الأمراض الفيروسية المنقولة عن طريق الإتصال الجنسي: تُعد الأمراض الفيروسية هي الأكثر خطورة بالنظر للصعوبة في مقاومتها أو التعامل معها، ومن نعمة الله علينا أن الأمراض الفيروسية المنقولة عن طريق الإتصال الجنسي قليلة العدد لكن هذا لا يمنع من أن نُسلط الضوء عليها لتجنب الإصابة بها ومقاومتها. وسوف نتناول معظم الفيروسات التي تنتقل عن طريق الإتصال الجنسي نظراً لخطورتها على الإنسان.
أولاً: فيروس الورم الحليمي البشري "بابيلوما" Human papiloma virus HPV
فيروس بابيلوما هو من الفيروسات الأكثر إنتشارا مقارنة بفيروسات أخرى مثل الفيروس المسبب لمرض الإيدز وفيروس الهربس سيمبليكس،ً حيث أن أغلب الرجال والنساء النشطين جنسياً حتماً يصابون بهذا الفيروس في مرحلة من حياتهم أثناء ممارستهم للجنس. يوجد أنواع عديدة من فيروس بابيلوما بعضها يسبب مشاكل صحية خطيرة للإنسان في صورة ثآليل على الاعضاء الجنسية وسرطانات.
خصائص الفيروس
الفيروس يتبع عائلة الفيروسات الحليمية، وهو كروي (عشروني الوجه)، غير مغلف يحتوي حمض نووي "دي إن إيه DNA " ثنائي الخيط وحلقي به حوالي 8 ألاف زوج من القواعد النيتروجينية. الفيروس له أكثر من 100 سلالة فيروسية أو نوع جيني genotypes تم تعريفهم على أساس إختلافهم في ترتيب القواعد النيتروجينية في حمضهم النووي. طرق إنتقال الفيروس: ينتقل الفيروس بشكل أساسي عن طريق الإتصال الجنسي سواء من خلال المهبل أو الشرج أو الفم من شخص مصاب لآخر سليم أثناء الإتصال الجنسي سواء كان المصاب تبدو عليه الاعراض أو حامل للفيروس بدون أية أعراض واضحة.
الأعراض
تبدأ الأعراض في الظهور غالباً بعد عدة سنوات من الإتصال الجنسي مع المُصاب، ويمثل ذلك صعوبة في تحديد أي الشريكين المصاب من الآخر السليم. في أغلب الحالات يدخل الفيروس جسم الإنسان دون أن يسبب مشاكل صحية أو المرض، لكن إستمرار بقاءه داخل الجسم قد يسبب أمراض مثل ظهور الثآليل أو السرطان. تظهر الثآليل عادة كنتوءات (دمامل حميدة أو حليمات) صغيرة على الأعضاء الجنسية سواء مرتفعة أو مستوية أو واسعة أو تشبه القرنبيط. يمكن للطبيب المعالج أن يتعرف على المرض من خلال تلك الثآليل عند الكشف على الأعضاء الجنسية.
قد يسبب الفيروس سرطان في عنق الرحم وأيضاً بعض السرطانات الأخرى تشمل سرطان المهبل أو القضيب أو الشرج أو في الزور مع الجزء الأسفل القاعدي في اللسان واللوزتين. يأخذ السرطان حوالي سنتين إلى عشرة سنوات حتى يظهر منذ بداية الإصابة بالفيروس. تختلف السلالات من الفيروس التي تسبب الثآليل عنها من التي تسبب السرطانات. ولا يمكن التكهن بأي من الناس الذين أصيبوا سوف تصل بهم الإصابة لحدوث السرطان، لكن الأكثر إستجابة لحدوث السرطان هم أؤلئك الذين لديهم مناعة ضعيفة-منهم المصابون بالإيدز-لأنهم ينفتقدون القدرة على مقاومة أو التخلص من الفيروس.
تجنب الإصابة:
يمكن تجنب الإصابة بفيروس بابيلوما عن طريق مايلي:
- التحصين عن طريق أخذ اللقاح الخاص بالفيروس وهو حسب تقرير منظمة الصحة العالمية آمن وفعال طالما توفرت فيه الشروط والمعايير المتفق عليها. يؤخذ اللقاح في صورة ثلاث جرعات خلال ستة شهور على الأقل.
