دائماً ما تبدأ قصص النجاح برؤية، وأنجح الرؤى هي تلك التي تُبنى على مكامن القوة. ومن المعروف أن المملكة العربية السعودية أكبر منتج للنفط في العالم، وهي أهم بوابة للعالم بصفتها مركز ربط للقارات الثلاث ولها موقع جغرافي استراتيجي، وتحيط بها أكثر المعابر المائية أهمية، وتذخر المملكة بوجود ثروات سخية من الذهب والفوسفات واليورانيوم وغيرها، وتمتلك قدرات استثمارية ضخمة، وتسعى إلى أن تكون هذه القدرة محركا لاقتصادها ومورداً إضافيا للبلاد.
وفي إطار الخطط المستقبلية للتحول من اقتصاد قائم على النفط إلى اقتصاد قائم على المعرفة وافق مجلس الوزراء على رؤية المملكة العربية السعوديّة 2030 التي رسمها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية وقام ولي ولي العهد محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود بالإعلان عنها. وترتكّز الرؤية على توفير الفرص للجميع، عبر بناء منظومة تعليمية مرتبطة باحتياجات سوق العمل، وتنمية الفرص للجميع من روّاد الأعمال والمنشآت الصغيرة إلى الشركات الكبرى. وتؤمن باستقطاب أفضل الكفاءات العالميّة والاستثمارات النوعيّة، لتكون دولة قوية مزدهرة تتسع للجميع، وتتقبل الآخر، وسترحب بالكفاءات من كل مكان، وسيلقى كل احترام من جاء ليشارك المملكة في البناء والنجاح.
كما تقوم الرؤية على مواصلة الاستثمار في التعليم والتدريب وتزويد الطلاب بالمعارف والمهارات اللازمة لوظائف المستقبل، وسيكون التركيز أكبر على مراحل التعليم المبكّر، وعلى تأهيل المدرسين والقيادات التربوية وتدريبهم وتطوير المناهج الدراسية. كما ستعزز المملكة جهودها في مواءمة مخرجات المنظومة التعليمية مع احتياجات سوق العمل، وستتوسع في التدريب المهني لدفع عجلة التنمية الاقتصادية، مع تركيز فرص الابتعاث على المجالات التي تخدم الاقتصاد الوطني وفي التخصصات النوعيّة في الجامعات العالميّة المرموقة، وستركز على الابتكار في التقنيات المتطورة وفي ريادة الأعمال. وكانت المملكة قد وضعت في عام 2008 خطة بحثية وطنية بغرض التحول من اقتصاد قائم على النفط إلى اقتصاد قائم على المعرفة بقيادة مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية. وشهدت المرحلة الأولى من هذه الخطة إنشاء معاهد بحثية وجامعات حديثة على أعلى مستوى.
أعلى معدل نمو في البحوث العلمية عالية الجودة في غرب آسيا
ونتيجة لهذه السياسات الثابتة والمستقرة، ومن الفأل الحسن أنه بحسب "مؤشر نيتشر للأبحاث العلمية 2016 المملكة العربية السعودية"، المنشور مع عدد 28 أبريل من دورية نيتشر، أظهرت المملكة أعلى معدل نمو في البحوث العلمية عالية الجودة في غرب آسيا، تزامنا مع تصدر الجامعات السعودية الترتيب عربيا في معظم تصنيفات الجامعات العربية، وتواصل المملكة العربية السعودية تحسين مكانتها كرائد إقليمي في البحث العلمي. وتزداد مساهمة المملكة في نشر أوراق البحث العلمي العالي الجودة بمعدل أكبر من أي بلد آخر في غرب آسيا. وحلّ النمو الذي حققته المملكة، بين عامي 2012 و2015، في مساهمتها في مؤشر نيتشر في المركز الثامن بين أعلى المساهمات على مستوى العالم.
