هل يؤثّر الصوت على التفاعلات الكيميائية؟
د. بلخيري ناجي
الكاتب : الحسين بشوظ
منظمة المجتمع العلمي العربي
01:40 مساءً
19, أكتوبر 2016
يعتقد بعض الكُتاب أن العنوانَ غيرُ ذي جدوى، وأنه مجردُ مَلمح للمقال، ولا يستحق اهتماما مُفرِطا أو عناية خاصة. ويرى البعض الآخر أن الاهتمام الحقيقي يجب أن يَنصبّ على النص أو المقال ذاتِه لا على جُزئية العنوان، فالعنوان يبقى مجرّدَ عنوانٍ مهما أبدعْنا في صياغتِه أو تفنَّنا في تشكيلِه ونَحتِه. هناك مقولة ذائعة الصيت تقول "كل جوهرٍ يُعرف من عنوانِه"، إلا أن هذه المقولة ليست صحيحة تماما، فقد يكون الجوهرُ رديئا فيما يظهر عنوانُه أنيقا وجيِّدا وجذَّابا، وقد يكون الجوهر قَيِّماً ولكن عنوانَه لا يدُلُّ عليه ولا يَحمل في تركيبِه خصائصَ هذه القيمة وهذه الجودة، وبالتالي قد لا يُلتفَتُ إليه ولا يُؤبَهُ به. لذك وجَبَ وضعُ ميزانٍ علمي ومنهجيّ لقياسِ جودة كل من العنوان والجوهر (النص/المقال ..) الذي يدل عليه، حتى لا يَنخدع البعضُ بسحر العنوان وإثارتِه، وحتى لا يُهمل ويُقصى نصٌّ أو مقال قيّمٌ وجيدٌ بسبب ضُعف عنوانِه وركاكتِه.
نُنبه بداية أننا نتحدث في مقالنا هذا عن عناوين المقالات والبحوث والرسائل العلمية، ولا نقصد أبدا النصوص الأدبية أو الإنشائية، فهذه النصوص لا تَخضَعُ لضوابطَ منهجية في صياغة عناوينِها، ويعتمد الأديب في صياغتِها على مُخيله وقُدرتِه التصويرية والتجريدية والانزياحية. تحتاج صياغة العنوان إلى ضوابط لا بد منها، يدخل بعضُها في منهجية الكتابة العلمية والأكاديمية المُتبعة في صياغة العناوين، وبعضها الآخر يندرج ضمن الأمانة العلمية وعدم تمويه القارئ أو الاستخفاف به أو استغفالِه أو
الشروط المنهجية لصياغة العناوين
هناك شروط لا بد مِن توفرها لتمكين الكاتب من صياغة عناوينَ جيدة مستوفية للشروط المنهجية ومنها:
طُرق صياغة العناويــن
يمكن صياغة عنوانٍ ثُمَّ الشروعُ في كتابة مقال له، وهذا يجعل الكاتب أمام وجهة محددة ومعلومة في الكتابة لا يجب الخروج عنها، ويتحتم على الكاتب الالتزام بالعنوان الذي وضعه. كما يمكن كتابة مقال عن موضوع معين ثم استخلاص عنوانٍ منه، وهذه الطريقة تبدوا أسهل من النموذج الأول.
العنوان ابتداءً
وهو أن يكون العنوان حاضرا وجاهزا في ذهن وتصور الكاتب، ويكونُ غالبا عند الكُتَّاب المُلِمِّينَ بموضوع أو قضية معينةٍ تطرحُ إشكالية تؤرق الكاتب، فيضل العنوانُ حاضرا في ذهنِه، في انتظار أن يَشرع في صياغة مقال له، في هذه الحالة يتوجب على الكاتب الانتباه إلى تطابق المقال مع العنوان بمعنى أن تكون عناصر العنوان حاضرة في المقال كله، حتى لا يسرح به المقال بعيدا عن مَقْصَدِيَّة العنوان.
تجميع عناصر الاشكالية لاستخراج العنوان منها:
وهذا الطريقة مِن أصعب الطُّرق في صياغة العنوان، وتحدث عندما يعكف الكاتب على كتابة مقال ذو وِجهات موضوعاتية مُتفرعة، بحيث يجد نفسَه في أخر المطاف أما مقال أو بحث متشعب يخوض في مواضيعَ كثيرة وأحيانا متنافرة، في هذه الحالة يكون الكاتب أمامَ خياريْن: فإما أن يُجزِّئ المقالَ بحسب عدد المواضيع التي يُعالجها، ويجعلَ لكلِّ مقالٍ عنوانا، ثم يتوسع فيها بحسب الحاجة. أو يُحاولَ التوليفَ بين وحداتِ العنوان لتعكس الموضوع وتَدُلَّ عليه قدر الإمكان.
