مجلة أجسر – مجلة عربية محكمة في مجال العلوم – زورو موقعنا

الباحث والبحـوث العلمية في الوطن العربي

الكاتب

الكاتب : الحسين بشوظ

منظمة المجتمع العلمي العربي

الوقت

01:29 مساءً

تاريخ النشر

18, أكتوبر 2016

البحوث التي يُنجزها الطلبة العرب داخل الجامعات العربية، أو في المراكز أو المعاهد المُلحَقة بها، أو المستقلة المحسوبة على التعليم العالي، هي في معظمها بحوثٌ يغلبُ عليها الطابع النظري الشُمولي، وتطغى عليها العمومية، ولا تنبني على أسئلة جادة، بسبب شساعة الفارق وعُمقِ الهُوَّة  بين النظريات العلمية، وتطبيقاتِها الميدانية في البيئة العربية، الشيء الذي يجعل غالبِيَّة هذه البحوث لا تَحمِلُ أيَّ جديدٍ في حقلِها العلمي، أو إبداعٍ في مجالِها المعرفي أو الفكري، وبالتالي لا يستفيد منها المجتمع العربي في حل مشاكلِه المُزمِنة وتوفير متطلباتِه المُلِحَّة والعاجلة. مما يجعل هذه البحوث في مُجمَلِها، مُجرَّدَ وسيلةٍ لنيلِ الدرجات والحصول على الشواهد.

لا يُنكر أحد أن واقع البحث العلمي في العالم العربي، متأخر وضعيف على عدة مستويات، (بسببِ مجموعِ العوامل السلبية التي تَحُدُّ من كفاءات الباحث العربي، وتُقللُ مِن مردوديتِه العلمية والبحثية) كما لا يُماري أحدٌ في رداءَةِ الكثير من البحوث والدراسات والرسائل والأطاريح المُنجزة في مكتبات ومختبرات الجامعة العربية، ولهذا الوضع ألاَّ صحي أسبابٌ كثيرة وعواملُ متعددة، كما أن له تبعاتٍ سلبية وخطيرة جدا على المجتمع العربي بشكل عام.

الميزانيات المرصودة للبحث العلمي في الوطن العربي

يكفي أن ننظر إلى المبالغ المرصودة للبحث العلمي في الوطن العربي، التي لا يمكن أن نصفها إلا بالفُتات، مما يدفع الباحثين العرب إلى حَملِ حقائبهِم المليئة بمشاريعهم وخططهِم ومقترحاتِهم وأوراقهم البحثية والتطويرية، والطوافِ بها في الأمصارِ والأقاليمَ بحثا عن جهاتٍ يمكن أن تتبنى مشاريعَهم وتموِّل أبحاثَهم. وإلى يوم الناسِ هذا، لمْ يتغيَّر واقع البحث العلمي في العالم العربي منذ خمسين (50) سنة، إذ ظل البحث العلمي أمرا ثانويا بالنسبة للأنظمة وللحكومات العربية، التي كانت ولا زالتْ تُغدق وبسخاءٍ على كل شيء إلاَّ البحثَ العلمي، ونتيجة لذلك، تضاعف عدد الفقراء في الوطن العربي، وانكمش الاقتصاد، وتراجعتْ التنمية، وزادت الأمية والجهل والتخلّف، وتفشّت البطالة و…، هذه الحالة، انعكستْ سلبا على التعليم بشكل عام، وعلى التعليم العالي والبحث العلمي بشكل خاصٍّ وأساسي.

لا يمكن أن نتحدث عن البحث العلمي في العالم العربي، وتوسيعه وتجويدِه، دون أن نتحدث عن توفير الأرضية المناسبة لغرس ثقافة المعرفة والفكر، والتشجيع على الإبداع والابتكار والتطوير وممارستِه حقيقةً لا شعارا، وتوفير الإمكانيات المادية والتجهيزات والمُعِدَّات الضرورية للقيام بهذا البحث. فالأماني والطموحات لا تُعزِّزُها ولا تُعضِّدُها الصورة القاتمة لواقع البحث العلمي في العالم العربي، ويكفي أن نقوم بمقارنة بسيطة، (وإن كانت لا تنسجم باعتبار الفارق المهول بين المقارَن والمقارَن به)، فإننا نجد أنَّ دولة كفرنسا مثلا، تمتلك حوالي ألفيْ (2000) مركزٍ ومعهدٍ  للبحوث العلمية والتطوير (مراكز على قدر عالٍ من الجودة على مستوى التجهيزات والإمكانيات المُتاحة لها)، في حين أن الدول العربية مجتمعة (22 دولة)، لا تمتلـك سوى ستمئة (600) مركزٍ ومعهدٍ بحثيٍّ فقط، (هذا دون الدخول في مواصفات هذه المعاهد وهذه المراكز البحثية وإمكانياتِها التجهيزية وجودة الخدمات التي تقدمها). وما دامَ الوضع على هذه الدرجة من البؤس والتردي، فإننا مُطالبون بالاعتراف أولا بموقعِنا الحقيقيّ في قائمة البحث العلمي العالمي، والحسم في نوعية البحوث التي نحتاجها في عالمنا العربي. أما البقاء خارج الحراك العلمي العالَمي، فهذا أمر غيرُ مقبولٍ، ولا يَليقُ بأمة كانت فاتحة الأمم في العلوم والمعارف قبل وقت قريب جداً.