- الرجال الأكثر نشاطاً أو في مرحلة النشاط الجنسي الكبير عليهم إستخدام الواقي الذكري (كوندوم) أثناء العلاقات الجنسية مما سوف يقلل من فرص الإصابة بالفيروس، علماً بأنه قد يُصيب الفيروس أو يدخل من خلا ل أماكن قد لا يغطيها الواقي الذكري ومن ثم فإن ذلك قد لا يعطي حماية كافية ومأمونة بشكل كامل ضد الإصابة بالفيروس خاصة في الحالات التي تتعدد فيها العلاقات الجنسية أي ممارسة الجنس مع أكثر من شريك. أما بالنسبة لنا في بلادنا علينا تجنب ما حرم الله من علاقات جنسية محرمة وكذلك العلاقات الشاذة بين الذكور خاصة في سن المراهقة والشباب.
- تحصين الأولاد وكذلك البنات ضد الفيروس وذلك بأخذ اللقاح والذي يجب أن يبدأ من سن 11-12 عام، ويجب أن يحصل الذكور الذين وصلوا سن 21 سنة على اللقاح، أما البنات فيلزم أخذ اللقاح عند 26 سنة خاصة إذا لم يتم تحصينهم من قبل. يُذكر أن اللقاح يكون ضروري لضعيفي المناعة خاصة المصابون بالفيروس المسبب للإيدز.
الكشف عن الفيروس في المرضى:
لا يوجد إختبار بعينه أو تم الإتفاق عليه بشكل واسع خاصة للكشف عن الفيروس في الفم أو الزور. لكن الإختبارات التي تتم هي بالأحري عملية مسح عن وجود سرطان عنق الرحم خاصة لمن لا يقل عمرهم عن ثلاثون عاماً أو أكبر، ولا يوجد إختبار مسحي بالنسبة للرجال أو المراهقين أو النساء تحت تحت سن ثلاثين عاماً. علماً بأن معظم المصابون بالفيروس لا يعلمون بإصابتهم كما لا تبدو عليهم أعراض أو مشاكل صحية جراء الإصابة. البعض قد يكتشف الإصابة بعد ظهور الثآليل على أعضائهم الجنسية، كما أن المرأة قد تشعر بإصابتها عندما تكتشف وجود حليمات أو أماكن مرتفعة غير طبيعية. هذا بالإضافة إلى حدوث السرطان والذي قد يكون فيروس بابيلوما هو المسبب له.
ثانياً: فيروس نقص المناعة المُكتسب "الإيدز" Human immunodeficiency virus HIV"
عندما يصيب هذا الفيروس الإنسان يؤدي إلى تدهور تدريجي في كفاءة الجهاز المناعي له، مما يعطي فرصة كبيرة لإصابته بالميكروبات الإنتهازية وكذلك حدوث سرطانات مختلفة.
خصائص الفيروس
ينتمي فيروس الإيدز إلى لعائلة الفيروسات المتراجعة Retroviridae وتدخل ضمن الفيروسات المسببة للإصابات الكامنة والمزمنة وتتميز بأن فترة حضانتها طويلة. يوجد نوعان جينيان للفيروس وهما حسب ترتيب إكتشافهما "إتش أي في وان HIV-1" و"إتش أي في تو "HIV-2 النوع الجيني الأول HIV-1 هو الأكثر شيوعاً ومسئول عن أغلب الإصابات الموجودة في العالم، بينما النوع الثاني يصيب قليل الحدوث أو الإصابة في البشر وتنحصر إصاباته في غرب إفريقيا. الفيروس كروي الشكل قطره حوالي 120 نانوميتر (أضغر حوالي 60 مرة من خلية كرة الدم الحمراء)، يحتوي على حمض نووي مكون من قطعتين من الحمض النووي أر إن إيه RNA كل واحدة مفردة الخيط وموجبة، كما يحتوي أيضاً في المنتصف بجوار الحمض النووي على بعض الإنزيمات اللازمة لتضاعف -تكاثر- الفيروس وهي إنزيم الناسخ العكسي وإنزيم الإنتيجراز وإنزيم البروتيز وإنزيم الريبونيوكلياز.
بالإضافة إلى للمحفظة البروتينية (الكابسيد) التي تحيط بالحمض المووي،الفيروس محاط من الخارج بغلاف مكون من طبقتين من الدهون (فوسفوليبيدات) مأخوذة من الغشاء البلازمي للخلية التي خرج منها غروز فيها رؤوس بروتينية وهي جليكوبروتينات "gp120" تحملها سيقان مثبتة بالكابسيد مكونة من ثلاث جزيئات تسمى "gp41" والتي تلعب دوراً كبيراً في الإمساك برؤوس الغلاف هذا بالإضافة إلى معقد من الجليكوبروتين والذي يساعد الفيروس في الإرتباط والإندماج مع المستقبلات والغشاء البلازمي للخلية الحساسة للإصاب بالفيروس الموجودة في الإنسان. وتعد بروتينات الغلاف خاصة gp 120 هي الهدف الذي يعمل عليه العلماء في أبحاثهم لإيجاد آلية لتحطيمه وبالتالي يفقد الفيروس جزء هام جداً لعملية الإرتباط بالخلية في بداية التكاثر ومن ثم قطع الطريق على الفيروس حتى لا تتم عملية التضاعف من بدايتها.
