المكانة والشهرة العالمية ما لم تبلغه امرأة عربية أخرى في العصر الحديث، وأصبحت نجماً لامعاً بعد أن انتشرت أعمالها في الهندسة المعمارية شرقاً وغرباً، وكسرت طوق الهندسة التقليدية لترسي أخرى غير منتظمة تتحدى الجاذبية الأرضية في أعمالها وتصاميمها الهندسية لتصبح أيقونة تيار التفكيكية، أحد أهم الحركات المعمارية التي ظهرت في القرن العشرين. إنها المهندسة العراقية زها حديد التي فارقت الحياة يوم الخميس 31 مارس، إثر نوبة قلبية في مستشفى ميامي بالولايات المتحدة عن عمر يناهز 65 عاماً.

ولدت زها حديد في بغداد سنة 1950، وتربت في بيت سياسي، فقد كان والدها محمد حديد وزير المالية العراقي الأسبق، وينتمي إلى عائلة برجوازية عريقة من الموصل. التحقت بمدرسة داخلية في بغداد ثم انتقلت لأخرى في سويسرا. ودرست الرياضيات في الجامعة الأمريكية ببيروت ثم التحقت سنة 1972 بالجمعية المعمارية في لندن حيث تتلمذت على يد أبرز الأسماء في عالم الهندسة المعمارية مثل كولهاس وزنكليس وتخرجت منها عام 1977، ونفذت حديد كمشروع للتخرج فندقاً صممته ليوحي بأنه مبنى على وشك الإقلاع والإفلات من جاذبية الأرض.

أسلوبها

في بداية مسيرتها كمعمارية كان عليها ليس فقط اثبات وجودها كامرأة قادمة من الشرق، بل كان عليها كذلك إقناع الآخرين بأن تصاميمها التي تبدو وكأنها تنتمي لعالم الخيال العلمي قابلة للتطبيق. فقد كان الكثير ممن يطلع على أعمالها المصممة على الورق يعتقدون أنها مستحيلة التحقيق. لذلك يقال أن أهم انجازات زها هي تلك التي لم تُنجز.

ويرتكز أسلوب زها حديد المعماري على هندسة غير منتظمة تعتمد على الهدم والتفكيك. وتيار التفكيكية ظهر في العمارة في سنة 1971 لكنه ظهر في الفن والأدب والفلسفة قبل ذلك، ويعتبر الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا أحد أبرز منظريه ويدعو هذا التيار إلى هدم كل الأسس الهندسية الاقليدية وتفكيك المنشأة إلى أجزاء وإعادة النظر في العلاقات سواء كانت الإنسانية أو العمرانية، وهي لا تعني الهدم كما يدل ظاهرها بل هو هدم إيجابي يؤسس لإعادة بناء جديدة. لذلك تتميز جميع تصميمات المهندسة العراقية الأصل كما يقول النقاد، بانسيابية لا تحددها خطوط عمودية أو أفقية وسُمي اسلوبها بالتجريد الديناميكي، وهو يعتمد على تحدي الجاذبية الأرضية بالإصرار على الأسقف والعوارض الطائرة، مع ديناميكية التشكيل، معتمدة في ذلك على الحديد لتحمله درجات كبيرة من أحمال الشد والضغط تمكنها من تنفيذ تشكيلات حرة وجريئة. عندما فازت زها حديد سنة  2004 بجائزة "بريتزيكر" المرموقة في مجال التصميم المعماري التي توصف بأنها جائزة نوبل في الهندسة المعمارية، كانت أول امرأة تفوز بهذه الجائزة و أصغر الحائزين عليها. وجاء في شهادة لجنة تحكيم الجائزة أن الطريق الذي خاضته "زها" للحصول على الاعتراف الدولي كان كفاحاً بطولياً. 

ابداعات معمارية

تنتشر اليوم انجازات حديد في مجال المعمار بعد أربعة عقود من الإبداع في كثير من دول العالم شرقاً وغرباً، منها مبنى محطة "فيترا" للإطفاء بألمانيا الذي انشئ سنة 1993. ومركز فاينو للعلوم بمدينة فولفوسبورغ بألمانيا الذي صممته حديد سنة 1999 ويبدو للزائر كشيء غامض يدفع للفضول والاكتشاف يحتوي على درجة عالية من التعقيد والغرابة.  ومبنى متحف الفن الإيطالي المعاصر في روما الذي افتتح سنة 2009. وفي الصين صممت مبنى الأوبرا في مدينة كانتون الذي انتهى بناؤه سنة 2010.  كما صممت مركز لندن للرياضات البحرية والذي خصص للألعاب الأولمبية التي أقيمت سنة 2012، ومركز حيدر علييف الثقافي في العاصمة الاذربيجانية باكو عام 2013 وفاز تصميمه بجائزة متحف لندن للتصميم سنة 2014. وفي كوريا الجنوبية صممت المركز الترفيهي والثقافي دونغداينوم ديزاين بلازا الذي افتتح سنة 2014. وغير ذلك من الإبداعات المعمارية في الولايات المتحدة واسبانيا وفرنسا وفي الامارات و قطر وبغداد ودبي وعمّان.

لكن زها حديد رحلت وتركت العديد من مشاريعها التصميمية قيد التنفيذ وأغلبها في المنطقة العربية مثل ستاد الوكرة في قطر و مشروع محطة مترو الرياض ومبنى البرلمان العراقي والمسرح الكبير في الرباط. وفي طريقها الذي نحتته بطموحها وشخصيتها العنيدة، فازت زها حديد بالعديد من الجوائز والميداليات العالمية أبرزها فوزها سنة 2004 بجائزة «بريتزكر في التصميم المعماري» التي تعادل جائزة نوبل، لتصبح أول امرأة تفوز بها منذ بدايتها. وقد أسست عائلة "بريتزيكر" والتي تملك سلسلة فنادق حياة – هذه الجائزة عام 1979 لتكريم مصممين معماريين ما زالوا على قيد الحياة ، وتقدم أعمالهم المشيدة إسهامات هامة وباقية للبشرية. وتتألف الجائزة من ميدالية من البرونز وجائزة مالية قدرها مائة ألف دولار. وفي بداية 2016 كان التكريم الأخير بعد فوزها بالميدالية الذهبية من المعهد الملكي البريطاني للهندسة المعمارية. كأول امرأة تحصل على هذه الجائزة اعترافاً بإنجازاتها التاريخية في مجال الهندسة المعمارية.

 

رحم الله المعمارية العربية العبقرية زها حديد رحمة واسعة

 

بريد الكاتب الالكتروني: gharbis@gmail.com

الزوار الكرام: يسعدنا مشاركتكم وتواصلكم حول هذا المقال

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

license
0 التعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
guest

شبكاتنا الاجتماعية

  • facebok
  • twitter
  • Instagram
  • Telegram
  • Youtube
  • Sound Cloud

يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

icons
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x