مؤشر نيتشر
يتضمن مؤشر نيتشر، الذي دُشّن في نوفمبر/تشرين الثاني 2014، مقالات بحثية يتم جمعها من مجموعة قوامها 68 دورية متخصصة في العلوم الطبيعية اختيرت بمعرفة هيئتَيْن علميتَيْن مستقلتَيْن من الباحثين الناشطين برئاسة البروفسور جون مورتون، الأستاذ بكلية لندن الجامعية، والدكتور ين-بياو سون، الأستاذ بكلية كينغز كولدج لندن. واستُخدمت الأجوبة التي قدمها أكثر من 2800 فرد شملهم استقصاء واسع النطاق لتأكيد هذه الاختيارات. وتشير تقديرات سبرنجر نيتشر إلى أن هذه الدوريات الثمانية والستين تشكل حوالي 30 في المائة من إجمالي الاستشهادات المرجعية بدوريات العلوم الطبيعية. وتوجد لمحة موجزة متجددة لفترة 12 شهراً من بيانات مؤشر نيتشر متاحة للجمهور بموجب ترخيص المشاع الإبداعي على العنوان الإلكتروني: natureindex.com بحيث يتسنى للمستخدمين تحليل نواتج الأبحاث العلمية بأنفسهم. ويمكن الاطلاع من خلال موقع المؤشر على الإنترنت على ناتج أي مؤسسة علمية من المقالات البحثية على مدى فترة 12شهراً موزعاً حسب المجالات العلمية الواسعة. كما يبين الموقع أيضاً أوجه التعاون الدولي والمحلي الخاصة بكل مؤسسة.
يستخدم مؤشر نيتشر ثلاثة مقاييس لرصد بيانات الانتماء الخاصة بالأفراد:
- عدد المقالات – يخصص لكل بلد أو مؤسسة عدد مقالات بواقع 1 لكل مقال يتضمن مؤلفاً واحداً على الأقل من ذلك البلد أو تلك المؤسسة، سواء أكان للمقال مؤلفاً واحداً أم مائة مؤلف، مما يعني أن المقال الواحد يمكن أن يساهم في عدد المقالات المخصص لبلدان أو مؤسسات متعددة.
- العدد الكسري – يأخذ العدد الكسري في اعتباره المساهمة النسبية لكل مؤلف في مقال بعينه. ويساوي إجمالي العدد الكسري لكل مقال 1، وهذا الرقم موزع على جميع مؤلفي المقال على افتراض أنهم ساهموا بالتساوي في تأليفه. فعلى سبيل المثال، عندما يكون لدينا مقال أعده 10 مؤلفون فهذا يعني أن كل مؤلف يحصل على عدد كسري مقداره 0.1. وفيما يخص المؤلفين الذي عملوا في ظل انتماءات مشتركة، يتم تقسيم العدد الكسري الفردي بالتساوي بين كل انتماء.
- العدد الكسري المرجح – يتم التوصل إلى هذا الرقم بتطبيق عملية ترجيح للعدد الكسري لتعديله بحيث يأخذ في اعتباره العدد الكبير نسبيًّا من المقالات العلمية المنشورة في مجالي علم الفلك وعلم الفيزياء الفلكيّة، حيث تنشر الدوريات الأربعة المتخصصة في هذيْن الفرعَيْن نحو 50 في المائة من جميع المقالات العلمية المنشورة في الدوريات الدولية المتخصصة في هذا المجال، أي حوالي خمسة أضعاف الأرقام المناظرة لها فيما يخص المجالات الأخرى. وبالتالي فعلى الرغم من جمع البيانات الخاصة بعلم الفلك والفيزياء الفلكيّة بطريقة مماثلة تمامًا للطريقة المستخدمة مع المجالات الأخرى، يخصَّص للمقالات المنشورة في هذه الدوريات خُمس الوزن المرجح للمقالات الأخرى.
ويستند مؤشر نيتشر إلى مساهمة البلد أو المؤسسة في نحو 60 ألف مقالة علمية عالية الجودة تنشر كل سنة، ويحسب كلًّا من العدد الإجمالي للمقالات العلمية والمساهمة النسبية لكل مقال منها. ويحلل "مؤشر نيتشر للأبحاث العلمية 2016 المملكة العربية السعودية" بيانات مؤشر نيتشر ويترجمها ويضعها في سياقها لكي يكون انعكاسًا لإنجازات المملكة. وفي عام 2015، فاق الناتج البحثي السعودي ما أنتج كل جيران المملكة العرب وعدة رواد إقليميين آخرين، ليستحوذ البلد بذلك على ثاني أعلى ناتج في المؤشر في غرب آسيا. وارتفعت مساهمة المملكة بنسبة 85 في المائة منذ 2012.
