رمال طاردة للماء تقلل من هدر المياه
الكاتب : د. طارق قابيل
الكاتب : الصغير الغربي
صحفي علمي تونسي
08:32 صباحًا
15, يونيو 2016
هو أبو الحسن علاء الدين علي بن إبراهيم بن محمد الأنصاري المؤقت المعروف باسم ابن الشاطر عاش بين سنتي 1304 و1375 م في دمشق. توفي والده وهو في السادسة من العمر، فكفله جده، ثم ابن عم أبيه وزوج خالته الذي علمه تطعيم العاج، ومنه اكتسب كنيته "المطعم". جمع ثروة كبيرة واستغلها في التنقل بين الأمصار لتعلم الرياضيات والفلك، فاتجه إلى الإسكندرية والقاهرة ومكث فيها مدة يتلقى العلم.
قضى معظم حياته في وظيفة التوقيت ورئاسة المؤذنين في الجامع الأموي الكبير بدمشق، ونالَ شهرةً عظيمة بين علماء عصره كعالم فلكي، ووضع نظريات فلكية ذات قيمةٍ علمية رفيعة، وله كتب متخصصة في صنع الأجهزة مثل الإسطرلاب والمزاول الشمسية. وصنع ساعة شمسية لضبط وقت الصلاة سماها "البسيط" وضعها على إحدى مآذن الجامع الأموي. وهذا الابتكار يدل على أن ابن الشاطر أول مبدع لأول ساعة ميكانيكية معدنية، بعد أن كانت صناعة الساعات تعتمد على الخشب القاسي وعلى قوة الماء في دورانها. كما ابتكر اسطرلاباً لا يزال موجوداً في مكتبة باريس الوطنية محفوظاً بها، مسطراً عليه أنه قُدِّم إلى الشيخ علي بن محمد الدربندي.
وتمكّن ابن الشاطر من تحديد مدارَي "عطارد" و"القمر" اللذين حيّرا علماء الفلك طويلاً مستفيدا من إنجازات مدرسة "مراغة" لعلم الفلك التي قادها الفلكي الكبير "نصير الدين الطوسي". ووضع نظريتين لحركة هذين الجرمين تعدان أول خطوة للتخلص من نظرية بطليموس التي تقول بأن جميع الأجرام تدور حول الأرض وتحقق أولى الخطوات على الطريق المؤدي إلى العلم الحديث. وقد استخدم نيكولاس كوبرنيكوس نفس النظريات بعد ذلك بقرن ونصف. وهذا التطابق الذي تم اكتشافه في الخمسينات من القرن الماضي طرح سؤالاً مثيراً للاهتمام حول احتمال انتقال نظرية الكواكب لابن الشاطر إلى أوروبا. وكان هذا السؤال موضوعا لعدد من الأبحاث العلمية لكن الاجابة لم تحسم بعد. ومن المعروف أن كوبرنيكوس استنسخ نظرية ابن الشاطر حول حركة كوكب عطارد لكنه لم يفهمها بشكل صحيح كما يقول ديفد أ كنغ.
كما صحح ابن الشاطر المزاول الشمسية التي بقيت تتداول لعدة قرون في كل من الشام ومصر وأرجاء متعددة من الدولة العثمانية، ولبى دعوة السلطان العثماني مراد الأول بتأليف زيج يحتوي على نظريات فلكية ومعلومات جديدة. كما نجح ابن الشاطر في قياس زاوية انحراف دائرة البروج، وتوصله إلى نتيجة غاية في الدقة. وفي هذا يقول جورج سارتون: «إن ابن الشاطر عالم فائق في ذكائه، فقد درس حركة الأجرام السماوية بكل دقة، وأثبت أن زاوية انحراف دائرة البروج تساوي 23 درجة و31 دقيقة سنة 1365 علماً بأن القيمة الصحيحة التي توصل إليها العلماء في القرن العشرين هي 23 درجة و31 دقيقة و19,8 ثانية".
واهتم ابن الشاطر بالتأليف مع عمله كمؤذن وموقت في الجامع الأموي، فألف أكثر من ثلاثين كتابا ما زال عدد منها مفقودا ومنها كتاب " نهاية الغايات في علم الفلكيات" و "رسالة في الأرصاد" وكتاب "الأشعة اللامعة في العمل بالآلة الجامعة" و "أرجوزة في الكواكب" وكتب عدة كتب في النجوم والجغرافية والرياضيات.
ومن مؤلفاته التي أشار إليها الزركلي في كتابه "الأعلام" كتاب "الزيج الجديد" الذي كتبه بطلب من الخليفة العثماني مراد الأول الذي حكم الشام ما بين 1360 و1389م. وقد قدم فيه ابن الشاطر نماذج فلكية قائمة على التجارب والمشاهدة والاستنتاج الصحيح. وكتاب "تعليق الأرصاد" الذي فصل فيه اعتراضاته على فرضيات وأفكار العالم الفلكي اليوناني بطليموس. وهو كتاب مفقود لكنه ذكره في مقدمة كتاب "نهاية السؤال" بقوله "وقد تتبعنا تلك الشكوك الواردة على تلك الاصول وشرحنا ذلك في كتاباً سميناه تعليق الارصاد". وكتاب "إيضاح المغيب في العمل بالربع المجيب" وكتاب "أرجوزة في الكواكب" و"رسالة في الأسطرلاب". وظلت كتبه في الأسطرلاب والمزاول الشمسية متداولة لعدة قرون في كل من الشام، ومصر، وفي أرجاء الدولة العثمانية وسائر البلاد الإسلامية ؛ حيث كانت يعتمد عليها لضبط الوقت في العالم الإسلامي.
المراجع
بريد الكاتب الالكتروني: gharbis@gmail.com