يعتقد كثير من الناس من غير المتخصصين، أن السرطان مرض مُعدٍ، ويمكن أن ينتقل من إنسان مصاب إلى سليم وربما تكون أنت قد تساءلت يوماً ما إذا كان السرطانُ مرضاً معدياً. غالباً ما يُسأل الأطباء ومُقدّموا الرعاية في مراكز الأورام هذا السؤال. فعلى سبيل المثال، قد تتساءل زوجةٌ عن احتمالية اصابتها بالسرطان إذا كان زوجها مصاباً بسرطان البروستاتا (مثلا)، وقد يتساءل زوجٌ عن إمكانية انتقال السرطان له في حالة إصابة زوجتِه بسرطان عنق الرحم. وقد يسأل مُرافقوا مريضِ السرطان عن احتمالية انتقال المرض إليهم من خلال الاحتكاك والعناية بالمريض أو من اللمس ومن استخدام أدوات المريض أو التعرض لإفرازاته.
الإجابة على هذه الأسئلة لا تكون بـ(نعم أو لا)، وسنحاول في هذه السطور مناقشة هذا الموضوع من زاوية جديدة. زاويةٍ تأخذ بعين الاعتبار حقيقة أن جزءً من مُسبِّبات مرض السرطان هو من الميكروبات المعدية.
تنشأ الأورام السرطانية عن طفرات (خلل في المادة الوراثية) تتسبب بفقدان السيطرة على الانقسامات الخلوية وتتكاثر الخلايا بشكل كبير وتنتج الأورام. الكثير من المركبات الكيميائية وبعض العوامل الفيزيائية (مثل الأشعة فوق البنفسجية والأشعة السينية والإشعاعات الناتجة عن الكثير من المواد المشعة) تعرف بقدرتها على إحداث الطفرات وبالتالي التسبب في السرطان. وكونها السبب الأكثر وضوحا وانتشارا في إحداث السرطان فقد اكتسبتْ شهرة كبيرة، وكون التعرض لهذه المركبات يكون بيئياً فمن المنطقي أن يكون السرطان الناتج عن هذه العوامل لا ينتقل من شخص إلى آخر، وهذا صحيح إلى حد كبير. لذا فإن الإجابة المنطقية للسؤال الذي طرحناه في مقدمة المقال، هي أن السرطانَ غيرُ معدٍ.
لكن دعونا لا نتعجل، تُشكل الـمُـمْرِضاتُ بما فيها أنواع محددة من الفيروسات، البكتيريا والطفيليات سبباً رئيسياً للسرطان. حيث يُعزى إليها التسبب فيما نسبته 15% من حالات السرطان في جميع انحاء العالم، وتساهم العدوى الفيروسية بنسبه 11% من تلك الحالات. ومن الأمثلة على هذه الفيروسات: الفيروسات الكبدية مثل hepatitis B virus , الفيروسات الهيربيسية مثل human herpesvirus-8 وEpstein-Barr virus , فيروسات تورامي مثل Merkel cell polyomavirus , الفيروسات المصفرة مثل hepatitis C virus , الفيروسات القهقرية (Retroviruses) مثل human T-lymphotropic virus1 (HTLV-1) والتي تسبب سرطان الدم وسرطان الغدد الليمفاوية وكذلك بعض السلالات الخاصة من فيروس الورم الحليمي البشري Human papillomavirus والتي تقوم بالسرطنة من خلال تحطيم أو تثبيط نشاط كل من بروتين p53 و Rb وقد تم اكتشاف الكيفية التي تستهدف بها البكتيريا والفيروسات هذه البروتينات من خلال دراسة حالاتِ لبعض الحيوانات المصابة بالسرطان بسبب عوامل فيروسية. ويساهم فيروس نقص المناعة المكتسبة (HIV) كعامل مساعد في رفع نسبة الاصابة بسرطان الغدد الليمفاوية، سرطان الرئة، سرطان الخلايا الكلوية وسرطان الكبد.
