شكر وتقدير للأستاذ الدكتورعبدالرؤوف علي المناعمة
إدارة الموقع
الكاتب : الحسين بشوظ
منظمة المجتمع العلمي العربي
12:57 صباحًا
31, أغسطس 2016
سِلسلة: الدليل المنهجيّ إلى الكتابة العِلمية باللغة العربية 3
أنا أتذكر جيدا اليوم الذي قررتُ فيه أن أكون كاتباً، حيث كتبتُ في دفتر يومياتي «اليوم قررتُ أن آخذ الكتابة على مَحمل الجِدّ، وأن أستمر بدون توقف، وأن أتعلم كل ما يمكن تعلمُه لأصبح كاتباً». هذه العبارة أوردها جيمس سكوت في مقدمة كتابه (الحبكة والهيكل) والذي جعل مقدّمته أشبه ما تكون السيرة الذاتية، لرحلتِه الشاقة والطويلة لتعلّم صنعة الكتابة. قد يكون كثيرٌ منكم يعرفُ "جيمس سكوت بيل[i]"، ولكن القليل منكم فقط مَن يعرف قصَّتَهُ مع الكتابة.
يُعتبَـر "جيمس سكوت بيل" أحدَ أبرزِ مُدرِّبي الكتابة الإبداعية في العالم. وصاحبَ أكثرِ الكُتب مبيعا في العالَم كذلك، والحاصل على جائزة كريستي الدولية للتميز. هذه المكانة لمْ يَنلها جيمس سكوت هكذا صُدفة، بل سبَقتْها صعوباتٌ وكَبَوَاتٌ وتحدياتٌ كثيرة جدا، استطاع جيمس التغلب عليها جميعَها، وفرَضَ أخيرا رغبَتَه المُلِحَّة في تحقيق حُلُمِه في أنْ يُصبح كاتبا روائيا حقيقيا وناجحا. قِصة جيمس سكوت مع الكتابة طويلة جدا وشيّقة، ومادام سكوت قد استطاع هزم كلَّ تلك الصعوبات والعَقَبات التي واجهتْه، فبإمكاننا نحن كذلك أن نَحْدُوَ حدوَهُ، ونَهزم جميعَ العوائق والموانع والصعوبات التي تَحُولُ بينَنا وبين تحقيقِ حُلمنا في أنْ نصيرَ جميعاً كُتَّابا مثل "جميس سكوت" كلٌّ في المجالِ الذي يُحبُّه، والتخصصِ الذي يَحلُم به.
وردتْ هذه القصة في مقدمة كتابِه الذي عنونَه بـ (Plot & Structure) حيث سرد لنا تفاصيل معاناتِه وصراعه المرير مع عَدَّوتِه اللّدُودة التي كادتْ أن تهزمَه، وتنهي حُلُمه في أن يصير كاتبا ناجحا ومحترِفا وإلى الأبد. اكتشف جيمس سكوت عِشقَه ووَلَعَهُ بالكتابة منذ أن كان يافعا، هذا الحب والولع، ولَّدَهُ لديْهِ الكَمُّ الكبير من الروايات والقصص التي قرأها، لقد دفعتْه شدة التأثير بالحُبْكة السردية المُتقنة والشديدة الترابط والانسجام في الروايات التي قرأها، إلى محاولة إنتاج نصوصٍ مُماثلة بنفس الجودة التي يجدها في كل مقروءاته، وبعد محاولات عديدة للكتابة، استغرتْ منه جهدَه ووقتَه وكثيرا من المِداد والأوراق والسهر والعزلة، لم يُفلح جيمس في إنتاج ولَوْ نصٍّ واحد مقبولٍ من حيث الحكي والسرد. وتأكد لجيمس أن لتك الأفكار التي طالما أوحتْ بها له عَدُوَّتُه التي كانت تٌثبط مساعيه في أن يحاولَ أن يَكون كاتبا ناجحا يوما ما، وكانت من بين الحجج التي تسوقُها له باستمرار، أن الكتابة مَلَكَـة ذاتية يمنحها الله لمن يشاء ويمنَعها عمن يشاء، والكُتَّــاب يولدون ولا يُصنعون، وأن فِعل الكتابة غيرَ قابلٍ للتعلم، ولن تصير أبدا كاتبا ولو قضيتَ كلَّ حياتِك تتدرب على حرفة الكتابة.
اقتنع جيمس بفكرة أنه لم يُخلق ليكون كاتبا وتخلى عن حُلمِه، وقرر أن يشتغل في مجالات أخرى بعيدة كلَّ البعد عن الكتابة والتأليف، ولكن هاجس الكاتبة لم يَخفُتْ في داخله، وظل نارا كامنة تتلظى تحت رماد يأسه وفشله المتواصل. لم يستطع جيمس سكوت أن يتخلى عن قراءة القصص والروايات التي أَحَبَّها وأدمنَ عليها منذ صغرِه، ومع مرور الأيام، وجد نفسَه يعود للقراءة والكتابة من جديد، ولكن هذه المرة بِنَفَسٍ جديد، فقد اكتشف أن مستواه يتطور، ومع كثرة القراءة بدأ هامش الاستيعاب يزداد أكثر فأكثر، وبقي سؤالٌ ظلَّ يَشغل باله ولمْ يجد له جوابا، وكان موقنا بأنه لو استطاع الوصول إلى جواب له، فلن يقف في طريقه أحد، وكان السؤال الذي يشغله، هو عن مصدرِ المادة السردية العظيمة والمُعجزة لأولئك الكتاب الكبار الذين أدمن قراءةَ رواياتِهم وقصصَهم، وكان كُلما فتح هذا السؤال إلا وجاءَهُ الجواب المُثبِّط الذي اعتاد سماعَه من عدوَّتِه: (هذه المادة العظيمة مزروعة في أدمغتِهم وعقولِهم بالفطرة، وأنتَ لستَ منهم). وكان يؤكدُ هذا الجوابَ، الصفحاتُ الطويلة التي كان يكتبُها جيمس في محاولة منه لاختراع حُبكة قصصية مُشوقة، حيث كان يُجهد مخيِّلَتَه ليتخيّل عوالمَ وقضايا مشابهة لتلك التي يُطالِعها في الروايات، ولكنه في النهاية يكتشفُ أن ما كان يَكتبُه ليس قصصا، بل عباراتٍ وجُملا لا معنى لها.
