للبحث الدقيق يمكنك استخدام البحث المتقدم أدناه

يعتمد البحث السريع على الكلمات الموجودة داخل عنوان المادة فقط، أما البحث المتقدم فيكون في كافة الحقول المذكورة أعلاه

التوكسوبلازما

  • الكاتبون : أ. د. عبدالرؤوف المناعمة - روان ريدة

  • ما تقييمك؟

    • ( 4.5 / 5 )

  • الوقت

    01:53 م

  • تاريخ النشر

    24 أكتوبر 2017

سلسلة روائع الكائنات الدقيقة

عالَم واسع غيرُ مرئي، لم نكن نعرف عنه شيئاً تقريباً قبل 100 عام. ومنذ اكتشاف هذه المخلوقات الدقيقة، لم تتوقف عن إذهال البشر بقدراتها المتنوعة والرائعة، والتي مكّنتها من استعمار معظم البيئات وأداء أدوارها المحورية على كوكب الأرض. كما أنها فتحت شهية البشر لترويضها والحصول على كنوزها المختلفة. في هذه السلسلة من المقالات، سنتعرض لمجموعات متنوعة من البكتيريا والكائنات الدقيقة ذات قدرات خاصة تميزها وتجعلها محطَّ الاهتمام والدراسة.

"التوكسوبلازما" طفيل يمكنه السيطرة على الدماغ

هل بالإمكان تخيّل محامٍ يقف في المحكمة مدافعاً عن قاتل بقوله: "إن القاتل لا يدرك أفعاله فهو تحت سيطرة كاملة لطفيل التوكسوبلازما" وبالتالي يطلب له البراءة.ربما يحدث هذا في الأفلام وربما لا. فدعونا نتعرف على الطفيل الذي يصيب أكثر من نصف سكان العالم. يُعد طفيل التوكسوبلازما (Toxoplasma gondii) واحداً من أكثر الطفيليات شيوعاً في العالم، وهو طفيل داخل خلوي إجباري، يمكن أن يصيب معظم الحيوانات من ذوات الدم الحار، بما في ذلك البشر، إلا أنه لا يستطيع أن يكمل دورة حياته وأن يتكاثر جنسياً إلا في أفراد عائلة السنوريات (Felidae) التي تشمل القطط وأقاربها. تتسبب العدوى بهذا الطفيل في حدوث داء المقوسات (Toxoplasmosis). وتحدث العدوى عادة عن طريق تناول الأطعمة والمياه الملوثة، أو اللحوم غير المطبوخة جيداً، أو التعرض لبراز القطط المصابة، وكذلك يمكن أن ينتقل من الأم إلى الطفل خلال الحمل.

عند إصابة الأشخاص الأصحاء بعدوى التوكسوبلازما غالباً لا يصاحب ذلك ظهور للأعراض وذلك لقدرة أجهزتهم المناعية على منع الطفيل من التسبب بالمرض، وفي حال ظهرت أية أعراض، فإنها تكون خفيفة وشبيهة بأعراض الإنفلونزا. أما بالنسبة للرضّع الذين يولدون لأمهات مصابات، فقد يعانون من فقدان السمع، وتضخم الكبد والطحال، واصفرار الجلد، والإعاقة العقلية، والعمى. وعن الأشخاص الذين يعانون من ضعف في أجهزتهم المناعية، قد يسبب لهم داء المقوسات بعض المضاعفات الخطيرة مثل النوبات، ومشاكل الرئة، والتهاب الدماغ. وتشير التقديرات إلى أن 22.5% من سكان الولايات المتحدة من هم فوق سن الـ 12 مصابون بطفيل التوكسوبلازما، وفي البلدان الأخرى، تتفاوت معدلات الإصابة بشكل كبير، فتتراوح من 30% إلى 95%.