أما عن المسببات البكتيرية، فترتبط بعض السلالات الخاصة والتي تُعرف ب CagA-positive strains من بكتيريا الملوية البوابية Helicobacter pylori ارتباطاً وثيقاً بسرطان المعدة. وارتبطت بكتيريا Chlamydia psittaci بالأورام الليمفاوية في ملحقات العين. أما عن الأورام الليمفاوية الجلدية فقد ارتبطت ببكتيريا Borellia burgdorferi. الطفيليات أيضاً متهمة في التسبب بالسرطانات، فقد قامت الوكالة الدولية لأبحاث السرطان بتصنيف Opisthorchis viverrini ضمن المجموعة الأولى لمسببات سرطان الأوعية الصفراوية, أما Clonorchis sinensis فقد تم تصنيفه ضمن المسببات المحتملة. وهناك علاقة بين Schistosoma hematobium وسرطان الخلايا الحرشفية للمثانة.
على الرغم من أن مسببات السرطان قد تكون في بعض الأحيان عوامل معدية كما بينا في الفقرات السابقة، إلا أنه بشكل عام لا يعتبر السرطان من الأمراض المعدية. ولكن تم توثيق بعض الحالات النادرة من الانتقال بين عائلين بعد الاتصال المباشر. شيطان تسمانيا Sarcophilius harrisii (ذاك الحيوان اللاحم الذي يعيش في البراري الاسترالية في جزر تسمانيا) مهدد حالياّ بالانقراض بسبب سرطان فتّاك وقابل للانتقال يسبب مرضاً يُطلق عليه (مرض ورم الوجه الشيطاني) حيث يتسبب في تشكل الاورام داخل وحول فم الحيوان فتحول دون قدرته على تناول الطعام وينتهي به المطاف ميتاً بسبب الجوع. وغالباً ما يستغرق هذا المرض مدة زمنية تُقدّر بستة أشهر حتى يصبح فتاكاً. وتنتقل الخلايا السرطانية في الوجه من حيوان لآخر عند التعرض للعض خلال المشاجرات.
الانتقال المباشر للسرطان لا يقتصر على الحيوانات فحسب، فعلى صعيد البشر، تُطوّر ما يقارب 3500 امرأة كل عام في الولايات المتحدة الأمريكية أوراماً خبيثة خلال فترة الحمل وهناك بعض الحالات النادرة لانتقال الأورام السرطانية من الأم إلى الجنين كانتقال: سرطان الجلد، سرطان الغدد الليمفاوية واللوكيميا. وقد تم توثيق بعض حالات الانتقال بين الأجنة في حالات التوائم. ومن التقارير غير الاعتيادية للانتقال بين الأشخاص، انتقال لسرطان القولون عبر الوخز بإبرة وكذلك انتقال لسرطان الجلد بين أم وابنتها. كما تم توثيق تطوير ورم نسيجي ليفي في طبيب جرّاح بعد أن جرح جزء من راحة يده اليسرى خلال علاجه لمريض وجرى التأكد أنه لا توجد أية صله قرابة بينه وبين المريض وكذلك لم يكن الجرّاح ذا مناعة ضعيفة.
كما وتم تسجيل حالات متفرقة من السرطانات المعدية والتي تنشأ عند زراعة الأعضاء أو الخلايا الجذعية, وقد تبين أن حوالي ثلث الحالات التي طورت السرطان بعد زراعة الأعضاء, كان قد تم نقل الأعضاء لهم من أشخاص يحملون أوراماً خبيثة, وحقيقة أن الثلثين المتبقيان من الحالات لم يطوروا السرطان, تؤكد على أن انتقال السرطان من شخص لآخر يكون نادراً ولحسن الحظ غالباً لا تستطيع الأورام المزروعة في الـأصحاء على البقاء لفترة طويلة وبالتالي فإن هذه الملاحظة تدعم أن المناعة الطبيعية للجسم تمسك بزمام الأمور، وتساهم بشكل كبير في منع انتقال السرطانات بين الأشخاص. هذه الملاحظات تحمل في طياتها أدلة لا تقدر بثمن لعلم المناعة وكذلك تفتح الأبواب لاحتمالية العلاج المناعي لمرضى السرطان.
عافانا الله و إياكم
بريد الكاتب الإلكتروني: elmanama_144@yahoo.com