"(باحث سعودي يكتشف طريقة جديدة لإنتاج أنابيب الكربون النانومترية من الزيت الثقيل!.)"، كان هذا أحد العناوين التي نشرتها الصحف السعودية حول اختراع الباحث السعودي هاشم الحبشي لطريقة انتاج أنابيب الكربون النانومترية من زيت البترول الثقيل، و بكميات تجارية. يتميز هذا الموضوع بأهمية كبيرة في نظرنا، الأولى هي استخدام البترول الذي تمتلك منه العديد من الدول العربية، و منها السعودية وطن المخترع، كميات كبيرة واستخدامه في انتاج مواد جديدة و عدم الاقتصار على بيعه كمادة خام أو لاستخدامات الطاقة فقط. أما الثانية، فهي تطبيق هذا الاختراع و انتاجه صناعياً و بكميات كبيرة و استخدامه، و ما يعني ذلك من الاستفادة من البحوث العربية في دعم الاقتصاد العربي و وضع الحلول العلمية و الهندسية للاحتياجات المحلية و الدولية، و امتلاك المعرفة. فلقد كان لهذا المنتج شرف أن يكون أول تطبيق عملي له (المطاف المؤقت بالحرم مشُيّد من مادة اخترعها شاب سعودي).
و قد طلبنا منه مشاركتنا هذه التجربة، و كان هذا ما قال:
لقد سمعت كثيراً عن النانو و كنت أشعر بالغربة والعجب عند سماع هذه الكلمة. وصارت تتكرر كثيرًا ولا أفهم ما تعنيه تحديدًا، و لشغفي الدائم بالعلم والبحث العلمي والتعرف على مصادر وبدائل المواد الخام المستخدمة في الصناعة، اتضحت لي الصورة بأن النانو تقنية الألفية القادمة التي ستحقق قفزات هائلة في جميع فروع العلوم. تهتم بابتكار تقنيات ووسائل جديدة تقاس أبعادها بالنانومتر وهو جزء من المليون من الميليمتر، و أنها ستلقي بظلالها على الاقتصاد العالمي والمحلي وحتى الحياة اليومية للفرد العادي. فهي وبكل بساطة ستمكننا من صنع أي شيء نتخيله وبأقل تكاليف، وذلك عن طريق صف جزيئات المادة إلى جانب بعضها البعض بشكل جديد وغير مألوف. لدرجة أن من يمتلك زمام المبادرة في هذا المجال سيسيطر على الاقتصاد العالمي في المستقبل.
لذا قررت خوض هذا التحدي بدءً بالعمل البحثي وتجهيز مختبر صغير مع بداية الألفية الجديدة رغم أن تخصصي العلمي مختلف و يكاد يكون بعيداً عن هذا العلم، فوضوح الصورة والهدف و الإصرار على النجاح هو العامل الذي حققت من خلاله حصولي على براءة الاختراع العالمية من المكتب الأمريكي لتسجيل براءات الاختراع، والتي أنفرد بها على مستوى العالم لتصنيع أنابيب الكربون النانو مترية بكميات اقتصادية وبتكلفة منافسه، مع توفر المواد الخام الأساسية وبأسعار منافسة، و هو ما نصبو إليه من مواكبة التحديات والتسارع في المتغيرات الاقتصادية والصناعية حول العالم. جاءت أهمية الكربون باعتباره سلعة استراتيجية في الثورة الصناعية الحالية والمستقبلية و مادة أساسية في الصناعة ولها أثراً فعالاً على مختلف الأوجه الاقتصادية والاجتماعية والبيئية – في المستقبل القريب سوف تعتبر سلعة هامة في التجارة والصناعة الدولية ومصدر دخل رئيسي للدول المنتجة- كونه مادة ذات خواص فريدة تؤهلها لكي يكون مادة أساسية في الصناعات الاستراتيجية. وسوف تلعب دوراً رئيسياً في تحديد مسار وطبيعة التنمية المستدامة.