مراتب البحث العلمي

البحثُ العلميّ أنواع كثيرة جداً، ومراتبُ مختلفة ومتفاوتة، ويمكن أن نُجملها في نوعين أساسيين من البحوث هما:

  • البحثُ لأجل العِلم والمعرفة والاكتشاف

هذا النوع من البحوث مُكلِّفٌ جدا، وتتبناه المؤسسات العِلمية والبحثية العالمية (معاهد البحوث في التكنولوجيا الحيوية – الطب – الكيمياء – الفلك – الفيزياء والرياضيات- التكنولوجيا الرقمية – الصناعة – الزراعة …)، وتضطلع به الدول الرائدة والمتقدمة في مجال البحث العلمي والمُنتجة للعلوم، وتُخصصُ له ميزانياتٍ كبيرةً جدا، قد تصل أو تفوق ميزانياتِ دول[i]، وينخرط في هذا النوع من البحوث إلى جانب الحكومات، القطاعُ الخاص، الذي يسعى إلى تطوير القطاعات الحيوية والتغلب على المشاكل والمعيقات التي تكبح عجلة الإنتاج أو تؤخر الاقتصاد، أو دفع الأزمات الاقتصادية (التي تؤخر النمو وتصيب الاقتصاد بالشلل وركود)، والصحية (الأوبئة الفتاكة التي تهدد الجنس البشري بشكل مباشر أو غير مباشر[ii]). بحلول علمية تَخرج مِن المختبرات العلمية والمعاهد والمراكز البحثية.كما تنشط هذه البحوث في ميدان الاكتشافات وإضاءة المجاهل والبؤر المظلمة في معارف ومدارِك البشر، وإيجاد إجابات وتفسيرات للأمور التي مازالت تثير فضول البشر نحو المعرفة، من قبيل اقتحام مجاهل الفضاء، أو التعمق أكثر في خصائص المواد وجواهر الأشياء وآليات الالتئام وعوامل التشظي في المحسوسات (المادة) وتفسير الظواهر الطبيعية المختلفة.

  • البحث لأجل الحاجة، أو ما يصطلح عليه بالبحث التطبيقي

 

وهو البحث الذي يهدف من ورائه إلى التغلب على الصعاب، واختراع بدائل وإيجاد حلول لتسهيل وتيسير حياة الناس. هذا النوع من البحوث هو ما تحتاجه الدول العربية لمعالجة مشاكلِها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية والبيئية والفكرية وغيرها من المشاكل الكثيرة التي شاختْ في البلاد العربية.

فلننظر مثلاً إلى كل البحوث التي أنجزتْ في كليات الزراعة في الدول العربية منذ نشأتِها إلى اليوم، معظمها أبحاثٌ سطحية عبارة عن تجميع للمعلومات والدراسات والإحصاءات الحديثة أو المستهلَكة، الثاوية في بطون الكتب، وإعادة ترتيبها وفق مقتضيات البحث. في حين ينبغي لهذه البحوث أن تسعى إلى تطوير الزراعة والفلاحة وحل مشاكل الغذاء في الوطن العربي الذي تُعاني معظم دولِه من الجوع والهشاشة والفقر و…، وإلا فما معنى أن تكون في كل دولة عربية كلية للزراعة عُمرها خمسون (50) سنة، ولم تستطع حل مشكل واحد من مشاكل الزراعة في البلدان العربية. كمحاربة التصحر وإيجاد حلول لمشكل ندرة المياه، أو استصلاح الأراضي وحماية التربة ومحاربة الجفاف، أو تحسين سلالات الحبوب، وإيجاد بدائل غذائية لمحاربة المجاعة، أو إيجاد وتطوير بدائل غذائية وطنية بدل التبعية الغذائية للخارج. نفس الكلام ينطبق على البحوث التي تُنجَز في كليات الاقتصاد والتسيير وفي كليات الطب، وفي كليات الهندسة، وكليات التكنولوجيا الرقمية والحوسبة.

