أول ظهور لفيروس إيبولا Ebola virus كان في قرية على طول نهر إيبولا بجمهورية الكونغو الديمقراطية سنة 1976م لتتوالي الأوبئة الناجمة عنه بشكل متقطع، ففي الجابون مثلا، ظهر الوباء 1996-1997 وتسبب في وفاة 60 شخصا، وأكبر وباء سببه لهذا الفيروس كان في غرب إفريقيا (غينيا، سيراليون ونيجيريا) 2014-2015، وتسبب في إصابة أكثر من 28 ألف شخص، توفي منها حوال 12 ألف من البشر خلال ثلاثة شهور فقط.
يعتبر فيروس إيبولا فيروساً قاتلاً، وإلى الآن لم يتم إيجاد علاج فعال أو لقاح يقي من الإصابة به، لذا ومنذ أول ظهر للفيروس عمِل العلماء جاهدين على إيجاد حلول للقضاء عليه. ظهرت الاجسام المضادة وحيدة النسيلة "مونوكلونال" والتي أثبتتْ قدرة على معادلة والتخلص-بصورة متخصصة – من المسببات المرضية ومن السموم، كعلاج فعال وواعد في مقاومة والقضاء على فيروس إيبولا. وكانت المشكلة التي واجهتْ العلماء، تتمثل في كون أغلب الأجسام المضادة العادية تستهدف-فقط- سلالة واحدة من سلالات الفيروس الخمس، ولا تستطيع معادلة أو القضاء على باقي السلالات الأخرى، على سبيل المثال، فإن العلاج الذي ظهر وأثبت فاعلية بصورة كبيرة في مقاومة سلالة جمهورية الزايير لفيروس إيبولا، "زيماب ZMappTM" وهو عبارة عن خليط من ثلاثة أنواع من الأجسام المضادة مونوكلونال، والتي لا يمكنها مقاومة السلالتين الأكثر خطورة أيضاً وهما السلالة السودانية والسلالة Bundibugyo " والتي كانت سبباً في أكبر وباءٍ للفيروس.
نشرت مجلة العلوم Science بحثاً في سبتمبر 2016، قام به فريق مختار من أكثر من جهة بحثية متخصصة في أمريكا[i]، استطاع هذا الفريق البحثي استحداث نوع من الأجسام المضادة أحادية النسيلة مونوكلونال، متخصصة حيوية biospecific واسعة المفعول، تَستخدم حيلة شبيهة بحيلة "حصان طروادة Trojan Horse" عن طريق إستغلال أضعف نقطة "كعب أخيل Achilles heel" في فيروس إيبولا. خلال تلك الإستراتيجية تم تطوير نوعين من الأجسام المضادة، والتي تم استخدمها بنجاح في مقاومة خمسة سلالات من فيروس إيبولا من ضمنهم، اثنيْن الأكثر خطورة على الإطلاق هما: سلالة زائير وسلالة السودان. وتتمثل خطورة فيروسات إيبولا المميتة، في أنه وإلى الآن لم يتم التوصل إلى مضاد فعال أو لقاح ضد تلك السلالات القاتلة من الفيروس. قام فريق البحث باستغلال كعب أخيل في الفيروس "نقطة الضعف" وكذلك في كل عائلة الفيروس "فيللو Filoviruses"، والتي تشمل بالإضافة إلى فيروسات إيبولا، فيروسات ماربورج Marburg وتتمثل نقطة الضعف تلك، في بروتين ناقل للكوليسترول في الخلية، يسمي "نيمان-بيك Niemann-Pick C1 إختصاره NPC1 " له أهمية كبيرة في دخول الفيروس للخلايا، وكذلك في تضاغف الفيروس داخلَها، وعند إزالة الجين المسؤول عن هذا البروتين من خلايا الفئران، تضاعفت نسبة الشفاء ومقاومة الإصابة بفيروسات إيبولا بنسبة 80%.
