المادة المظلمة أو المادة الغامضة السوداء Dark Matter هي مادة افترضت لتفسير جزء كبير من مجموع كتلة الكون. ولا يمكن رؤية هذه المادة بشكل مباشر باستخدام التلسكوبات، حيث من الواضح انها لا تبعث ولا تمتص الضوء أو أي إشعاع كهرومغناطيسي آخر على أي مستوى. ولكن، يستدل على وجودها وعلى خصائصها من آثار الجاذبية التي تمارسها على المادة المرئية، والإشعاع والبنى الكبيرة للكون. وقد حظيت المادة المظلمة في الكون باهتمام علماء الفيزياء الفلكية نتيجة للتباين بين كتلة الأجسام الفلكية المحددة من آثار الجاذبية الخاصة بهم وتلك المحسوبة من (المادة المضيئة) التي تحويها هذه الأجسام مثل النجوم والغاز والغبار. تعد الجاذبية القوة الأكثر شيوعا في الكون، ولكنها لطالما شكلت معضلة شائكة للعديد من الفيزيائيين النظريين، وخاصة من ناحية إدراجها ضمن القوى الأساسية في ميكانيكا الكم. ولا يقف الأمر عند هذا الحد، فثمة معضلة أخرى تتمثل في كون المادة المظلمة تتفاعل فقط مع الجاذبية، هذا فضلاً عن أنها أيضاً (أي الجاذبية) تتحدى النموذج المعياري لفيزياء الجسيمات.
يعود الفضل في افتراض المادة المظلمة إلى العالم الهولندي جان أورت الذي افترض المادة المظلمة لأول مرة عام 1932 لحساب السرعة المدارية للنجوم في مجرة درب التبانة، كما افترضها العالم السويسري فريتز زفيكي للحصول على دليل حول الكتلة المفقودة للسرعات المدارية للمجرات في عناقيد المجرات. و مع تطور التلسكوبات ولاسيما التلسكوبات الفضائية مثل هابل ومرصد مركبة الفضاء بلانك وغيرها من المراصد الفضائية العملاقة والحديثة، تطورت دراسات الفيزياء الفلكية والكونية والكشف عن إسرارها ومنها أسرار الثقوب السواء والمادة الغامضة في الكون ونشوء الكون ونظرية الانفجار العظيم وتمدد الكون وغيرها من القضايا المحيرة لعلماء الكون.
في عام 2010، طرح خبير نظرية الأوتار الشهير إريك فيرليند Erik Verlinde من جامعة أمستردام ومعهد دلتا للفيزياء النظرية، دراسته الهادفة إلى البحث في أسرار المادة الغامضة للكون من خلال تتبع آثار الجاذبية والتي عرفت ب"فرضية فيرليند للجاذبية"، وذلك في محاولة لحلِّ لغز المادة المظلمة وهي الورقة التي نُشرت سنة 2011 في دورية High Energy Physics . يعتقد البروفيسورايريك فيرليند، أن الجاذبية ليست قوة حقيقية وإنما هي تأثير ناتج عن زيادة الانتروبية فيه ويدّعي فيرلند في ورقته العلمية المتاحة على موقع arXivإن قوة الجاذبية الطارئة وغير الحقيقية لديها مكونات مظلمة تسلك سلوك المادة المظلمة. ويقول فيرليند في تصريح له: "بحوزتنا دليل على أنّ هذه النظرة الجديدة للجاذبية تتوافق فعليا مع الأرصاد التي أجريناها. وكذلك يبدو لنا أنّ الجاذبية لا تتصرف عند المقاييس الكبيرة بالطريقة التي تتوقعها نظرية أينشتاين".
وينطوي بيان فيرليند على قدر كبير من الجرأة، ولاسيما بعد مشاهدة التوافق التام لنظرية النسبية العامة لأينشتاين مع الأرصاد التي أجريت عند المقاييس الكبيرة. ويقر فيرليند في ورقته العلمية بأنّ فكرة هذه المكونات الثقالية المظلمة ينبغي أن تجيب عن العديد من التساؤلات قبل أن تصبح نظرية ناجحة مثل النظرية السائدة في الجاذبية. وتتعلق معظم تلك التساؤلات بالعثور على تفسيرات للكون المبكر، وعلم الكونيات عند المقاييس الكبيرة، وانطلاقا من ذلك يقول فيرليند إننا بحاجة إلى إعادة التفكير في الجاذبية، وإزالة المادة المظلمة من المعادلة تماماً. وللقيام بذلك، اقترح نظريته المثيرة للجدل التي يرى فيها أن الجاذبية ليست من قوى الطبيعة الأساسية على الإطلاق، بل هي "ظاهرة ناشئة".
