أصبح الاهتمام بالعلوم المرتبطة بالرياضة مثل علوم الفيزيولوجيا والبيولوجيا والوراثة البشرية وعلم الجينوم مؤخرا، أمراً لاغني عنه لكل المهتمين بعملية التدريب الرياضي نظرًا لدورها العميق في الارتقاء بالمستوى الرياضي وتحسين أداء اللاعبين. ومن المعروف أن كرة القدم لعبة معقدة، وعلى الرغم من أنها تلعب بالقدم لكن اللاعب يستخدم مهارات كثيرة أخرى مثل المرونة العالية، وبذل مجهود عضلي كبير، فضلا عن رجاحة التفكير وأتخاذ قرارات صائبة في الوقت المناسب. وفي حقيقة الأمر، فإن هناك بعض اللاعبين يمتلكون قدرة أكبر على التحمل أكثر من غيرهم، ولو نجحنا في الوصول لتحليلات الحمض النووي لللاعبين، وقراءة أسراره، نستطيع أن نعرف الوقت المناسب وأفضل طريقة للتعامل معهم وتحديد برامج التدريبات الخاصة بكل منهم. ومؤخرًا لجأت بعض الفرق الرياضية لاستخدام تقنيات حديثة في علم الجينوم لتحسين أداء لاعبيها، فهل هذه النظرية حقيقية أم هي نوع من الدجل العلمي؟!
تعتبر دراسة الجينات الوراثية ذات أهمية كبيرة في مجال الانتقاء والتدريب الرياضي، حيث تساهم بشكل كبير في الاستجابة للتدريب البدني. ويساعد الفحص الجيني في التعرف على الخصائص المميزة للرياضيين، ويوفر امكانية للتنبؤ المبكر بالأمراض الوراثية التي يمكن ان تصيبهم في المستقبل من خلال التعرف على الجينات التي تحمل خصائص هذه الأمراض، وهناك دلائل على ان أبطال العالم في مسابقات التحمل لديهم بعض الأفضلية الجينية في الحد الأقصى لاستهلاك الأكسجين وإمكانية الوصول إلى حد أقصى لمعدل نبضات القلب. كما يمكن التعرف على بعض المؤشرات الجينية التي قد تسهم في صناعة البطل الرياضي المتميز.
وتعود فكرة استخدام التحليلات الجينية للاعبين إلى عام 2007 بعد أن أختبر العلماء جينا يسمى ACTN3، والذي يرتبط بالقوة والأداء وقوة التحمل. والآن يبحث العلماء عن مجموعة كاملة من الجينات تشكل لوحة إختبار من 45 جينًا في جينوم اللاعبين، تكشف عن مواصفاتهم العضلية وإمكانية تعرضهم للإصابات على المدى القصير أو الطويل، وبالتالي إعداد أحمال بدنية خاصة لكل لاعب حسب قدراته العضلية. ويتم اختبار قدرة اللاعب على التحكم في عدد الأصابات التي تنتج عن فرط الإجهاد والتي يمكن السيطرة عليها وتخفيفها، حتى يتمكنوا من معرفة ما إذا كان اللاعب يتطلب المزيد من الراحة بعد المباراة أكثر من بعض زملائه في الفريق أم لا.
ويعتمد التحليل المستخدم على أخذ عينات اللعاب من أفواه اللاعبين ودراسة 45 جينًا مختلفًا، وقامت بتطوير هذه التقنية شركة DNAFit، والتي تستطيع حاليًا قراءة أسرار الحمض النووي في اللعاب وتقديم البيانات الكاملة للمختصين لاستغلالها في حل مشاكل العضلات ووضع برامج لياقة بدنية مصممة خصيصا لكل لاعب، ويمكن معرفة ما إذا كان هناك لاعب لديه إستعداد أكبر لاصابات العضلات من غيره من اللاعبين. وتؤكد الشركة أن لديها اختبار الحمض النووي الرائد الذي سيغير الطريقة التي نفكر بها في اللياقة البدنية والتغذية إلى الأبد.
المقدمة كتالونية!
