للبحث الدقيق يمكنك استخدام البحث المتقدم أدناه

يعتمد البحث السريع على الكلمات الموجودة داخل عنوان المادة فقط، أما البحث المتقدم فيكون في كافة الحقول المذكورة أعلاه

أدمغة حسب الطلب

  • الكاتب : د.طارق قابيل

    أستاذ التقنية الحيوية المساعد

  • ما تقييمك؟

    • ( 4 / 5 )

  • الوقت

    09:15 ص

  • تاريخ النشر

    05 سبتمبر 2013

أدى تعقيد الدماغ البشري إلى صعوبة دراسة العديد من اضطرابات الدماغ في نموذج الكائنات الحية، مما ساعد على تسليط الضوء على الحاجة إلى نموذج للدماغ البشري منمى في المختبر. وفي إنجاز علمي خارق قد يغير من طبيعة فهمنا للأمراض العصبية وطرق علاجها، تمكن العلماء من تنمية أول دماغ بشرى صغير في المختبر في أطباق بتري عن طريق زراعة الخلايا الجذعية بهدف زيادة القدرة على دراسة الأمراض العصبية ومن أجل إيجاد رؤية أفضل لإنتاج علاجات لهذه الأمراض المستعصية.

وقد استضافت أطباق بتري الشهيرة هذا البحث الفريد. وأطباق بترى هي الأطباق الزجاجة والبلاستيكية المستخدمة في المختبرات في جميع أنواع التجارب البيولوجية والطبية والصيدلانية وغيرها من البحوث العلمية، مثل زراعة الفطريات، والبكتريا، وتربية الأميبا، وزراعة الخلايا والأنسجة النباتية والحيوانية والبشرية، وهذا ليس خيالا علميا على الإطلاق، فالعلماء يقومون حاليًا بتنمية العقول في أطباق بتري بالفعل.ولكن الآن، تشهد هذه الأطباق الزجاجية الدائرية حدثًا مدويًا، وتجرى بها الآن أحداث مستقبلية أبرزها تنمية العقول في المختبر!

ووفقا لدراسة نشرت الأسبوع الماضي (يوم 28 أغسطس) في دورية "نيتشر" العلمية، فقد نمى علماء البيولوجيا في معهد التكنولوجيا الحيوية الجزيئية في فيينا دماغًا بشريًا باستخدام الخلايا الجذعية عن طريق استخدام المزيج الصحيح من المواد المغذيّة وقليلا من التحفيز تمكن العلماء من تحويل الخلايا الجذعية البشرية المستمدة من الجلد إلى قطع من أنسجة الدماغ. ونشر الباحثون أول وصف وتطبيق لهذه "العقول الصغيرة".

واستخدم الباحثون خلايا جذعية بشرية وابتكروا مزرعة في المختبر مما سمح لهم بتخليق أشباه أدمغة صغيرة يتكون كل منها من عدة مناطق دماغية متميزة، وقد قام العلماء بتطوير نظام زراعة نسيجية ثلاثي الأبعاد لنموذج أسموه "أورجانويد" (عُضَيّ عُضْوَانِيّ/مُشَابِهٌ للعُضْوِ) دماغي مستمد من الخلايا الجذعية مُتَعَدِّدة القُدْرَات لتنمية العقل البشري.

هذا الدماغ ليس مكتمل النمو، ولكنه عبارة عن أقسام صغيرة ثلاثية الأبعاد من الأنسجة التي تشبه دماغ جنين بشرى بعمر تسعة أسابيع بحجم يتراوح ما بين 3 إلى 4 ملليمترات. وتنمو الكتل حتى تشبه أدمغة الأجنة في الأسبوع التاسع من الحمل.

ورأى الباحثون تحت المجهر أن الترتيب العام لمناطق هذا "الدماغ الأولي" المختلفة تتفاوت بشكل عشوائي عبر عينات الأنسجة – مما يؤكد غياب هيكل واضح، وتفتقر كرات الأنسجة للأوعية الدموية، والذي يمكن أن يكون أحد أسباب صغر حجمها البالغ قطره 3-4 ملليمترات، حتى بعد مرور أكثر من 10 أشهر.

