مجلة أجسر – مجلة عربية محكمة في مجال العلوم – زورو موقعنا

ابن البيطار

"سلسلة "علماء عرب و مسلمون"
الكاتب

الكاتب : الصغير الغربي

صحفي علمي تونس

الوقت

04:50 صباحًا

تاريخ النشر

08, يونيو 2016

ضياء الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد المالقي والملقب بالعشاب وبالنباتي لكن لقبه الأشهر هو ابن البيطار نسبة إلى والده الذي كان بيطرياً. ولد حوالي سنة 1197 في مالقة (بإسبانيا اليوم) وتوفي في دمشق سنة 1248. يوصف بأنه أعظم النباتيين والصيادلة في الإسلام، وأوحد زمانه في معرفة النبات، وأعظم عالم نباتي وصيدلي في العصور الوسطى كلها.

نشأ ابن البيطار في كنف عائلة من العلماء، وكان أبوه بيطريا وإليه يعود لقبه "ابن البيطار" وهو ما زرع في داخله حب الاطلاع والمعرفة. قضى حياته متنقلا في رحلة طويلة بين الأمصار للبحث عن النباتات الطبية ومشاهدتها بنفسه والتيقن منها. كانت اشبيلية أولى محطاتها حيث أخذ عن علمائها كأبي العباس النباتي المعروف بابن الرومية وعبد الله بن صالح "أبو حجاج. وغادر الأندلس وهو في العشرين من عمره نحو سبتة في المغرب ثم إلى قسنطينة وتونس وطرابلس. وبلغ سنة 1224 آسيا الصغرى قبل أن ينتقل إلى سوريا ومصر حيث قضى وقتاً طويلاً. وفي مصر دخل في خدمة الملك الكامل الأيوبي، الذي عينه رئيساً على سائر العشابين. وبعد وفاة الكامل، ظل في خدمة ابنه الملك الصالح نجم الدين الذي كان يقيم في دمشق. ومن دمشق شرع ابن البيطار في دراسة النباتات في الشام وآسيا الصغرى بصفته طبيباً عشاباً.

وتقول الباحثة المغربية حليمة غراري مؤلفة كتاب "بناة الفكر العلمي في الحضارة الاسلامية": "إن ابن البيطار يعتبر أعظم عالم نباتي ظهر في القرون الوسطى ومن أكثر العلماء إنتاجا، درس النباتات وخواصها في بلاد واسعة، وكان لأبحاثه الأثر الكبير في تطور هذا العلم. وهو أول عالم اهتم بدراسة الحشائش التي تضر بالمحاصيل وصنفها حسب كل محصول إضافةً إلى اهتمامه بالنبات، اهتم ابن البيطار بدراسة الحيوانات البحرية والبرية، وذكر فوائدها في معالجة الأمراض، وهو بذلك يعد من كبار علماء علم الحيوان". كما كان ابن البيطار من أعظم الصيادلة. ويقول سيد حسن في كتاب "العلوم والحضارة في الإسلام": "إن ابن البيطار أعظم عالم مسلم في علمي النبات والعقاقير، وقد طغت سمعته الواسعة على جميع الصيادلة في القرون الوسطى، وبدون شك، فهو أعظم صيدلي منذ عصر ديسقوريدس حتى العصر الحديث". ولم يقتصر ابن البيطار على استخلاص الأدوية من الأعشاب الطبية، بل استخرج كثيراً منها من الحيوانات والمعادن.

