تمكَّنَ ناجون من سكتةٍ دماغيّة من المشي والتّحرّكِ مجدّداً بعد أن ظنوا بأنّهم سيبقَون مشلولين أو محتاجين لكرسيٍّ متحرّك طيلة حياتهم، وذلك بفضل علاجٍ بالخلايا الجذعيّة يعتبَر الأوّل من نوعه. لقد سمح ثمانيةَ عشرَ مريضاً للأطبّاء بثقبِ جمجمتهم وحقن خلايا جذعيّة في الجزء المتضرّر من دماغهم، وقد تحسّنَت حالتُهم نتيجةً لذلك تحسّناً استثنائياً. كانت النّتائج لا تُصَدَّق، حيث نجحَت التّجربةُ عند مرضى عانوا من سكتة ٍ دماغيّةٍ حدثَت قبلَ ستّة أشهرٍ إلى ثلاث سنوات. ولطالما اعتقد الأطبّاء، تاريخيّاً، أنّ الدّماغ لا يستطيع أن يتجدّد بعدَ ستّة أشهرٍ من حصولِ ضررٍ ما. لكنّ العلاج الجديد يقومُ بتحويلِ دماغِ الشّخص البالغِ إلى دماغِ طفلٍ وليدٍ حتّى يتمكّنَ من إعادة بناء نفسه.
"ناجونَ منَ السّكتة الدّماغيّة، يتمكّنون من المشي مجدّداً بعد قيام فريق طبي بجامعة ستانفورد بحقنِ خلايا جذعيّة في الدّماغ" يعتقدُ العلماء في كلّيّةِ الطب جامعة ستانفورد، أنّ هذا العلاجَ قد ينجح في معالجةِ أمراضٍ تنكّسيّة عصبيّة أخرى مثل مرض الزّهايمر أو مرض باركنسون أو مرض التصلّب الجانبيّ الضّموريّ. يقول البروفيسور غاري ستاينبرغ Prof Gary Steinberg، رئيس قسم الجراحة العصبيّة في جامعة ستانفورد، والذي أمضى خمسةَ عشرَ عاماً يبحثُ في مجال الخلايا الجذعيّة: "كان التحسّن الاستثنائيُّ الذي شهدناهُ لدى العديد من مرضى الجلطة الدّماغيّة المزمنة مثيراً للدهشة".
"إن هذا الإنجاز ليس مجرد تمكين المرضى من تحريك إبهام لم يكونوا قادرين على تحريكه من قبل؛ بل يتعدا ذلك لدرجة أنّ هناك مرضى على كرسي متحرك أصبحوا قادرين على المشي. لقد تحسّنَت قدرتُهم على التّحرّك بشكلٍ ملحوظ. وهذا إنجازٌ لم يسبق له مثيل". "لقد غيّرَت هذه الدّراسةُ اعتقادنا السّابق حولَ أنّ المرضى لا يستطيعون التّحسّن كثيراً بعد مرورِ ستّةِ أشهر من حدوثِ السّكتة الدّماغيّة، وذلك لأنّ الدّارات العصبيّة تكون إمّا ماتت أو تضرّرت بشكلٍ غير قابلٍ للعلاج". "من الواضح أنّه بإمكاننا، من خلال طريقة العلاج هذه، إعادة الدّارات العصبيّة إلى الحياة. وما زلنا نبحث في الآلية التي تعود هذه الدارات من خلالها وتعمل من جديد". لقد أُخِذَت الخلايا الجذعيّة التي تمّ استخدامها في هذا العلاج من نخاع عظام متبرّعَين اثنين. اعتقد العلماء سابقاً أنّ الخلايا الجذعيّة لا يمكنها أن تندمجَ داخلَ الدّماغ لتصبحَ خلايا عصبيّة، ولكن ظهر الآن أنّ هذه الخلايا تحوي مواداً كيميائيّة عاليةِ الفعاليّة للنّمو والتجدّد، والتي يستطيع الدّماغ استخدامَها لاستعادةِ وظيفته الحيويّة. وأضاف البروفيسور ستاينبرغ: "بطريقةٍ مبسّطة، تقوم الخلايا الجذعيّة المزروعة بتحويلِ دماغِ البالغِ إلى دماغِ طفلٍ وليدٍ يملك القدرةَ على التّعافي بشكلٍ جيّد بعد سكتةٍ دماغيّةٍ أو أي إصابةٍ أخرى".