وبهذا نجح العلماء في تخليق أول أدمغة بشرية صغيرة في المختبر ويمكن أن يؤدي نجاحهم إلى مستويات جديدة من معرفة الطريقة التي يتطور بها الدماغ والاضطرابات مثل انفصام الشخصية والتوحد. ووجد الباحثون أن قطع الأنسجة الناتجة من الخلايا الجذعية المستمدة من جلد الإنسان المصاب بالصعل (صِغر الرأس) لا تنمو إلى حجم الكتل المستمدة من شخص سليم. ويأتي هذا التأثير نتيجة للتمايز المبكر للخلايا الجذعية العصبية داخل قطع أنسجة مريض الصعل، مما يؤدي إلى استنزاف الخلايا الجذعية التي تغذّي نمو الدماغ العادي.

ويقوم هذا النموذج على تطوير مناطق مختلفة منفصلة من الدماغ، واستخدم العلماء تداخل الحمض النووي الريبي وخلايا جذعية لمريض محدد لتنمية هذا النموذج في المختبر، وهو ما يصعب دراسته على فئران التجارب، ويمكنه المساعدة في تفسير النمط الظاهري للمرض.

وعلى الرغم من عدم تطور الدماغ بشكل كامل، إلا أن هذا النموذج للدماغ يقدم مناطق مختلفة من الدماغ البشرى، مثل القشرة الظهرية، والدِّماغُ المُقَدَّم البَطْنانِيّ، وشبكية العين غير الناضجة، ويمكنه البقاء على قيد الحياة حتى سنة كاملة داخل مفاعل حيوي استزراع مغزليّ دَوّار (لتوزيع المواد المغذية والأكسجين).

واستخدم الباحثون هذه الطريقة لدراسة الجوانب الرئيسية للصعل -صغر الرأس، وهو مرض يسبب توقف حاد في نمو الدماغ وضعف في الادراك واستخدمت كنموذج لـ microcephaly وهو اضطراب وراثي يحدث عند الإنسان ويؤدي إلى تكون الدماغ وتطوره إلى حجم صغير جداً. وبقيت هذه الأدمغة "على قيد الحياة" لمدة عام تقريبا، ولكن من الصعب تكرار نماذج صغر الرأس والاضطرابات العصبية النمائية الأخرى في القوارض بسبب الاختلاف البيّن في طريقة نمو الدماغ.

وقد نجح الباحثون في وقت سابق في استخدام الخلايا الجذعية البشرية لإنتاج هياكل تشبه العين وحتى طبقات أنسجة مماثلة لقشرة الدماغ. لكن حديثًا، طوّر العلماء كتل أنسجة عصبية أكبر وأكثر تعقيدًا من خلال زراعة الخلايا الجذعية لأول مرة على هلام اصطناعي يُشبه ذلك الموجود في الأنسجة الضّامة الطبيعية في المخ وأماكن أخرى من الجسم. ثم تنقل الكتل لإناء استزراع مغزليّ ليمد الأنسجة بالمواد المغذيّة والأكسجين.

وأظهرت النتائج البحثية أنه يمكن اعتماد هذا النموذج لدراسة تطور النسيج الدماغي وتطور الأعراض المرضية حتى في هذه الأنسجة البشرية الأكثر تعقيدا. وتبيّن الدراسة أيضا، إمكانية استخدام الأنسجة البشرية المشتقة من الخلايا الجذعية كنموذج لاضطرابات أخرى، إذا كان من الممكن التحكم في نمو الخليّة بشكل أفضل.

وقال منسق الدراسة يورجن كنوبليتش وفقا لمجلة "بوبيلار ساينس" (العلوم الشعبية): " يتم تنظيم الأجزاء بشكل صحيح، ولكن لم تضع معا"، ووصفها بأنها " سيارة، حيث يكون لديك محركاً، ولديك عجلات، لكن المحرك على السطح... هذه السيارة لا يمكن قيادتها أبدًا، ولكن لا يزال يمكنك أن تأخذ تلك السيارة وتحلل كيف يعمل المحرك".