واقع الباحث العربي المُتفوِّق

رغم أن الواقع العلمي عامة، وواقع البحث العلمي بشكل خاص في الوطن العربي، لا يرقى إلى المستوى المقبول والمطلوب، إلا أن ثمة بعض الاستثناءات المتمثلة في عينة معدودة من الكفاءات العربية التي استطاعت أن تفرض نفسَها في مثل هذه البيئات غير الصحية (علميا وفكريا ومعرفيا)، وبالتالي استطاعت تسويقَ اسمِها واسم بُلدانِها تسويقا إيجابيا، كما نجِدُ عيناتٍ أخرى طردها بؤس الحالة العلمية والفكرية والسياسية في الوطن العربي، واحتضنَتْها دول الاستقبال، ومَنحتها من الوسائل والإمكانيات ما استطاعت به أن تحققَ حُلمها ومشاريعها العلمية والبحثية، مقابل استفادة هذه الدول من هذه العقول والأدمغة العربية في تحقيق ثورة علمية وإقلاعٍ اقتصاديّ ونهضة ثقافية وأدبية وفكرية حقيقية.

ورغم أن الاستثناءَ لا يُقاس عليه. إلا أن هذه العينات الناجحة والمتفوِّقة لا يتم الاستفادة منها إطلاقا، سواء تلك التي قبلتْ بالوضع وتأقلمتْ، أو تلك التي هاجرتْ وتفوَّقتْ، إذ نجد في البيئة العربية سواءً الاقتصادية أو المالية أو العلمية والفكرية، لوبياتِ (السلطة والمال) مُتغوِّلة، ومُهيمِنةٍ ومُحتكِرَةٍ لكل شيء، وبالتالي يصعب على الكفاءات العربية المشارَكةَ أو المنافَسَةَ، فضلا عن الوصول إلى مراكز القرار لتحقيق التغيير المنشود في مثل هذه الحالة مِن تَغَوُّلِ الفساد وغياب النزاهة وانعدام المحاسَبة.

سنوياً تُصَدِّر الدول العربية مئاتٍ من الباحثين المتميزين ذوي الكفاءات العالية في جميع التخصصات، (هذا التصدير فرضته مظاهر الفساد المختلفة المتفشية في الدول العربية خاصة الفساد السياسي)، هذا الفساد السياسي انعكس على بقية المجالات خاصة المجال الاقتصادي والعلمي، حيث إن المناخ الاقتصادي في البلدان العربية لا يعترف بالكفاءات الوطنية، ويعتمد في معظمه على تصدير الثروات الطبيعية، هذا المناخ الفاسد جعل هذه الكفاءات الوطنية لا تعود إلى بلدانها بصفة نهائية، بل تَستثمرُ المناخ الصحي في الدول المُضيفة لتطويرِ مشاريعِها، وتحقيق طموحاتِها العلمية والمعرفية، مما يعود بالنفع على الباحث العربي وعلى أسرتِه،  وعلى الدول المستقبِلة لهذا الباحث، فمثلا في أوروبا حوالي 30% من الأطباء هُم عربٌ مهاجرون، يُقدِّمون خدمات جليلة في ميدان الطب، ويساهمون بشكل مستمر في تحسين وتطوير الخدمة الصحية في أوروبا.

في أمريكا (أيضاً)، يَبْرَعُ الطلبة والباحثون العرب في مجال التقنية والتكنولوجية الرقمية وعلم الفلك، ويُعتبرون الدعامة الأساسية التي تقوم عليها مختبرات البحث في هذه التخصصات، في حين مازالت بلدانهم تعاني من أمراض وأوبئة قضتْ عليها البشرية منذ قرنٍ مِن الزمن، ومازالت هذه البلدان تعاني من الهشاشة على جميع المستويات، ومازالت خسائر الدول العربية الطاردة للكفاءات تتوالى وتتواصل في نزيف مستمر، إذ تتكلفُ هذه الدولُ مبالغَ كبيرةً جدا في تكوين هؤلاء الباحثين ثم تتخلى عنهم في آخر المطاف بسهولة تامة، لتستثمِرَهُم دول أخرى وتستغلهم أحسن استغلال في تحقيق إقلاعها الاقتصادي، ونهضتِها العلمية والثقافية والفكرية.