"يمكن لهذا الاكتشاف أن يغيّرَ بشكلٍ ثوريٍّ مفهومنا لما يحدث، ليسَ بعد السّكتاتِ الدماغيّة فحسب، بل يتجاوزها إلى الإصابات الدّماغيّة الرّضيّة أو حتّى الحالات التنكّسيّة العصبيّة الدائمة. لقد اعتقدنا سابقاً أنّ الدّارات العصبيّة الدّماغيّة قد ماتت، والآن اكتشفنا أنّ هذا ليس صحيحاً ". إنّ جميعَ المرضى المشاركين بهذه التّجربة تعرّضوا لجلطات دماغية، حيث منعَت خثرةٌ دمويّةٌ الدّمَ من الوصول إلى المخّ، ممّا أدّى إلى موتِ خلايا عصبيّة دماغيّة. تضمّن الإجراء العلاجيُّ ثقبَة صغيرة في الجمجمةِ فوقَ المنطقةِ المتضرّرة، للتّمكّن من حقن الخلايا الجذعيّة من نوع SB623 في مناطقَ عديدةٍ حولَ مكان الإصابة. لم يخضع المرضى، والذين كان متوسّطُ أعمارِهم 61 سنة، سوى لمخدّرٍ موضعيٍّ. وأُرسِلوا إلى منازلهم في اليوم التالي.
على الرغم من أنّ العديدَ منهم اشتكوا من صداعٍ عقب الإجراء بسببِ الإجراء الجراحي، إلا أنّه لم يتم تسجيل آثارٍ جانبيّةٍ بعيدةِ المدى. بعد ذلك تمّت مراقبةُ تحسّنِهم من خلال القيام بفحوصاتِ دم وتقييماتٍ سريريّة وتصويرٍ للدّماغ. ما أثار الاهتمام هو أنّ الخلايا الجذعيّة التي تمَّ حقنُها لم تعش طويلاً في الدّماغ، إلا أنّ تحسّنَ المرضى وتعافيهم استمرّ حتّى بعد تلاشي هذه الخلايا. تمّ تسجيل تحسّنٍ عام بمعدّل 11.4 نقطة على مقياسِ فحصِ فوجل-ماير (Fugl-Meyert Test)، والذي يقيس مدى قدرةِ مرضى السّكتة الدّماغيّة على التّحرّك بشكلٍ جيّد، ولم يسجَّل حصول انتكاسٍ لدى أيٍّ من المرضى منذ حَقْنِ الخلايا الجذعيّة الذي تمّ قبل سنتين من الآن. يعتَقَد أن يكونَ للخلايا الجذعيّة دورٌ كبيرٌ في مستقبل الطّب، لأنّ بمقدورها التّحوّل إلى أي نوعٍ من خلايا الجسم بحسب المكان الذي توضع فيه. إنّ حوالي 125 ألف شخص في بريطانيا وحدها يعانون من سكتةٍ دماغيّة سنويّاً. ورغمَ وجودِ طرقٍ علاجيّةٍ لمنع حصولِ ضررٍ لاحق، إلا أنه يجب تطبيقها خلال أربعِ ساعات ونصف من وقت حصول السّكتة الدّماغية، حتّى تتمكنَ من حلّ و تفكيك الخثرةِ الدّمويّة. لكنّ العديدَ من المرضى لا يتلقَّون العلاج إلا متأخّرين وعندها يكون الضّرر قد حصل. وقال الدكتور شميم قادر Dr Shamim Qadir، مدير اتّصالات البحوث في جمعية السّكتة الدّماغية (the Stroke Association): "في المملكةِ المتحدة كل ثلاث دقائق ونصف يعاني شخصٌ ما مِن سكتةٍ دماغيّة. وأكثر من نصفِ النّاجين من هذه الجلطات يحدثُ لديهم إعاقات فيما بعد". و "هنالك حاجةٌ ملحّةٌ لإيجادِ طرقٍ علاجيّةٍ بديلة.
أُضيفَتْ هذه التّجربة إلى مجموعة الأدلّة السّريريّة المبكّرة التي تشير إلى أنّ العلاج بالخلايا الجذعيّة يعزّز التّعافي عند المرضى بعد شهور أو حتّى سنواتٍ من وقتِ حصولِ السّكتة الدّماغيّة لديهم. يمنحُ هذا الإنجاز، العديدَ من الأشخاص الذين يعيشون مع إعاقاتٍ جسديّةٍ، أملاً هم بأمس الحاجة إليه. ونحن نتطلّع مستقبلاً إلى نتائج المرحلة الثانية من هذه التجربة السّريرية، والتي قد توفّر لنا معلوماتٍ أكثرَ عن هذا النّوع من العلاج". "وعلى الرّغم من أننا مازلنا في المراحل الأوليّة، إلا أنّه من المحتَمل أن تقودَ هذه النتائج إلى طرقٍ علاجيّةٍ تغيّر من حياة مرضى السّكتات الدّماغيّة مستقبلاً". يبدأ فريق ستانفورد الآن بالمرحلة الثّانية من هذه التّجربة السّريرية، وتتألف من 153 مريضاً، لرؤيةِ ما إذا كان بإمكانهم تكرار النّتائج. "بدأنا الآن أيضاً بتجربة سريريّة مستخدمين نفسَ نوعِ الخلايا الجذعيّة لزرعها داخل أدمغةِ مرضى تعرّضوا لإصاباتٍ دماغيّة مزمنة ناتجة عن رضوض، ومرضى مصابين باختلالٍ عصبيّ وظيفيّ. ومن المرجّح أنْ تنجحَ هذه الطّريقة مستقبلاً في علاج الحالاتِ العصبيّة التّنكّسيّة كمرض باركنسون ومرض لو جيهيرج (مرض التصلّب الجانبي الضموريّ) وحتّى مرض الزّهايمر".