وهذه هي المرة الاولى التي يتمكن فيها العلماء من تخليق أنسجة دماغية في ثلاثة أبعاد، وباستخدام أشباه الادمغة تمكن العلماء من انتاج نموذج بيولوجي للكيفية التي تتطور بها حالة دماغية نادرة يطلق عليها تطورات صغر الرأس فيما يشير الى ان نفس الطريقة يمكن ان تستخدم في المستقبل لعمل نموذج لاضطرابات مثل التوحد أو انفصام الشخصية التي تؤثر على ملايين الاشخاص في أنحاء العالم. ولا يزال إنتاج دماغ كامل بعيد المنال، ولكن هذه الكتل العصبيّة المشابهة في حجمها لحبة البازلاء يمكنها أن تكون مفيدة لبحوث الأمراض العصبية البشرية.

وقام العلماء في معهد التكنولوجيا الحيوية الجزيئية (IMBA) التابع لأكاديمية العلوم النمساوية بزراعه أنسجة المخ البشري المعقدة في نظام الاستزراع الثلاثي الأبعاد باستخدام خلايا جذعية محفزة تطورت إلى فصوص مخية كونت دماغاً مصغراً من الممكن تمييز عدة أجزاء منفصلة فيه.

نظمت المجموعة ظروف النمو التي ساعدت على تمييز الخلايا الجذعية إلى عدة أنسجة دماغية بدءاً من سلسلة خلايا جذعية جنينية بشرية وخلايا جذعية مستحثة  (iPS، ويقول الباحث المشارك في الدراسة يورغين نوبليتش لقد عدّلنا إحدى الطرق المعتمدة لإنتاج ما يسمى بالأديم الظاهر العصبي"neuroectoderm" ، وهي طبقة الخلايا التي يتولّد منها الجهاز العصبي. وأخذوا أجزاء من هذا النسيج وضعت في نظام الاستزراع ثلاثي الأبعاد ودمجت مع قطرات من جل خاص يوفر ركيزة لنمو النسج المعقدة، ومن أجل تعزيز امتصاص المواد الغذائية نقلت قطرات الجل إلى مفاعل حيوي دوار، وفي غضون ثلاثة إلى أربعة أسابيع، تشكلت المناطق المحددة من الدماغ.

وبعد 15-20 يوما، تشكلت الفصوص الدماغية cerebral organoids والتي تتكون من أنسجة متصلة neuroepithelia يحيط بها تجويف مملوء بسائل. وبعد 20-30 يوما تطورت وتوضحت مناطق دماغية محددة أخرى، كالقشرة الدماغية والسحايا والضفيرة المشيمية.

وبعد شهرين، وصل هذا الدماغ الى الحجم الأقصى ومن المتوقع بقاءه على قيد الحياة إلى أجل غير مسمى (وصل حاليا إلى أكثر من 10 أشهر) في المفاعل الحيوي الدوار. ولم يتحقق مزيد من النمو على الأرجح بسبب عدم وجود نظام دورة دموية وبالتالي نقص في المواد المغذية والأكسجين في مركز هذه الأدمغة الصغيرة.

كوّن العلماء "دماغاً مصغراً" من خلايا الجلد لمريض لديه مرض صغر الرأس microcephaly و كما هو متوقع، نمت الفصوص الدماغية " organoids " بحجم أصغر مع ملاحظة أنه بالرغم من أن الأنسجة العصبية الظهارية صغيرة إلا أن النمو سريع. وافترض العلماء أنه خلال تطور الدماغ عند المرضى الذين يعانون من صغر الرأس حدث التمايز العصبي قبل الأوان على حساب الخلايا الجذعية و المولدة التي من شأنها أن تسهم بشكل او آخر في نمو أكثر وضوحا في حجم الدماغ.

هذه الأدمغة غير قادرة على التفكير أو الإدراك، ولكنها تؤمن للباحثين نموذجاً رائعاً لدراسة تطور الدماغ البشري الذي يصعب تمثيله عند الحيوانات. ويهدف هؤلاء العلماء لاستخدام الأدمغة (العقول) النامية فى المختبر لدراسة الأمراض، مثل مرض الشيزوفرينيا (انفصام في الشخصية) ومرض التوحد. وحسب العلماء فأن عقول الحيوانات كالفئران مختلفة تماما عن العقول البشرية في الدراسات القاطعة لأنواع عديدة من الأمراض العصبية، ويمكن استخدام هذا النظام الجديد كنموذج لدراسة الأمراض العصبية في دماغ بشري طبيعي، بدلاً من نموذج حيوان والذي قد لا يتطور بنفس طريقة الأدمغة البشرية.