لا يقتصر مشكل هجرة الأدمغة على هدر الكفاءات الوطنية والتفريط فيها، بل يتعداها إلى اللامبالاة التي تُبديها الدول العربية تُجاه الكفاءات العائدة إلى أرض الوطن، حيث يُصاب مُعظم هؤلاء الذين يحلمون باستثمار خبراتِهم وإمكاناتهم العلمية والمعرفية في أوطانِهم، بإحباطٍ شديد فور عودتِهم، بسبب الإهمال المُتعمد لهم، وسد السُّبُل في وجوهِهم، ووضع العقبات والعراقيل أمامهم، مما يضطر بعضهم إلى الهجرة مرة أخرى وبصفة نهائية والقطع مع شيء اسمه ((الوطن)). فيما تلتجئ بعض الحكومات حفاظا على صورتِها أمام الرأي العام العالمي، إلى توظيف الكفاءات العائدة وإدماجِها في وظائفَ بعيدةٍ كل البعد عن تخصُّصِهِم العلمي والتقني. وبالتالي عَدَمُ الاستفادة من العقول والأدمغة العربية، العائدة طوعا إلى أوطانها.

بعض الحلول المقترحة

لا بد مِن تحديد أهداف السياسات التعليمية في المؤسسات العربية، وذلك بالإجابة على الأسئلة التالية:

  • ماذا نُريد من التعليم؟
  • ماذا نريد من الجامعة؟
  • أي نوع من الطلبة نريد؟
  • أي نوع من البحث العلمي نحتاج؟
  • لابد من تمتين وتقوية المناهج التربوية والديداكتيكية في المستويات الأساسية.
  • لا بد من تأهيل الأطر التربوية وخاصة الأستاذ، قبل التفكير في تأهيل الطلبة لأن فاقدَ الشيء لا يُعطيه.
  • توفير فضاءات تعليمية  تليق باسم المدرسة والجامعة.
  • محاربة كل مظاهر الفساد الإداري والأخلاقي في الجامعات مِن مَحسوبية وزبونية ورشوة وعنصرية وشطط في استعمال السلطة.
  • دعم الطلبة المتميِّزين، وتوفير الظروف المناسبة لهم لإتمام مشاريعهم البحثية.
  • عقد شراكات مع مختبرات ومعاهد الجودة.
  • الانفتاح على الشركاء الخارجيّين، خاصة شركاء سوق الشغل.
  • محاربة الاكتظاظ وتفعيل البعثات العلمية بين الجامعات العربية، وبين الجامعات العربية والأجنبية.
  • إزالة العزلة بين الجامعات العربية ذات التخصصات المختلفة، وتمتين الروابط العلمية والمعرفية والثقافية بين الطلبة العرب في جميع التخصصات.
  • تمويل المشاريع العلمية الجادة والطموحة، ودعم الجامعات الفقيرة لتمكينِها من النهوض بمسؤولياتِها ومساعدتِها على توفير مستلزمات ومتطلبات المؤسسة الجامعية.
  • الـتفعيل حقيقي للحكامة الجيدة داخل الجامعات ومؤسسات التعليم العالي بشكل عام.
  • التسيير والتدبير التشاركي بين كليات وفروع الجامعة الواحدة.
  • تطوير وعقلنة التسيير الإداري داخل الجامعات.
  • التشجيع على ملاءمة مواضيع البحث العلمي للمحيط الاجتماعي والاقتصادي للدول العربية.

 

بريد الكاتب الالكتروني: bachoud.houssaine@gmail.com

الزوار الكرام: يسعدنا مشاركتكم وتواصلكم حول هذا المقال

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

license
0 التعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
ضيف
ضيف
04/02/2019 3:50 مساءً
عنوان التعليق
a scientific research on the theory of Pythagoras
guest

شبكاتنا الاجتماعية

  • facebok
  • twitter
  • Instagram
  • Telegram
  • Youtube
  • Sound Cloud

يسعدنا أن تشاركونا أرائكم وتعليقاتكم حول هذهِ المقالة عبر التعليقات المباشرة بالأسفل أو عبر وسائل التواصل الإجتماعي الخاصة بالمنظمة

icons
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x