مراجع
لمحة: ما هي السّكتة الدّماغيّة؟
السّكتة الدّماغيّة عبارةٌ عن نوبة دماغية، تحدثُ عندما تنقطع ترويةُ الدّمِ إلى جزء معيّنٍ من الدماغ.
وهناك نوعان من السّكتات الدّماغيّة
- الإقفاريّة: سببها إما كتلةٌ متخثّرة أو انسدادٌ بالأوعية الدّمويّة، يمنع من وصولِ الدّم إلى المخ.
- النّزفيّة: سببها تمزق وعاءٍ دمويٍّ إما داخل الدّماغ أو على سطحه.
مَن هو المعرَّض لخطرِ السّكتة الدّماغيّة؟
- الأشخاص الذين يتجاوز عمرهم الخامسة والخمسين.
- الشخص الذي عانى أحدُ أفرادِ عائلتِه من سكتةٍ دماغيّةٍ، يكون معرّضاً للإصابةِ بشكلٍ أكبر.
- حالات وراثيّة معيّنة، مثل الداء المنجلي، والذي بدوره يمكن أن يسبّب سكتةً دماغيّة.
- حالاتٍ طبيّة مثل ارتفاع ضغط الدم، أو مرض السّكري أو الرّجفان الأذينيّ أو ارتفاع نسبة الكوليسترول بالدم – هذه كلُّها عوامل تزيدُ من خطرِ الإصابة بسكتةٍ دماغيّة.
- يمكن لاختياراتنا الشّخصيّة المرتبطة بنمطِ حياتنا أن تزيدَ من خطرِ التّعرّض لسكتة دماغية، مثل التّدخين وشرب الكحول وزيادة الوزن.
الأعراض
- وهن في عضلات الوجه Facialweakness: هل شُلَّ وجه الشخص من جهة واحدة؟
- وهن في الذّراع weaknessArm: هل بإمكان الشّخص رفع ذراعيه وإبقائهما مرفوعتين؟
- مشاكل في النّطق Speechproblems: هل بإمكان الشّخص التّكلّم بشكلٍ واضح، أم أنّ كلامه متداخلٌ وغير واضح ؟
متى يجب الاتّصال بالطوارئ Timetocall؟
إذا ظهر على المصاب أيّ من الأعراض الثلاثة السّابقة، استدعِ النّجدة فوراً عن طريق الاتّصال بالطّوارئ.
السّكتة الدّماغيّة بالأرقام
- 85% هي نسبة السّكتات الدّماغيّة الإقفاريّة، (أي أنّ سببها إمّا خثرة أو انسداد بالأوعية الدّموية يمنع وصولَ الدّم إلى المخ).
- 15% هي نسبة السّكتات الدماغيّة النّزفيّة، (أي أنّ سببَها هو تمزق وعاءٍ دمويٍّ إما داخل الدّماغِ أو على سطحه. إنّ َ الأذى في هذا النّوع من السّكتات الدّماغيّة أكبر بكثيرٍ من الأذى في السّكتات الدّماغيّة الإقفاريّة. وذلك لأنّ الدّم يتسرّب إلى النّسيجِ العصبي الدماغي بضغط عالٍ).
- 50% هي نسبةُ النّاجين من السّكتة الدّماغية، والذين يعانون من إعاقةٍ جسديّةٍ بسببها.
- 48 جنيه إسترليني هو مقدار المالِ الذي يصرَف على الأبحاث الطبيّة لكلّ مريضِ سكتةٍ دماغيّة سنويّاً، مقارنَةًبـ 241 جنيه يصرَف لكلّ مريض سرطان.
يجدر بنا التنويه أن السكتة تصيب أعضاء غير الدماغ أيضاً مثل النخاع الشوكي أو شبكية العين