عناوين البحوث والرسائل الجامعية:
إذا كان الأمر يتعلق ببحثٍ أو رسالة جامعية، فإن العنوان الرئيسي يكونُ عنوانا للقضية المركزية التي يُعالجها البحث، وتكون عناوين الفصولِ أو الأبوابِ أو المحاور تفَـرُّعاتٍ أو أجزاءً من القضية الأم. كما يجب الانضباط مع القضية المحورية، حتى لا يتسرب البحث إلى مجالاتٍ أخرى تُعتبرُ مباحثَ مستقلةٍ عما يُعالجُه البحث.
العناوين ذات الحمولة الإشهارية والتسويقية
يجب عدم خداع القارئ عن طريق استمالَتِه بعناوينَ مكذوبة، فإذا كانت هذه الطريقة جائزةً في الكتابة الأدبية، حيث يكونُ العنوانُ الغريب أو الشيِّقُ وسيلة من وسائلِ إغراء واصطياد القراء، فإن الحال في الكتابات العلمية مختلفٌ تماما، فالعناوين المكذوبة التي تكون شيِّقة ومثيرة ولا تعكس المضمون، مذمومة في الكتابات العلمية، وتُعتبَر احتيالا على القراء واستغفالا لهم، إذ يجب على الكاتب احترامُ ذهن وثقافة ومستوى قارئه، وأن يمنحَه مادة تتوافقُ مع العنوان المبثوثِ على ناصية المقال أو البحث، فإن أعجبَه العنوان قرأ المقال وإن لمْ يُعجبْه تركه.
ونضرِب لذلك مِثالاً: "حيث إنَّ كاتبا صحفيا عربيا في إحدى الصحف المغمورة التي لا يقرأها إلا رئيس التحرير وطاقمُه الصحفي، أراد أن يُحقق نسبة قراءة كبيرة للصحيفة، فاحتال في أحد العناوين وكتب بالخط الأحمر العريض على الصفحة الأولى "انقلاب عسكري في اليمن" فصُدم الناس بالخبر وانتشرتْ الصحيفة بين القراء انتشارَ النار في الهشيم، وبيعتْ منها أعداد كبيرة جدا، حتى أن الصُّحُفَ المُنافِسة الأخرى تفاجأتْ بالخبر واشترتْ الصحيفة لتتحقق من مصدر الخبر، فتفاجأوا من خلوِّ المقال من أي اشارة لحدوث انقلاب عسكري في اليمن، وأن المقال لا يتحدث بتاتا عن أيِّ انقلاب، والموضوع برمته يدور حول رَجُلٍ عسكري في اليمن يستعمل حمارا للتنقل بين منزله والتكنة التي يعمل فيها، وبينما هو على الطريق الجبلية الوعرة انزلق به حمارُه، وانقلب الرجل العسكري مِن على ظهر الحمار ووقع أرضا. وقد تعمد الكاتب عدم تشكيل حُروف العنوان حتى لا يفقد العنوان تأثيرَه وقوتَه الإيحائية حيث يصبح العنوان بعد الشكل: ((انقلابُ (رَجُلٍ) عسكريٍّ في اليمن).
في الكتابة الصحفية يجب التفريق بين الصحفي العلمي وهو المعني بهذا المقال بالدرجة الأولى. وصحافة الخبر التي لا تعنينا في هذا المقال بتاتا (خصوصا صحافة الخبر في العالم العربي) وهي صحافة تجارية وتسويقية بالدرجة الأولى، تضع العناوين الكبيرة والضخمة والمُغرية لمواضيعَ ومقالاتٍ ركيكة تافهة وعديمة النفع والفائدة، تستغفل بها القارئ (العربي) لتحقيق نِسَبِ مبيعاتٍ أو مشاهدات قياسية، ولا يَهُمُّها تقديم منتوجٍ صحفيٍّ راقٍ ومفيد، يحترم عقول ووعي وذوق القارئ (العربي).
مُقوّمات العُـنوان الجيد
بريد الكاتب الالكتروني: bachoud.houssaine@gmail.com