ومن المعروف أن الخلايا الجذعية هي الخلايا التي اصبحت تسمى الخلايا السحرية وهي خلايا جسم عادية يتم اعادة برمجتها لكي تتحول الى خلايا يمكنها ان تتخصص من جديد وتصبح عضوا جديدا كالقلب والكبد والكلى، واهميتها ليست تكمن في انه أصبح لدينا مصدر لا ينضب من الخلايا الجذعية ولكن لقدرتها الرهيبة على التحول الى اي عضو يخطر ببالك مما يجعلها تنافس الخلايا الجنينية ولكن دون اي مشاكل اخلاقية كما في حالة الخلايا الجنينية.

واستخدام العلماء الخلايا الجذعية المستحثة لعلاج العديد من الأمراض، واستطاع العلماء تخليق أجزاء أخرى من الجسم، مثل الكبد وأنسجة القلب، ولكن هذه الأعضاء ليست معقدة للغاية مثل الدماغ. وفقا لمجلة "بوبيلار ساينس"، فنموذج الدماغ ثلاثي الأبعاد المخلق في المختبر بواسطة الباحثين في فيينا هو النسيج الأكثر تعقيدا الذي تمت تنميته مختبريا في العالم حتى الآن.

ورغم انه يبدأ بنسيج بسيط نسبيا فان الدماغ البشري ينمو بسرعة الى أعقد تركيب طبيعي معروف ولا يعلم العلماء شيئا عن كيفية حدوث ذلك، وهذا يجعل الامر بالغ الصعوبة بالنسبة للباحثين لفهم ما قد يحدث من أخطاء -وبالتالي كيفية علاجها -في اضطرابات شائعة مثل الاكتئاب وانفصام الشخصية والتوحد.

والامل بعد الله معقود على الخلايا الجذعية لعلاج العديد من الأمراض التي كان يستعصي على الطب علاجها من قبل. كما وسع هذا البحث نطاق امكانية استخدام تكنولوجيات الخلايا الجذعية في فهم تطور الدماغ واليات المرض واكتشاف عقاقير جديدة.

المصادر

  • إنجاز علمي غير مسبوق يمهد لفهم أمراض المخ، تصنيع‏'‏ أدمغة بشرية صغيرة‏'‏ من الخلايا الجذعية.
  • http://www.ahram.org.eg/NewsQ/229588.aspx
  • Whoa! Scientists Grow A Brain In A Dish
  • http://www.popsci.com/science/article/2013-08/whoa-scientists-grow-brain-dish?src=SOC&dom=tw
  • Cerebral organoids model human brain development and microcephaly
  • http://www.nature.com/nature/journal/vaop/ncurrent/full/nature12517.html

 

البريد الإلكتروني للكاتب : tarekkapiel@hotmail.com

هذا والموقع يساعد المؤلف على نشر إنتاجه بلا مقابل من منفعة معنوية أو مادية، شريطة أن يكون العمل متوفراً للنسخ أو النقل أو الاقتباس للجمهور بشكل مجاني. ثم إن التكاليف التي يتكبدها الموقع والعاملون عليه تأتي من مساعدات ومعونات يقبلها الموقع ما لم تكن مرتبطة بأي شرط مقابل تلك المعونات.

ترخيص عام

الموقع قائم على مبدأ الترخيص العام للجمهور في حرية النسخ والنقل والاقتباس من جميع المحتويات والنشرات والكتب والمقالات، دون مقابل وبشكل مجاني أبدي، شريطة أن يكون العمل المستفيد من النسخ أو النقل أو الاقتباس متاحا بترخيص مجاني وبذات شروط هذا الموقع، وأن تتم الاشارة إلى منشورنا وفق الأصول العلمية، ذكرا للكاتب والعنوان والموقع والتاريخ.

مواضيع ذات علاقة

0 التعليقات

أضف تعليقك

/* Whatsapp Share - 26-6-2023 */