طرق إنتقال الفيروس
ينتقل الفيروس عند التعرض لدم من مصاب بالفيروس أو سوائل الجسم، كما ينتقل عن طريق الإتصال الجنسي خاصة إذا إتصلت الإفرازات الناتجة من العملية الجنسية لشخص مصاب مع الأغشية المخاطية الموجودة في الشرج والمستقيم وذلك للشخص المستقبل أو في الفرج أو في الفم وذلك في حالة عدم إستخدام الواقي (العازل الطبي) الذكري. يمكن أن ينتقل الفيروس من الأم الحامل للجنين خاصة خلال الأسابيع الأخيرة من الحمل وحتى أثناء الولادة، كذلك تزيد الرضاعة من فرصة إنتقال الفيروس للرضيع من الأم المصابة بنسبة قد تصل إلى 4%. كما أكدت الأبحاث من أنه ليس هناك خطورة لإنتقال الفيروس من خلال براز أو الإفرازات الانفية أو اللعاب أو بصاق أو عرق أو دموع أو بول أو تقيء المصاب طالما لم تصل اليها دم من الشخص المصاب نفسه.
الكشف عن الفيروس في المرضي
يتم تشخيص الإصابة بفيروس الإيدز عن طريق إستخدام تقنية "الإليزا ELISA" وذلك لتحديد الأجسام المضادة للفيروس في عينة من سيرم الشخص الذي نريد إختباره للنوع الأول HIV-1، فإذا كانت النتيجة سالبة للأجسام المضادة أي لا توجد في دم المريض، يعني ذلك أنها سالبة للفيروس أيضاً أي لم تحدث إصابة لهذا الشخص بالفيروس، أما الأشخاص الإيجابيين لهذا الإختبار-توجد في دمائهم أجسام مضادة للفيروس-فإنه يتم إعادة نفس الإختبار للتأكد فإذا كانت النتيجة هي نفسها (إيجابية) يتم إجراء إختبار تأكيدي لإثبات وجود الفيروس وذلك عن طريق تقنية الويسترن بلوت Western-blot وتعتمد على فصل البروتين، أيضاً يستخدم إختبار الفلورسين المناعي "IFA"والذي يعتمد على تعليم الأجسام المضادة بمادة الفلورسين والذي يعطي وميض يمكن تحديده بالطرق المناسبة وإذا كانت النتيجة إيجابية أكد ذلك بما لا يدع مجالاً للشك من إصابة المريض بالإيدز.
اللقاح
معدل حدوث طفرات في هذا الفيروس يعتبر سريع ودائم لذلك فإن الأجسام المضادة للسلالة التي دخلت الجسم في البداية لا تصلح للتفاعل والقضاء على السلالات الجديدة الناتجة من عملية التطفر هذه وهذا يفسر السر في عدم التمكن حتى الآن من الحصول على لقاح فعال ضد هذا الفيروس بالإضافة إلى أسباب أخرى، إلا أنه تمت محاولات في السابق حيث ظهر لقاح لفيروس الإيدز ونشر البحث في 2009 تم إنتاجه بإستخدام "recombinant gp 120 protein" ويتم إستخدامه في صورة 12 حقنة على مرتين، وكانت نتيجته تقليل حدوث الإصابة في الذين حصلوا على اللقاح بنسبة 31% مقارنة بمن أخذوا جرعات وهمية (بلاسيبو). يعمل العلماء الآن لإنتاج لقاح فعال يحقق نسبة وقاية من الإصابة أعلى من ذلك.
العلاج
يتم العلاج عن طريق المضادات الفيروسية، فقد إستخدمت العديد منها وكانت تهدف إلى تعطيل أي خطوة أو عملية من خطوات تضاعف الفيروس من بداية إرتباط الفيروس بمستقبلات الخلية وحتى تحطيم الإنزيمات التي يحتويها الفيروس ويعتمد عليها في تكاثره وأهما إنزيم الناسخ العكسي والمسئول عن تحويل الحمض النووي الفيروسي أر إن إيه RNA إلى دي إن إيه، وأيضاً إنزيم الإنتيجراز والمسئول عن إندماج دي إن إيه الذي نتج من فعل إنزيم النسخ العكسي في جينوم "دي إن إيه" الخلية. حاول العلماء إنتاج خليط من مضادات فيروسية تستهدف أكثر من هدف للفيروس في وقت واحد بحيث يكون لها تأثير مضاعف وشديد في القضاء على الفيروس وضمان ذلك بنسبة كبيرة.