من المعروف أن الجهاز الطبي لفريق برشلونة قام باستخدام تحليل الحمض النووي للاعبيه لأول مرة على مستوى الفرق الرياضية لكرة القدم في العالم، وذلك لمعرفة كيفية الاستفادة من فوائد التدريب القصوى للحصول على أفضل أداء للاعبين اعتمادا على الصورة الجينية الخاصة بكل منهم، والتعرف على مدى إمكانية تعرض اللاعبين للإصابات خلال اللعب. وبتطبيق هذا الأسلوب العلمي، لم يتعرض لاعبو برشلونة للإصابات سوى 11 مرة في الموسم الماضي، ويعتبر نادي برشلونة من الأندية الرائدة التي قامت بأخذ عينات من كل لاعبيها لتحليلها، وساهمت تلك التحليلات في انخفاض إصابات لاعبي الفريق الكتلوني.
الأهلي يدخل عصر الجينوم !!
وعلى نفس المنوال يسير النادي الأهلي المصري قدمًا، وأصبح الأهلي بشكل رسمي هو أول نادي في إفريقيا يُطبق على لاعبي فريقه تحليل الحمض النووي. ويهتم مايكل ليندمان مدرب الأحمال في النادي الأهلي بشكل كبير بإستخدام نظرية تحليل الحمض النووي (دى إن إيه) لتحسين أداء اللاعبين، والتنبؤ بإمكانية تعرضهم للإصابات خلال الموسم؛ وقد حقق ليندمان طفرة مع نادى أياكس أشادت بها الصحف الهولندية، ويفتخر دائما بأنه كان من أول المدربين الذين لجأوا إلى التكنولوجيا في عملهم، ولقياس قدرات لاعبيه، وتحديد برامج إعداد الفريق، واعتمد من قبل على أجهزة يرتديها اللاعبون لقياس قدراتهم البدنية خلال التدريبات. ويتحدث كثيرا عن أهمية استخدام تحليل الحمض النووي للاعبين لمعرفة مدى إمكانية تعرضهم للإصابات خلال الموسم، وينادى باستخدام الأسلوب الذي الذي يبرع فيه الجهاز الطبي لفريق برشلونة حاليا والذي ساعدهم في السيطرة على أوروبا. وسيتم اختيار البرامج التدريبية المناسبة للفريق ككل والتي تفيد في الارتقاء بالحالة البدنية للاعبين عن طريق النتائج الدقيقة لتحليلات الجينات الوراثية الخاصة بهم. ومن المعروف أن الفرق الكبرى في أوروبا تلجأ حاليا لتحليل الحمض النووي لتطوير مستواها مما يمنح الأهلي خطوة متقدمة للغاية في العمل وفقا لأحدث البرامج العلمية التي تستخدمها حاليا الفرق العالمية الكبرى في كرة القدم على نطاق واسع.
ويؤكد مؤسس شركة شركة DNAFit، أن النادي الأهلي المصري يعد أحد رواد العالم الذي يستخدم تحليل الحمض النووي مع لاعبيه، وأنه فخور للغاية بالعمل مع فريق الأهلي. ويحاول مدرب أحمال الأهلي الوصول لأفضل طريقة ممكنة لتدريب اللاعبين ورفع مستوى الأحمال البدنية وفقا لأحدث الطرق العالمية عن طريق معرفة كافة القياسات مما سيفيد في البرامج الطبية والبدنية والنفسية والغذائية المناسبة لكل لاعب. ومن المؤكد أن النتائج الدقيقة للتحليلات الوراثية القائمة على معرفة طبيعة عمل الجينات ستساعد ليندمان على اختيار البرامج التدريبية المناسبة للفريق ككل والتي تفيد في الارتقاء بالحالة البدنية للاعب وفقا لأحدث الطرق العالمية مما ينعكس إيجابيا على الفريق، وستساهم تلك التحاليل في تحسين الصحة العامة لكل لاعب وتجعله يتحمل الجرعات التدريبية وتجنبه أيضا الإصابات العضلية، كما ستساعد هذه المعلومات في التوصل إلى الجرعات البدنية المناسبة وتحديد برامج التدريب المتوافقة مع كل لاعب، ومعرفة الوقت المناسب وأفضل طريقة للتعامل معه.
ومن المتوقع أن تفيد نتائج التحليلات الوراثية أيضا في جوانب عدة من بينها طبيعة تغذية اللاعبين، وصولا للشق النفسي لمعرفة أنماط الشخصية وكيفية تحفيزها وتقويمها عن طريق العديد من البرامج التي تعد الأحدث على مستوى العالم. فهل ستحدث التحليلات الجينية طفرة في أداء لاعبي النادي الأهلي وغيره من الفرق الرياضية العربية؟ … هذا ما ستجيب عنه الأيام التالية بإذن الله.
بريد الكاتب الالكتروني: tkapiel@sci.cu.edu.eg