في السادس عشر من ديسمبر 2016 وقف الدكتور تيموثي نويل، من جامعة آيندهوفن للتكنولوجيا، في آيندهوفن، هولندا، للتصوير أمام مراسل وكالة "رويترز" وهو يحمل ورقة اصطناعية صممت لتعمل كمصنع صغير لإنتاج الأدوية، وهي خطوة علمية متميزة قد تسمح بإنتاج الأدوية في أي مكان تسقط عليه أشعة الشمس. ويحمل استخدام ضوء الشمس لتعزيز التفاعلات الكيميائية إمكانات كبيرة فيما يتعلق بحلول الطاقة المستدامة؛ حيث أورد الباحثون مفاعل ميكروي ضوئي مستوحى من ورقة النبات يشكل الاندماج بين المُرَكّزات الشمسية المنيرة Luminescent Solar Concentrators (LSCs) والكيمياء الضوئية التدفقية لتمكين تفاعلات خضراء فعالة مدعومة من الإشعاع الشمسي. هذا الجهاز المصنوع على أساس ثنائي ميثيل بولي سيلوكسان الفلوري المنشط بالصبغة يجمع أشعة الشمس، ويركز الطاقة لمنطقة ضيقة الطول الموجي، ثم ينقل هذه الطاقة إلى قنوات ميكروية حيث يتم تحويل المواد المتفاعلة المتدفقة إلى منتج دوائي نهائي.

ورقة نبات إصطناعية

وبينما زاد عدد التحولات الناجمة عن الضوء المرئي إلى حد كبير، فإن استخدام ضوء الطاقة الشمسية الوفير من قبل كان محدودًا للغاية. ويمكن اعتبار هذا الابتكار الجديد "ورقة نبات إصطناعية"، ويأمل العلماء الهولنديون أن الورقة يمكنها أن تتحول إلى مصنع صغير للغاية لإنتاج الأدوية فيما يمثل تقدماً يمكن أن يسمح بإنتاج الدواء في أي مكان تصل إليه أشعة الشمس. ويستفيد هذا الابتكار من قدرة النباتات على استخدام ضوء الشمس في التغذية من خلال عملية التمثيل الضوئي، وهي عملية بذل علماء الكيمياء جهوداً كبيرة لمحاكاتها لأن أشعة الشمس متوفرة بكثرة، وقادرة على إحداث التفاعلات الكيميائية بسهولة ويسر.

ويحاكي هذا المصنع المصغر المستوحى من أوراق الشجر قدرة الطبيعة على تجميع الأشعة الشمسية باستخدام مواد جديدة يطلق عليها المُرَكّزات الشمسية المنيرة (LSCs)، والتي لها قنوات رقيقة تضخ من خلالها السوائل بما يعرض الجزيئات لضوء الشمس لإتمام التفاعلات الضوئية. ويمكن لورقة الشجر المبتكرة المصنوعة من المطاط المستخرج من السليكون العمل حتى في ظروف تشتت ضوء الشمس مثلما هو الحال مع وجود سحب في السماء. غير أنه ما زال هناك مجال لتوسيع استخدام هذه العملية لكي تصبح ذات جدوى تجارية.

ولأن ورقة النبات الاصطناعية تعتمد على القنوات الدقيقة في تحقيق الاتصال المباشر بين المواد الكيماوية وأشعة الشمس فمن الضروري أن تكون كل وحدة صغيرة، لكن من الممكن توصيل جميع هذه الوحدات ببعضها البعض لزيادة الإنتاج. وقال تيموثي نويل رئيس فريق الباحثين بجامعة أيدنهوفن للتكنولوجيا: "من الناحية النظرية يمكنك استخدام هذه الوسيلة لتصنيع مركبات دوائية بالطاقة الشمسية في أي مكان تشاء." وهو يعتقد أنه ربما يكون من الممكن في يوم من الأيام تصنيع أدوية للملاريا في الغابات أو حتى تصنيع أدوية على سطح كوكب المريخ في أي مستعمرات فضائية تقام مستقبلاً، وذلك بالاستغناء عن ضرورة وجود شبكة للطاقة. وقد نشر نويل وزملاؤه بحثهم في نشرة (أنجواندت كيمي) العلمية، وهم يحاولون الآن تحسين كفاءة استخدام الطاقة وزيادة الإنتاج. وقال نويل لرويترز "بوسعك أن تصنع شجرة كاملة بأوراق كثيرة مختلفة مرصوصة على التوازي." وهو يعتقد أن هذه العملية قد تصبح متاحة على نطاق واسع لعلماء الهندسة الكيميائية خلال فترة تتراوح بين خمس وعشر سنوات.

وليست هذه هي المرة الأولى التي يستوحي فيها العلماء شيئا من النباتات عند التفكير في سبل مبتكرة لتصنيع المستحضرات الدوائية. ففي عام 2012 أقرت إدارة الأغذية والعقاقير الأمريكية دواء اسمه إليليسو من إنتاج شركتي فايزر وبروتاليكس بيوثيرابيوتكس لعلاج مرض جوشر النفسي وهو حالة وراثية نادرة تم تصنيعه باستخدام خلايا مأخوذة من الجزر ومعدلة وراثياً. كما يزرع باحثون آخرون محاصيل معدلة خصيصاً لإنتاج أدوية مفيدة وأمصال باستخدام أوراقها. ويحقق هذا الابتكار الأخير نقلة نوعية في مجال الكيمياء الضوئية ذات الدفق المستمر الذي يحقق كفاءة الطاقة. وسيظل النبات ملهماً للكثير من العلماء في القيام بالكثير من الأبحاث لمحاكاة آلياته فائقة الدقة في إجراء أصعب العمليات الكيميائية والحيوية بكل سهولة ويسر.

رابط البحث:

• onlinelibrary.wiley.com/doi/10.1002/anie.201611101/abstract

المقال بصيغة PDF للقراءة والتحميل أعلى الصفحة.

بريد الكاتب الالكتروني: tkapiel@sci.cu.edu.eg