ثالثاً: فيروس الإلتهاب الكبدي "ب" Hepatitis B virus HBV
يسبب فيروس الكبد "ب" أمراضاً خطيرة للكبد في الإنسان المصاب بالفيروس منها ما هو متوسط أو مزمنة قد تنتهي بموت المريض في صورة تليف كبدي وسرطان أو فشل كبدي وفي النهاية موت المريض.
خصائص الفيروس
الفيروس ينتمي لعائلة تسمى"هيبادنافيريدي"، والجزيء الفيروسي يسمي "دان Dane وهو في الغالب كروي الشكل-بعض أشكال للفيروس أخرى قد تكون خيطية أو أشكال أخرى – قطره حوالي 42 نانوميتر، يحتوي بالداخل حمض نووي دي إن إيه DNA ويحتوي أيضاً على إنزيم بوليميراز، الفيروس مُحاط بغلاف عبارة عن طبقتين من الدهون بها يرتبط بها بروتينات. يتم تقسيم الفيروس على الإستجابة المناعية إلى أربعة أنواع Serotypes وهما "adr, adw, "ayr &ayw وعلى أساس الأماكن الأنتيجينية على سطح الفيروس "إيبيتوبس epitopes" إلى ثمانية أصناف جينية (من A-H) حسب الإختلاف في ترتيب القواعد النيتروجينة على الجينوم الفيروسي، حيث ينتشر كل صنف ويكون شائعاً في منطقة جغرافية محددة ولذلك يتستخدم العلماء تلك الصفة لتتبع أصل المرض وإنتقاله من مكان إلى آخر.
طرق إنتقال الفيروس
ينتقل الفيروس من إنسان مصاب إلى آخر سليم من خلال الإتصال الجنسي خاصة متعددي العلاقات الجنسية لأكثر من شريك أو الشواذ جنسياً، كما ينتقل أيضاً من خلال سوائل الجسم مثل الدم خلال تبادل الحقن (السرنجات) من شخص لآخر بالذات بين متعاطي المخدرات الذين يحقنون في الوريد مباشرة، أو من خلال عمليات الوشم أو إستخدام آلات ملوثة. هذا بالإضافة إلى أن الفيروس ينتقل من الأم المصابة إلى أبناءها أثناء الحمل.
اللقاح والعلاج
يمكن تجنب الإصابة بالفيروس عن طريق أخذ اللقاح الخاص بهذا الفيروس والتي أثبتت الأبحاث أنه يمنح الأنسان مناعة من الإصابة تصل إلى نسبة 95% خاصة في الأشخاص السليمة، الأمر الذي لا يستدعي الحاجة لإستخدام مضادات فيروسية.
رابعاً: فيروس الإلتهاب الكبدي الوبائي "أ" Hepatitis A virus HAV
يسبب هذا الفيروس إصابة قصيرة ومحدودة، ولا يؤدي إلى إصابة مزمنة في الكبد.
طرق إنتقال الفيروس
ينتقل الفيروس من شخص مصاب بالفيروس إلى آخر سليم خلال الإتصال الجنسي سواء خلال الفم أو الشرج أو المهبل. هذا بالإضافة إلى أن هذا الفيروس ينتقل من خلال تلوث الطعام أو الشراب ببراز المصاب وفي الإغلب يتم ذلك أثناء قيام مصابون بالفيروس لطهي الطعام في المطاعم أو الفنادق. فترة الحضانة لهذا الفيروس 4 أسابيع.
الأعراض
تكون أعراض المرض حادة وتتمثل في صورة حمي وآلام بالبطن وإسهال وحكة وإحباط بالإضافة إلى نقص في الوزن. نسبة الوفيات تصل إلى 0.1 % من المصابين.
اللقاح
يُعتبر التحصين ضد الفيروس بأخذ اللقاح الخاص بالفيروس هو أحد طرق تجنب الإصابة بالفيروس، هذا بالإضافة إلى مراعاة نظافة وسلامة الطعام والشراب هي أهم الوسائل للوقاية من الإصابة بالمرض.
فيروس الكبد أ
خامساً: فيروسات أخرى:
تم تسجيل حالات إصابة ببعض الفيروسات والتي إنتقلت عن طريق الإتصال الجنسي، إلا أن هناك جدل واسع في هذا الأمر والأبحاث مازالت مستمرة للتأكد وإثبات ذلك، تلك الفيروسات تشمل فيروس الإلتهاب الكبدي سي HCV وفيروس زيكا وأخرى قليلة الحدوث.
بريد الكاتب الإلكتروني: redataha962@gmail.com