مجلة أجسر – مجلة عربية محكمة في مجال العلوم – زورو موقعنا

الحَـكامة مفهــوماً

الكاتب

الكاتب : الحسين بشوظ

باحث من المغرب

الوقت

08:04 صباحًا

تاريخ النشر

19, مايو 2016

ترتبط لفظة الحكامة بالمجال التنموي، وهو من المصطلحات التي ابتدعها البنك الدولي، ويُقصد بها أسلوب الحُكم وممارسة السلطة الذي يوصل إلى" التدبير الجيد والفعَّال للموارد الاقتصادية والاجتماعية لتحقيق تنمية حقيقية". لقد أفضى الوضع التنموي المُزري  والهش في القارة إفريقيا على الرغم من غناها بالموارد والثروات الطبيعية، إلى طرح قضية الحكامة باعتبارها السبيل الوحيد لخروج إفريقيا ودول العالم الثالث عامة من مشكل الضعف والهشاشة والتدهور، التي هي نتائج مباشرة لفساد الأنظمة السياسية في هذه البلدان، والتي تقوم أساساً على الأقصاء والتراتبية، ودعم أذرع الفساد والاتكاء عليها وتوظيفها في الحُكم، وتغليب المصالح الشخصية الضيقة على حساب التنمية الشاملة، واضطهاد والتضييق على دعاة الاصلاح والمشاركة، وقطعها الطريق أمام مشاريع تنموية حقيقية مبنية على تخطيط علمي وتسيير ومواكبة نزيهة وشفافة.

لقد تأسس مفهوم الحكامة عن طريق تراكما عديدة استخلصتها المنظمات العالمية ذات التوجهات التنموية في إطار أنشطتها وتقاريرها الدورية، خاصة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الذي عَرّف مفهوم الحكامة بأنه "نسق جديد من العلاقات والمساطر والمؤسسات التي تنظم بها مصالح المجموعات والأفراد، وتساوي بينهم في الحقوق والواجبات، وفكِّ الخلافات والنزاعات، وتذويب التراتبية والمَيْز، وتشجيع التشاركية بين المسيِّرين والمساهمين، وتنظيم وتوزيع المسؤوليات، وتدريب الأفراد والمؤسسات وصقل قدراتهم، ودعم التواصل فيما بينهم، ورفع مستوى العلاقات والتفاعل داخلياً وخارجياً".

كما تُعرِّفُ منظمة السوق الأوربية المشتركة الحكامةَ باعتبارِها "مجموعة من المبادئ العامة للحكم". إلا أن مفهوم الحكامة يظل مفهوماً زئبقياً ومتفلّتاً، كونه يوظَّف ويُستعمَل من طرف مجموعة من الحقول المختلفة وأحياناً المتنافرة، ولكنه في النهاية يصب في اتجاه واحد وهو حُسن التدبير وحُسنُ التسيير. والحكامة في مفهومها البسيط، هي الحُكم الجيد والتدبير السليم والرشيد للموارد والسياسات، والالتزام المطلق بالشفافية، وتعقب الفساد، وتجفيف منابعه خاصة الفساد المالي، ومحاسبة المفسدين، وتوفير أجواء مثالية للسوق والاستثمارات، ومحاربة الرشوة، واحترام حقوق الانسان، وحماية حرية التعبير والصحافة. بما يضمن في النهاية تحقيق تنمية عادلة وشاملة، وهذه المؤسسات والمنظمات الدولية التي تُعنى بالحكامة لا تتدخل في سيادة الدول، ولا تفرض عليها نمطاً إدارياً، أو سياسياً محدداً.

وتتأسس الحكامة على خمسة مبادئ أساسية وهي:

  • التدبير الجيّــد:

ويقوم على الشفافية، وعلى اعتماد الوسائل والآليات والتقنيات الحديثة، التي تبسط الإجراءات والمساطر، والتي تُفضي إلى الحصول على خدمات ذات جودة ومردودية عالية، وتكريس اللامركزية في إنفاذ الاجراءات القانونية، وإقرار اللاتركيز بخصوص المواد والموارد.

 

  • الاشتــراك والتشارك:

وينص على إشراك كل الأطياف والمتدخلين والمساهمين في مشروع الحكامة من قطاعات ومؤسسات حكومية، ومن الأفراد الفاعلين محلياً أو جهوياً أو وطنياً، بالإضافة إلى الأطر التربوية والجامعات والهيئات والمؤسسات التي تعنى أو تشتغل في مجال التربية والتواصل، وإقامة شراكات مع المنظمات النقابية، ومؤسسات المجتمع المدني من تعاونيات وجمعيات والهيئات السياسية الناشطة في مجال الإصلاح، والمنخرطة في  مسلسل التنمية وذلك بهدف تحسين المردودية والرفع من جودة التسيير وترشيد الموارد، وتقوية وتأهيل النسيج الاجتماعي والاقتصادي والثقافي.

 

  • التـوافـــــق:

ويتمثل مبدأ التوافق في القدرة على التفاوض والإقناع وتوحيد الآراء والمواقف، وتحقيق الإجماع في القرارات والمواقف المهمة، وذلك عن طريق إشراك كل الأطراف المعنية، وبلورة رؤية مشتركة تصب في الأهداف المرسومة.

 

  • الفعـاليـــة / أو / الفاعِليّــة:

الشروع في تنفيذ المشاريع، وفق البرنامج المسطر والمتفق عليه، مع احترام مبدأ الأولويات، وذلك من خلال التدبير الجيد من الجهة المكلَّفة، والموَاكَبة الداخلية من طرف اللجان والمجالس، والمراقبة الخارجية من طرف الأجهزة المعنية.

 

  • الرؤية الاستراتيجيـــة:
    – تقييم حصيلة المنجزات، عن طريق تحليل المعطيات، ورصد الإمكانيات المتاحة وغير المتاحة، ومن خلال هذا التقييم يتم وضع مشاريع جديدة ورسم خطط تنموية جديدة.
    – تطوير أساليب العمل، مع استقطاب طاقات وشركاء ومساهمين جدد، التركيز على التحديث والتكنولوجيا.
    – إنجاز الدراسات والتقارير والأبحاث الدورية، ونشرها على أوسع نطاق، بالإضافة إلى إشراك الإعلام واستثماره في الدعاية وفي الحملات التحسيسية واستطلاعات الرأي.

 

يعتبر مشروع الحكامة مشروعاً واعداً ومتكاملاً، يوفر السبل والوسائل المُثلى والناجعة والفعّالة لتدبير الموارد المالية والبشرية بما يضمن تحقيق تنمية مستدامة شاملة وحقيقية. إنها السبيل الوحيد لإخراج الدول النامية والمتخلفة من فشلها وهشاشتها وتخلّفها.

 

بريد الكاتب الالكتروني: bachoud.houssaine@gmail.com

الزوار الكرام: يسعدنا مشاركتكم وتواصلكم حول هذا المقال

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

license
0 التعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
guest

شبكاتنا الاجتماعية

  • facebok
  • twitter
  • Instagram
  • Telegram
  • Youtube
  • Sound Cloud

يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

icons
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x