تعتمد الاستراتيجية الجديدة في مقاومة تلك الفيروسات، علn نقطة تلك على وأيضاً أن فيروس إيبولا والعديد من الفيروسات الأخرى، تدخل خلايا العائل وهي محاطة بغشاء من الخلية في تركيب يسمي الليسوزومات lysosomes، مما يحميها ويجعلها في مأمنٍ وفي توارٍ عن خلايا الجهاز المناعي بحيث لا يتم رصدها كجسم غريب ومن ثم يقتلها و يطردها خارج الخلية، بالإضافة إلى خفاء نقطة الضعف في الفيروس من أن يتعامل معها الباحثون مستغلين إياها في الحرب عليها. المعروف أن عائلة فيروسات فيللو، تدخل الخلايا عن طريق إرتباط يتم بين أجزاء على سطح الخلايا تسمي أماكن استقبال، وهي تشبه الأشواك البارزة، لها رؤوس مكونة من جليكوبروتينات، تلك الرؤوس ترتبط بأجزاء على سطح الفيروسات -أماكن ارتباط- ومنذ لحظة الارتباط بينهما، يبدأ جزء من غشاء الخلية بإحتواء وإحاطة الفيروس في الليسوزوم، ومن ثم إدخاله إلى الخلية، والمعروف أن الليسوزوم مملوء بالأنزيمات. وتقوم تلك الإنزيمات في حالة الوضع الطبيعي للخلية، بلعب دور في هضم الأجسام الغريبة وبعض المكونات الخلوية للتخلص منها.
بعد دخولها الخلايا ولكي تتم باقي الخطوات حتى تتضاعف فيروسات عائلة فيللو -من ضمنها إيبولا-، يجب أن تكسر غشاء الليسوزومات الذي يحيط بها كما لو أنها محبوسة داخل جدار "سجن"، ففي شفرة جينوم تلك الفيروسات ما يجعلها تستغل أنزيمات في الخلية بالليسوزومات، لتكسر لها هذا الغشاء وتخرجها منه كي يخرج حمضها النووي آر إن إيه RNA، ويبدأ رحلته في التضاعف. وتبدأ الأنزيمات الموجودة بالليسوزومات بفصل الجزء العلوي لأشواك الفيروس-جليكوبروتينات- ومن ثم تكشف عن نقطة الضعف في الفيروس -كي يستغلها الباحثين- وهو البروتين الموجود الذي يسمي NPC1 والمغروز في غشاء الليسوزوم، ويمثل ذلك السبيل الوحيد كي يتحرر الفيروس من غشاء الليسوزومات ويبدأ رحلته في التضاعف.
اختراق العباءة cloak الخفية
قام الفريق البحثي باستحداث بروتين "مفتاح Key proten" في البروتين الخلوي NPC1 والذي يمثل "القفل lock" والذي يربط الفيروس نفسَه بغشاء الليسوزوم في الخلية، فقد أدرك الباحثون أن الأجسام المضادة مونوكلونال يمكنها إحباط جميع فيروسات عائلة "فيللو والتي من ضمنها فيروس إيبولا" من خلال معادلة -إغلاق نشاطه عن طريق غلق الجزء الفعال فيه في دورة تضاعف الفيروس- الجزء من الفيروس والذي يرتبط ببروتين NPC1 أو بالارتباط به نفسه. لكن المشكلة التي واجهت فريق البحث، هي وجود الفيروس في الخلية محاطاً بغشاء الليسوزوم، مما يجعله متخفيا أو بعيدا عن مرمى نيران الأجسام المضادة في الجهاز المناعي. لذا فكر فريق البحث ومن لديهم خبرة في هندسة الأجسام المضادة بصورة تجعل عملها كحصان طروادة، أي يتم خداع الفيروسات عن طريق حملها عند دخولها الخلايا وسائلَ تدميرية للفيروس.