في سياق متصل قام فريق بحثي تقوده عالمة الفلك مارغو بروير، من جامعة ليدن في هولندا باختبار نظرية فيرلند، وبدأ الفريق بمراقبة توزيع المادة في أكثر من 30 ألف مجرة، ووجد الباحثون أنه عند استخدام فرضية فيرليند يمكن تفسير توزيع المادة دون استخدام مفهوم "المادة السوداء". قدم الفريق توقعات حول المجرات باستخدام كل من نظرية أينشتاين النسبية وفرضية فيرليند للجاذبية، ثم قارنوا بين توقعات النظريتين والملاحظات الفعلية، ووجد الباحثون أنه في حين قدمت كل التوقعات الصحيحة عن المجرات، فإن فرضية فيرلند فعلت ذلك دون استخدام أي من "المعامِلات الحرة"، (والمعامِلات الحرة هي القيم التي يمكن تعديلها، وهي في الأساس "قيم زائفة" لضمان أن الملاحظات حول مجرة ما تطابق الفرضية الأولية، وهي تستخدم عند إدخال المادة السوداء أو المظلمة في المعادلة).
بدورها أوضحت المؤلفة الرئيسية وطالبة الدكتوراه مارغو بروير في حوارها مع مجلة New Scientist : "يتلاءم نموذج المادة السوداء أكثر مع البيانات من نظرية فيرليند، ولكن إذا رجعنا للمعادلات الرياضية، مع العلم أن توقع فيرليند ليس به أية معامِلات حرة، عندئذ نجد أن نموذج فيرليند أفضل". ويتوقع المراقبون أنه إذا تم إجراء المزيد من الدراسات على النظرية الجديدة، فإنها ستطيح بأكثر من 100 عام من الفيزياء، وربما تتخلص كلياً من نظرية المادة السوداء. من ناحية أخرى، نشرت مجلة Monthly Notes الصادرة عن الجمعية الفلكية الملكية البريطانية Royal Astronomical Society دراسة علمية أخرى قام بها عدد من الباحثين في الجمعية وباستخدام تلسكوب VLT التابع للمرصد الأوروبي الجنوبي European Southern Observatory وذلك لرصد الضوء المنبعث من 15 مليون مجرة بعيدة ولاحظوا أن المادة السوداء الغامضة التي يعتقد أنها تشكل أكثر من ربع الكون موزعة بشكل منظم وأكثر دقة مما اظهر التلسكوب بلانك، مبينة أن هذه المادة لا تبث أي ضوء ولا يمكن رصدها إلا بواسطة الجاذبية التي تسببها على أجسام أخرى.
ويقول العلماء إن هذه الدراسة من شأنها أن تعيد النظر ببعض القواعد الأساسية للفيزياء والنظر في النظريات العلمية حول نشأة الكون وتوسعه، وقد تؤدي نتائج الدراسة أيضاً إلى إعادة دراسة الطاقة المظلمة، وهي قوة غامضة يرجح أنها مسئولة عن تسارع توسع الكون. كما قال Konrad Kuijken أحد معدي الدراسة المنشورة في مجلة Monthly Notices إن نتائجها قد تشير إلى أن قوانين الجاذبية في الكون تختلف عن النسبية العامة التي وضعها اينشتاين وصارت ركنًا في الفيزياء. وتشكل المادة العادية التي تتكون منها الأجسام الحية والنجوم والكواكب 4.9 % فقط من كثافة الكون، أما المادة السوداء فتشكل 26.8 % فيما الباقي (68.3%) هو من الطاقة السوداء، التي رجح أنها السبب في تسارع توسع الكون.
بريد الكاتب الالكتروني: abualihakim@gmail.com