عادة ما يتم تشخيص داء المقوسات من خلال الاختبارات المصلية التي تكشف عن وجود الأجسام المضادة للطفيل، كما يمكن إجراء التشخيص من خلال الملاحظة المباشرة للطفيل في الأنسجة المصبوغة وغيرها من الخزعات، ويمكن كذلك عزل الطفيل من الدم أو سوائل الجسم الأخرى مثل السائل النخاعي على سبيل المثال (CSF)، ويمكن الاستفادة من التقنيات الجزيئية للكشف عن الحمض النووي للطفيل في السائل المحيط بالجنين (Amniotic fluid). أما الحالات شديدة الخطورة فيمكن استخدام التصوير بالرنين المغناطيسي لها. معظم الأشخاص الأصحاء لا يحتاجون إلى علاج لداء المقوسات. ولكن قد يصف الطبيب بعض الأدوية مثل Daraprim وSulfadiazine وحمض الفولينيك (leucovorin) للأعراض والعلامات الحادة. ويمكن تجنب الإصابة بالعدوى من خلال لبس القفازات عند التعامل مع التربة، غسل اليدين بالماء والصابون، وتجنب تناول طعام غير مطهو جيداً، وغسل أواني المطبخ باستمرار، وغسل الخضار والفواكه جيداً، وعدم شرب حليب غير مبستر. ويجب على محبي القطط الاهتمام بنظافتها ولبس القفازات عند تنظيف صناديق فضلاتها وكذلك تجنب الاحتكاك بالقطط الضالة.

كيفية يتلاعب طفيل التوكسوبلازما بالدماغ

لأن طفيل التوكسوبلازما لا يستطيع أن يتكاثر جنسياً إلا في أمعاء القطط، كان عليه أن يخوض حرب البقاء، فهو يستخدم حيلة ذكية ليستمر في الانتقال بين القطط، مستخدماً القوارض كعائل وسيط. فقد سجّل عدد من الدراسات نجاحاً لطفيل التوكسوبلازما في تغيير سلوك الفئران المصابة، وجعلها تفقد خوفها الفطري من القطط، ليس هذا فحسب، بل أصبحت تنجذب لرائحة بول القطط وبذلك يسهل على القطط افتراسها. وتبين أن هذا الطفيل المجهري الدقيق، يقوم بالتحوصل في أنسجة الدماغ، ويمكنه العبث بمستويات إطلاق الدوبامين أو إحداث تغيير في مستقبلاته، فيؤثر على السلوك ويغير من مشاعر الخوف والقلق الطبعيين.

ملايين من البشر مصابون بهذا الطفيل

على الرغم من أن طفيل التوكسوبلازما يتواجد عادة في القطط، إلا أن وجود القطط في محور حياة البشر يجعله يصيب كذلك ملايين الأشخاص. وقد أشارت العديد من الدراسات إلى أن طفيل التوكسوبلازما يمكن أن يؤثر على شخصية الناس عن طريق إبطاء المنعكسات أو ردود الفعل (Reflexes)، فقد بينت إحدى الدراسات أن مساهمة الأفراد المصابين بالطفيل في حوادث السيارات تكون بمعدلات أعلى بمرتين ونصف من الأشخاص السليمين. كما ويمكن لطفيل التوكسوبلازما أن يجعل الأفراد المصابين أقل خوفاً وأكثر ميلاً للمخاطرة. وقد ربطت بعض الدراسات العدوى بطفيل التوكسوبلازما مع الاضطرابات الذهانية في البشر مثل إيذاء النفس والانتحار، وحتى الأمراض النفسية الخطيرة مثل الفصام. فطفيل التوكسوبلازما ليس الوحيد الذي يمتلك القدرة على السيطرة على أدمغة ضحاياه، فالمملكة الحيوانية زاخرة بالعديد من الأمثلة، وبدأ العلماء يدركون أن مثل هذه الطفيليات تساهم في التوازن البيئي وتحد من سيطرة أجناس على حساب أخرى. ويبقى السؤال مفتوحاً، هل هناك مخلوقات أخرى يمكنها التحكم والسيطرة على عقول البشر؟
 

  • أ.د. عبدالرؤوف علي المناعمة (دكتوراة في الأحياء الدقيقة، الجامعة الإسلامية في غزة)
  • روان حسن ريده (ماجستير أحياء دقيقة، الجامعة الإسلامية في غزة)

 

البريد الإلكتروني للكاتب: elmanama_144@yahoo.com
البريد الإلكتروني للكاتبة: rawaaan10001@gmail.com

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

مواضيع ذات علاقة

1 التعليقات

  • جاين اكيرا يوكي22 سبتمبر, 202202:52 ص

    وهل هذا الطفيلي موجود في الدم

    حسنا وهل هذا الطفيلي وهل يجري في الدم

    رد على التعليق

    إرسال الغاء

أضف تعليقك

/* Whatsapp Share - 26-6-2023 */