لكي تنجح فكرة هؤلاء الباحثين، استطاعوا تخليق نوعين من الأجسام المضادة مونوكلونال المتخصصة الحيوية biospecific ، واحدة منها ترتبط وتغلق الجزء من الفيروس الذي يمسك ببروتين NPC1، والأخرى تستهدف هذا الأخير وترتبط به، كلا النوعين من الأجسام المضادة يشتركان في نوع آخر مونوكلونال يسمي FVM09، والذي له خاصية الارتباط بأشواك الجليكوبروتينات التي توجد على سطح جميع فيروسات إيبولا وهي خارج خلايا العائل، متخطية بذلك عقبة الارتباط -الصعوبة- أثناء وجود الفيروس داخل أغشية الليسوزومات، لذا حينما يدخل الفيروس مرتبطاً بالأجسام المضادة FVM09 داخل الليسوزومات، تبدأ في التحرر من سطح الفيروس عقب نشاط أنزيمات الليسوزومات والتي تكسر رأس أشواك الجليكوبروتينات عن السيقان، ومن ثم بعد أن تتحرر، تبدأ تلك الأجسام المضادة مونوكلونال FVM09 في الارتباط بأجسام مضادة من نوع آخر تسمي MR72- تم استخراجها من دماء أناس مصابين تم شفاؤهم من فيروس ماربوج Marburg، والنوع FVM09 ترتبط به نوع من الأجسام المضادة الحيادية بالنسبة لبروتين NPC1، تسمي mAb-548.
الأجسام المضادة MR72 تستدف بالأساس بروتين NPC1 "القفل" والنوع الآخر من الأجسام المضادة يستهدف المفتاح "key"، وهو جزء من جليكوبروتين سطح الفيروس، وكليهما لديه القدرة على منع أو تثبيط فيروس إيبولا، وذلك عن طريق سد الطريق ومنعه من التفاعل مع بروتين NPC1 كي لا يهرب من الليسوزوم إلى سيتوبلازم الخلايا لاستكمال دورة تضاعفه. قام الفريق البحثي بإجراء التجارب لإثبات كفاءة الأجسام المضادة مونوكلونال والمتخصصة حيوياً في مقاومة فيروس إيبولا في المعمل، وقد أستخدموا في البداية فيروسا غير ضارٍ يسمي vesicular stomatitis virus تم تعديله عن طريق الهندسة الوراثية، كي يماثل أو يحاكي سطحه ما هو موجود من جليكوبروتينات على سطح خمس سلالات من فيروس إيبولا، بعد ذلك تم تحضين الأجسام المضادة مع الفيروس المعدل -شبيه فيروسات إيبولا- ثم أضيف الخليط إلى خلايا الإنسان بمزارع الأنسجة، وكانت النتيجة نجاحَ كِلا النوعين من الأجسام المضادة في الارتباط، ومن ثم معادلة والتخلص من سلالات فيروس إيبولا الخمس.
بعد ذلك اختبر الباحثون قدرة تلك الأجسام المضادة على الفئران، بعد يومين من إصابتِها بأكثر سلالات الفيروس خطورة -سلالة زائير وسلالة السودان- أوضحتْ النتائج قدرة تلك الأجسام المضادة على الوقاية من الفيروس بصورة جيدة، لكن وكما كان متوقعاً فإنها لم تستطع حماية الفئران من الإصابة، لأنها مُصممة بالأساس كيْ ترتبط ببروتين NPC1 الموجود بشكل خاص عند الإنسان، والخطوة القادمة والهدف الجوهري –كما يراها فريق البحث- هي إنتاج أجسام مضادة مونوكلونال، تقاوم وتعالج فيروس إيبولا عند غير الإنسان.
المراجع:
- Kartik Chandran et al. A ‘Trojan Horse’ Bispecific Antibody Strategy for Broad Protection Against Ebolaviruses. Science, September 2016 DOI: 10.1126/science.aag3267
- Lipkin, W. Ian; Negredo, Ana I; et al. (2010). "Proposal for a revised taxonomy of the family Filoviridae: Classification, names of taxa and viruses, and virus abbreviations". Archives of Virology. 155 (12): 2083–103.
- Courteille, G. (1977). "Isolation of Marburg-like virus from a case of haemorrhagic fever in Zaire". Lancet. 309 (8011): 573–4. doi:10.1016/s0140-6736(77)92002-5. PMID 65663.
- Bruenn, J. A. (2014). "Evidence that ebolaviruses and cuevaviruses have been diverging from marburgviruses since the Miocene". PeerJ. 2: e556. doi:10.7717/peerj.556. PMC 4157239. PMID 25237605.
بريد الكاتب الالكتروني: redataha962@gmail.com