ورغم كل ذلك اليأس الممزوج بالألم، ظل جيمس يكتب، وقرر أنْ يُداوم على فِعلِ الكتابة حتى وإن لم يَنشر ما يكتب. بينما هو على تلك الحال مدة من الزمن، إذْ وقعتْ يدُهُ على كتابٍ سيغير تفكيرَه ومنطقًه حول الكتابة بشكل كليّ تماما. كان اسم الكتاب "الرواية مِن الحُبكة إلى الطباعة[ii]" للكاتب الأمريكي المعروف "لورانس بلوك"، وقد اعتَبَرَ هذا الكتاب بمثابة هدية إلهية له، جزاءَ ما صبر وكابَد مِن مشاق في سعيِه لتحقيقِ حُلمِه. لقد اكتشف جيمس سكوت من خلال هذا الكتاب الرائع، أن اللغة بالإضافة إلى أنها مَلَكَة طبيعية، إلا أنها كذلك صَنْعَة وحِرفة يجب التدرُّبُ والتَّمَرُّنُ عليها، ولقد اكتشف جيمس أخيرا الخطأ الذي كان يرتكبُه باستمرار، وهو عدمُ البحث عن الأدوات والوسائل المساعدة على التَّمرُّنِ والتدرُّبِ على الكتابة، لقد منح هذا الكتاب لجيمس، الأمل من جديد في أن يكون كاتبا لا يُشق له غُبار، وأصبح بإمكان جيمس الآن أنْ يَدْرُسَ صَنعَة الكتابة، ويتمرَّنَ على عناصر الحبكة القصصية، وصار الآن يعرف معنى البناء الروائي ونماذجِه وآليات تشكُّلِه.
لقد كان جيمس سكوت على صواب، عندما لم يقطع صلته بالقراءة والكتابة، هذا أعطاه الكثير من الزاد المعرفي واللغوي، وجَعَلَهُ يحتك بعشرات الكُتَّــابِ المتميزين على مستوى العالم، عبر مئات الكتب التي قرأها لهم. قد تتساءلون عن العدوة اللَّدودة التي حارَبَتْ جيمس سكوت، وكادتْ تقتل حُلمَه في أن يصير كاتبا محترفا، هذه العدوة سماها جيمس نفسُه في مقدمة كتابه، بــ "الكِذبة الكبرى" التي كانت تتمثَّل أمام عيْنَيْهِ كلما همَّ بالكتابة، إنها نفس الكذبة التي كانت تقول له إن الكُتَّــابَ يُولَدُون بالفِطرة ولا يُصنعون. لقد أخلص جيمس سكوت إلى الكتابة وأحبَّها بصدق، ولم يتخلى عنها أبدا، رغم كل محاولاتِه الفاشلة والمحتشِمَة في بداياته الأولى. وظل ملتزما بِفِعْلِ الكتابة، مُواظبا عليه باستمرار، ولم ييأس رغم الوساوس التي كانت تبثُّها له تلك الكذبة الكبرى. تَمُرُّ سنوات ويكتشف جيمس سكوت أنه استطاع فعلا وبكل اقتدار أن يصير كاتبا حقيقيا متميزا ناجحا ومحترفا، تماما كما كان يحلم من قبل.
يعطي جيمس مجموعة من النصائح الهامة لكل من يريد أن يبدأ مشوار الكتابة نحو الاحترافية والتميُّز، وكانت أول خطوة دعا إليها، هي أن تُحبَّ الكتابة حبا صادقا، وألا تتخلى عنها أبدا مهما حدث، وألا تتنازل عن حُلمِك في أن تصير كاتبا متميزا في يوم من الأيام، ثم أسرد مجموعة من النصائح الأخرى نُجمِلُها في التالي:
في مختتم مقدمة الكتاب، يُنبِّهُنا سكوت إلى أمر هام جدا، وهو ألا نستعجل الثمرة والنتيجة، فيقول «.. هناك الكثير من الكتاب الذين ظلوا لسنوات لا يَلْقَوْنَ أيَّ اهتمام أو قَبُــول، ولكنهم واصلوا الكتابة، واستمروا عليها دون انقطاع، لأنهم يحتضنون في دواخِلِهِم كُتّاباً حقيقين، وبإمكانك أنت أيضا أيها القارئ أن تكون مثلهم، بل هذا هو ما أنت عليه الآن حقا وأنتَ تقرأ هذه الكلمات».
بريد الكاتب الالكتروني: bachoud.houssaine@gmail.com
الكلمات المفتاحية