أود الاشارة إلى أنه من أهم العناصر الدافعة لي للنجاح، أن المملكة العربية السعودية هي أول دولة عربية مسلمة تبدأ في برنامج تقنية النانو، وتعتبر مبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز رحمة الله، بتبني هذا البرنامج خطوة رائدة، فاهتمامه بها ووضعها من ضمن استراتيجيات الدولة كنت و ما زلت ألمسه في مسيرة بحثي ووصولي إلى تحقيق الاقتصاد المعرفي بتحويل هذا الاكتشاف إلى ابتكار له قيمة اقتصادية من خلال اكتشافي. فما هو النانو؟ النانو هو تعبير مشتق من كلمة نانوس الإغريقية وهي تعني " القزم" أو الشيء المتناهي الصغر، و هي عبارة عن" وحدة قياس" تعادل واحد على مليون من الملليمتر أي واحد على مليار من المتر، وهو ما يساوي واحد على عشرة آلاف من سمك شعرة رأس الإنسان. كذلك مثل كونه بنفس عرض الحمض النووي منقوص الأوكسجين DNA أو بحجم عشر ذرّات هيدرجين، أو معدّل نموّ ظفر الإنسان في ثانية واحدة، أو ارتفاع قطرة ماء بعد بسطها كليّا على سطح مساحته متر مربّع واحد، أو واحد على عشرة من سماكة الطبقة الملوّنة على النظّارات الشمسيّة.
تقنية النانو هي الجيل الخامس الذي ظهر في عالم الإلكترونيات وقد سبقه أولاً الجيل الأول الذي استخدم المصباح الإلكتروني (Lamp) بما فيه التلفزيون، والجيل الثاني الذي استخدم جهاز الترانزستور، ثم الجيل الثالث من الإلكترونيات الذي استخدام الدارات التكاملية (IC= Integrate Circuit) وجاء الجيل الرابع باستخدام المعالجات الصغيرة Microprocessor الذي أحدث ثورة هائلة في مجال الإلكترونيات بإنتاج الحاسبات الشخصية (Personal Computer) و رقائق الكمبيوتر من السيليكون التي أحدثت تقدماً في العديد من المجالات العلمية والصناعية، وموعدنا الآن مع الجيل الخامس وهو ما صار يعرف باسم النانوتكنولوجي. فالحاسب الخارق اليوم الموجود في مراكز الأبحاث والتطوير أو في الجامعات الكبيرة سيكون مجرّد ساعة يد في المستقبل القريب. والمباني والآلات ستستطيع إرسال إشارات لاسلكيّة عندما تحتاج إلى صيانة، أو قد تستطيع إصلاح نفسها.
أما ثيابنا فستأخذ بيانات عن صحتنا وتنبهنا لعوامل بيئيّة مضرّة وستنظّف نفسها من الأوساخ والروائح دون أيّ مساعدة وستقوم بتدفئة أو تبريد الجسم حسب درجة الحرارة الخارجيّة. وسيمكن صناعة غرفة عملّيات كاملة في كبسولة صغيرة، يتمّ وضعها داخل جسم المريض لتقوم بتنفيذ برنامج العمليّة الذي برمجه الطبيب فيها حسب حالة المريض، و مجالات لا تُعدّ ولا تُحصى تدخل فيها تقنية النانو، وستغيّر حياتنا عشرات الألوف من المرّات التي استطاع فيها الإنسان تغيير حياته منذ بدء الزمان وحتّى يومنا هذا. وسيصبح محتوى أكثر أفلام الخيال العلميّ خصوبة الآن، مجرّد تخيّلات بسيطة لطفل صغير. تعتبر أنابيب الكربون النانوية من أقوى المواد المعروفة على وجه الأرض حيث تجمع أهم ثلاث صفات، الصلابة و مقاومة الشد و المتانة. تجتمع في أنابيب الكربون النانوية هذه الصفات الثلاث معا مما يجعلها تستحق لقب المادة الخارقة بجدارة، حيث تتميز بأن صلابتها تعادل تقريباً صلابة الألماس، نعم تعادل الألماس، فبعد تعريضها لضغط 24 جيجا باسكال تكتسب هذه الصلابة الهائلة.