يشكّل علم الكيمياء ثلثي البحوث العلمية في المملكة العربية السعودية في المؤشر، وقد تضاعفت مساهمة البلد في المقالات العلمية المنشورة في هذا المجال ثلاثة أضعاف منذ عام 2012. ويرفع هذا النمو في مجال الكيمياء المملكة إلى مركز متقدم عن عدة دول أوروبية مثل البرتغال، فنلندا وأيرلندا. وتشكّل جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية وجامعة الملك عبد العزيز، وكلتاهما تقعان على الساحل الغربي للمملكة، حوالي 90 في المائة من إجمالي الناتج العلمي السعودي في عام 2015 تبعاً لقياسات مؤشر نيتشر. لكن كلتا الجامعتَيْن تتبعان استراتيجيتَيْن مختلفتَيْن تماماً، حيث يأتي شطر كبير جداً من ناتج المقالات العلمية من متعاونين خارج البلاد في حالة جامعة الملك عبد العزيز، وأما جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية فيأتي الشطر الأكبر من مساهمتها من داخل جدران المؤسسة ذاتها.
وقد دفعت نماذج التعاون الدولي القوي صعود المملكة العربية السعودية في الناتج العلمي، حيث ظلت الولايات المتحدة أكبر متعاون مع المملكة منذ عام 2012، لكن التعاون مع الصين شهد زيادة كبيرة على مدى هذه الفترة ذاتها، ولم يتباطأ إلا في عام 2015، مما جعل من الصين ثاني أكبر متعاون مع المملكة. وتحل ألمانيا والمملكة المتحدة بعد ذلك في المركزين الثالث والرابع. ومقارنة بنماذج التعاون الدولي، نجد أن التعاون الإقليمي والمحلي محدود للغاية في المملكة العربية السعودية، غير أن مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث حقق نجاحاً بالتركيز على هذين المجالين في التعاون، مما ساعد أيضاً على إنشاء قاعدة محلية من الباحثين ذوي الخبرة. وعلّق ديفيد سوينبانكس، مؤسس مؤشر نيتشر، على ذلك بقوله: "الزيادة التي حدثت مؤخراً في ناتج المملكة العربية السعودية من الأبحاث العلمية عالية الجودة ملفتة للأنظار. ويستند هذا في جزء كبير منه إلى التعاون الدولي. ويكمن التحدي الذي يواجه المملكة الآن في بناء تعاون داخلي بين مؤسساتها لكي تستفيد من طاقاتها بالكامل، تصير مركز قوة أكبر في مجال البحث العلمي".
مجموعة نيتشر للنشر
يتبع مؤشر نيتشر مجموعة نيتشر للنشر، وتعد نيتشر ناشر متخصص في نشر المعلومات العلمية عالية الأثر، وتنشر المجموعة دوريات وقواعد بيانات على الإنترنت وخدمات عبر العلوم الحياتية والفيزيائية والكيميائية والتطبيقية. وتعد دورية نيتشر (تأسست في 1869)، بتركيزها على حاجات العلماء، الدورية العلمية الأسبوعية الرائدة في العالم. تنشر مجموعة نيتشر للنشر تشكيلة من دوريات "نيتشر ريسيرتش" ودوريات "نيتشر ريفيوز"، فضلًا عن طائفة من الدوريات الأكاديمية ودوريات الشركاء الرفيعة، من ضمنها مطبوعات مملوكة لجمعيات. أما على الإنترنت فيتيح موقع nature.com لأكثر من 8 ملايين زائراً شهرياً إمكانية الوصول إلى مطبوعات وخدمات مجموعة نيتشر للنشر، بما في ذلك أخبار وتعليقات من دورية Nature، وقائمة Naturejobs للوظائف العلمية القيادية. وتشكلت في عام 2015 من خلال اندماج مجموعة نيتشر للنشر وبالجريف ماكميلان وماكميلان إديوكيشن وسبرنجر ساينس + بيزنس ميديا.
أما سبرنجر نيتشر www.springernature.com فهي دار نشر عالمية رائدة للأعمال البحثية والتعليمية والمهنية، وهي تضم تشكيلة من الأسماء التجارية المحترمة والموثوقة التي توفر محتوى عالي الجودة من خلال مجموعة من المنتجات والخدمات المبتكرة. وتعد سبرنغر نيتشر أكبر ناشر في العالم للكتب الأكاديمية، وناشر أكثر الدوريات تأثيراً في العالم، ورائد في مجال البحوث المفتوحة. يعمل بالشركة نحو 13 ألف موظف موزعين على أكثر من 50 بلداً، ويبلغ حجم أعمالها نحو 1.5 مليار يورو.
بريد الكاتب الالكتروني: tkapiel@sci.cu.edu.eg