يعتبر كتابه "الجامع لمفردات الأدوية والأغذية" والمعروف ب "مفردات ابن البيطار" من أنفس الكتب النباتية وأشهرها. ويذكر الدكتور أحمد عيسى في كتابه "تاريخ النبات عند العرب" أن ابن البيطار جمع فيه كل ما بلغه من تصانيف الأدوية المفردة ككتاب الغافقي وكتاب الزهراوي وكتاب الشريف الإدريسي الصقلي وكتاب المنهاج لابن جزلة والحاوي للرازي والمرشد للتميمي وفصل الخطاب للتيفاشي وكتب ابن باجه وإسحاق بن عمران وابن ماسويه وأبي حنيفة الدينوري وابن زهر وغيرهم. واستوعب فيه جميع ما في كتاب الأفضل لديسقوريدس في كتب أرسطاطاليس، وأبقراط، وأوريباسيوس، وروفس، وفولس الأجانيطي وغيرهم؛ ثم ألحق بقولهم من أقوال المحدثين في الأدوية النباتية والمعدنية والحيوانية ما لم يذكره غيره وشاهده بنفسه في مختلف البلدان، وعلى اختلاف الأسماء من بربرية وعجمية ولاتينية وفارسية. وقد استقصى فيه ذكر الأدوية المفردة وأسمائها وتحريرها وقواها ومنافعها، وبين الصحيح فيها وما وقع الاشتباه فيه. وقد ضمّن كتابه شروحاً مفصَّلة لأكثر من 1400 دواء منها 300 دواء جديدا من ابتكاره الخاص ، كما بين فيه الخواص والفوائد الطبية لجميع هذه العقاقير وكيفية استعمالاتها كأدوية أو كأغذية. واستخدم ابن البيطار التصنيف حسب الحروف الأولى للنباتات، فباب حرف الصاد، على سبيل المثال، يضم أسماء النباتات التي تبدأ بهذا الحرف، وهكذا، وساعد هذا التصنيف الأبجدي على تحويل موسوعته إلى مرجع وأصبحت نموذجاً لأسلوب الكتابة الأكاديمية حتى أيامنا هذه وقد ظلت موسوعته هذه مستعملة إلى بدايات القرن الثامن عشر بعد ترجمتها إلى العديد من اللغات. وفي اللغة العربية طبع كتاب الجامع عام 1874 في مصر ونشرته دار صادر في بيروت 1980.

كما وضع ابن البيطار العديد من المصنفات الأخرى منها كتاب "المغني في الأدوية المفردة" وهو يلي كتاب الجامع من حيث الأهمية، ويقسم إلى عشرين فصلاً، ويحتوي على بحث الأدوية التي لا يستطيع الطبيب الاستغناء عنها، ورتَّبت فيه الأدوية التي تعالج كل عضو من أعضاء الجسد ترتيباً مبسطاً وبطريقة مختصرة ومفيدة للأطباء ولطلاب الطب، ويوجد منه العديد من النسخ المخطوطة. وقد اتبع ابن البيطار منهجا علميا يقوم على الملاحظة والتجربة وعدم الأخذ بما وصله من معلومات شفاهية أو مكتوبة قبل اثباتها بالتجربة وشرح هذا المنهج الذي اتبعه في أبحاثه فيقول: "… ما صحَّ عندي بالمشاهدة والنظر، وثبت لدي بالمخبر لا بالخبر أخذتُ به، وما كان مخالفاً (…) للصواب نبذته ولم أعمل به…".

لقد أسهم ابن البيطار في تطور الحضارة البشرية من خلال علوم النبات والصيدلة والطب اسهاماً عظيماً باكتشافاته العلمية الهامة، ومؤلفاته التي تركها خير برهان على تفوقه ونبوغه، مما جعله يرقى إلى مصاف كبار علماء العرب والمسلمين الذين أغنوا المكتبة العربية والعالمية ببحوثهم ودراساتهم القيّمة.

رحمه الله و غفر له و جزاه خير الجزاء عن علم نافع ينتفع به.

 

بريد الكاتب الالكتروني: gharbis@gmail.com

الزوار الكرام: يسعدنا مشاركتكم وتواصلكم حول هذا المقال

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

license
0 التعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
guest

شبكاتنا الاجتماعية

  • facebok
  • twitter
  • Instagram
  • Telegram
  • Youtube
  • Sound Cloud

يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

icons
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x