أما مقاومة الشد فتتميز أنابيب الكربون متعددة الجدران بقوة شد تصل إلى 63 جيجا باسكال، و بعض المصادر تقول بأنها وصلت إلى 150 جيجا باسكال، أي أنها أقوى حوالي 200 مرة من حديد التسليح كما أنها أقوى 40 مرة من الكيفلار. أما عن المتانة، فبالإضافة إلى مرونتها فهي تمتاز بمتانة هائلة و قوة امتصاص صدمات تصل إلى 1000 جول لكل جرام مقارنة بخيوط العنكبوت الذي يصل أقواها ل 400 جول لكل جرام، و الكيفلار بقوة 80 جول /جرام، بينما معظم أنواع الفولاذ تتراوح ما بين 12 حتى 40 جول/جرام، أي أن أنابيب الكربون لديها قدرة تحمل صدمات تفوق قوة الحديد الصلب 25 مرة على الأقل.
أنابيب الكربون عبارة عن شعيرات ميكروسكوبية دقيقة أسطوانية الشكل، وإذا لفت شريحة الكربون كلفافة التبغ بحيث يتصل طرفا الأنبوب الكربوني ببعضهما، نحصل على أنبوب كربون موصل للكهرباء كالسلك المعدني بالغ الدقة، أما إذا إلتوت الأنبوبة بميل فإنها تعمل كنسخة مصغرة من أشباه الموصلات لصنع ترانزستور من أنابيب النانو. بينما تعتبر المواد الهيدروكربونية المحرك الأساسي في الاقتصاد العالمي في الوقت الراهن، فإن العالم ينظر لتقنية النانو أنها المستقبل الأساسي للاقتصاد خلال السنوات المقبلة. حيث من المتوقع أن يكون لتقنية النانو و استخدام أنابيب الكربون النانومترية دور أساسي في التقنيات الجديدة، لدرجة أنه يمكن أن يقال أن من يمتلك زمام المبادرة في هذا المجال سيسيطر على الاقتصاد العالمي في المستقبل. وتشير الإحصائيات أن منتجات النانو تكنولوجي بلغت قيمتها 15 مليار دولار عام 2006، و قد قفزت إلى نحو 40 مليار دولار عام 2008، ويقدر بنحو 1.1 تريليون دولار عام 2015، أي أنه بعد نحو سنتين سينمو حجم منتجات النانو تكنولوجي بنحو 2500%. وتشير التقديرات إلى أن منتجات النانو تكنولوجي ستكوّن نحو 30% في صناعة المواد غير الكيماوية و30% من الإلكترونيات، و20% من الأدوية و10% من الكيماويات و7% منتجات تتعلق بعلم الفضاء.
إن تقنية النانو و التقدم الحاصل في مجالها سيقود إلى مواد ومنتجات ذات خواص مميزة، أي مواد أكثر قوة وأخف وزناً، ومواد أكثر صلابة ومرونة، ومتعددة الأغراض وصغيرة الحجم، ورخيصة ودقيقة، وفاعلة الأداء، وقليلة الاستهلاك للطاقة، و العنصر الأساسي في هذه الصناعة هو أنابيب الكربون النانومترية. هذا غيض من فيض من حقيقة هذا العالم المتناهي في الصغر بتطبيقاته المتعددة ومجالاته الكثيرة وتقنياته المذهلة. بالنسبة لي، فإن تركيزي على أنابيب الكربون النانومترية و أهميتها التجارية والصناعية التي تدخل في معظم الصناعات كمادة أساسية أو مكملة لما لها من خواص مذهله تحقق كل متطلبات مستخدميها، فإن هناك مئات التفاصيل و العديد من البحوث والعديد من الأمثلة للتطبيقات و لكن لعلنا في النهاية نكون قد أخذنا فكرة و لو مبسطة عن تقنية المستقبل …وأثر اكتشافي لطريقة جديدة في تصنيع أنابيب الكربون النانومترية من الزيت الثقيل.
وأحب أن أضيف أن المملكة العربية السعودية تملك الإمكانات البشرية و المادية التي تساعدها على الإبداع والتألق في هذه التقنية وغيرها. وأن هذه التقنية مهمة للغاية يحتاجها الاقتصاد المحلي لتنويع مصادر الدخل القومي، ولا غنى للعالم عنها.
بريد الكاتب الالكتروني: hashemhabshi@gmail.com