ابن الجزار القيرواني

هو أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن أبي خالد ويعرف بابن الجزار الطبيب القيرواني المشهور ولد بالقيروان وعاش وتوفي فيها سنة 369 هجري (980 ميلادي) وقد بلغ من العمر الثمانين أو أكثر. نال شهرة بلغت الآفاق، فكان طلاب الأندلس يتوافدون إلى القيروان لتحصيل الطب عليه ويعرف في الغرب باسم ALGIZAR. نشأ مولعا بالطب في أسرة من الأطباء فجده كان طبيبا وأبوه وعمه كذلك. وتتلمذ على يد عمه أبي بكر الطبيب الجراح المتوفي سنة 933 ميلادي وعلى يد اسحاق بن سليمان الإسرائيلي الطبيب والفيلسوف التونسي المتوفي سنة 932 ميلادي وإسحاق بن عمران البغدادي الذي استوطن القيروان فترة من الزمن وصاحب كتاب نزهة النفس.

يقول الطبيب الأندلسي سليمان بن حسان المعروف بابن جلجل صاحب كتاب طبقات الأطباء والحكماء والذي يعود إليه الفضل في أغلب ما نعرفه عن سيرة ابن الجزار إنه كان من أهل الحفظ والتطلع والدراسة للطب وسائر العلوم.  وأورد ابن جلجل ما يدل على رفعة شأن ابن الجزار في القيروان وحسن سيرته فيقول "كان قد أخذ لنفسه مأخذاً عجيباً في سمته وهديه وتعدده ولم يحفظ عنه بالقيروان زلة قط ولا أخلد إلى لذة وكان يشهد الجنائز والعرائس ولا يأكل فيها ولا يركب قط إلى أحد من رجال إفريقية ولا إلى سلطانهم إلا إلى أبي طالب عم معد (المعز لدين الله الفاطمي) وكان له صديقاً قديماً فكان يركب إليه يوم جمعة لا غير وكان ينهض في كل عام إلى رابطة على البحر المستنير (…) فيكون هنالك طول أيام القيظ ثم ينصرف إلى إفريقية (القيروان) ولئن تشير الكثير من المصادر أنه لم يغادر افريقية قط فإن المستشرقة الألمانية "زغريد هونكة" تذكر أنه كان كثيراً ما يصاحب السفن العربية التي تذهب من تونس إلى الشواطئ الأوربية ويعمل كطبيب على ظهرها. وهو ما يفسر تأليفه لكتاب "زاد المسافر" الذي يصف فيه أمراض السفر.

تذكر الآثار أنه كان يمارس الطب في بيته لفائدة عموم الناس وكان يصنع الدواء بنفسه ولا يأخذ أجرة عن الفقراء وقد ألف رسالة حول طب الفقراء والمساكين توجد مخطوطة في المتحف العراقي. وكان يشخص المرض ويصف الدواء ثم يرسل المريض إلى ما يشبه الصيدلية في وقتنا الحاضر لأخذ الدواء الذي يكون غالبا من صنع ابن الجزار. ويصف ابن جلجل طريقة ممارسة للطب ابن الجزار فيقول إنه "كان قد وضع على باب داره سقيفة أقعد فيها غلاماً له يسمى برشيق أعد بين يديه جميع المعجونات والأشربة والأدوية فإذا رأى القوارير بالغداة أمر بالجواز إلى الغلام وأخذ الأدوية منه ".

ولا تتوافر معلومات كثيرة عن حياته وإسهاماته العلمية. ويكتفي معظم المؤرخين بالإشارة إلى مؤلفاته. وقد وصف ابن الجزار في كتبه أسباب الأمراض التي قد تصيب المرء في رحلة ما وعوارض هذه الأمراض وطرق علاجها. كما قدم وصفاً دقيقاً لمرضي الجذري والحصبة، ومعلومات دقيقة عن الأمراض الباطنية، وتعرض لأنواع الحمى وكتب عن الأوبئة. وقد نال ابن الجزار شهرة تجاوزت حدود بلاده، فكان طلاب الأندلس يتوافدون إلى القيروان لتحصيل الطب عليه منهم أبو حفص عمر بن بريق الأندلسي الذي قدم القيران ولازمه فترة من الزمن وأخذ عنه وروى من تآليفه ثم عاد إلى الأندلس وعمل طبيبا في بلاط الدولة الأموية خصوصا في عهد عبد الرحمان الناصر. وابن بريق هو من أدخل كتب ابن الجزار للأندلس فتلقاها عنه أطباء آخرين منهم سليمان بن جلجل الذي كتب ترجمة حياة ابن الجزار.

ألف ابن الجزار العديد من المؤلفات في مجال الطب أهمها "زاد المسافر وقوت الحاضر" في مجلدين وهو أشهر كتب ابن الجزار في الطب، ترجمه قسطنطين الإفريقي إلى اللاتينية، كما ترجم إلى اليونانية والعبرية. وقد كانت للكتاب شهرة واسعة بين أطباء القرون الوسطى، وظل يدرس في الجامعات الأوربية حتى القرن السادس عشر كما تقول مؤلفة كتاب "بُناة الفكر العلمي في الحضارة الإسلامية" حليمة غراري. وتوجد نسخ مخطوطة من هذا الكتاب في عدد من المكتبات عبر العالم. ومن مؤلفاته كذلك " كتاب الاعتماد" وهو مصنف في الأدوية ألفه للمعز لدين الله الفاطمي وتوجد مخطوطات منه في الجزائر واسطنبول. وكتاب  "طب الفقراء والمساكين" وهو رسالة مخطوطة توجد في المتحف العراقي. وكتاب " أسباب الوباء بمصر والحيلة في دفعه" ورسالة "ذم إخراج الدم " و"رسالة في النفس" وكتاب "سياسة الصبيان وتدبيرهم" وهو كتاب رائد في مجال طب الأطفال ورعايتهم صحيا وعقليا ونفسيا قدم فيه القواعد اللازمة لحفظ صحة الطفل.

المراجع

• طبقات الأطباء والحكماء ابن جلجل.
• كتاب العمر في المصنفات والمؤلفين التونسيين – المجلد الثاني حسن حسني عبد الوهاب.
• بُناة الفكر العلمي في الحضارة الإسلامية حليمة غراري.             

بريد الكاتب الالكتروني: gharbis@gmail.com